الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جنيف 2: امريكا واعادة التموضع

جنيف 2: امريكا واعادة التموضع

19.11.2013
محمد صادق الحسيني


القدس العربي
الاثنين 18/11/2013
كل المعطيات الظاهرية تشير إلى ‘تقاطع سياسات ‘ أميركي إيراني على التوصل إلى تفاهم ولو شكلي، اي اتفاق اطار في خلال مفاوضات جنيف2 المقرر أن تستأنف في الـ20 من الشهر الجاري .
ثمة من يقول بان ما يستدعي مثل هذا الاتفاق المرتقب من طرف واشنطن والذي تزداد مؤشرات صدقيته يوما بعد يوم هو قرار واشنطن الاستراتيجي في اعادة التموضع الكوني او العالمي نتيجة تحولات هزائمية و اخرى تتعلق بالطاقة وثالثة تخوفا من زحف صيني روسي يأكل من حصة نفوذ الامريكي المتآكل!
قرار واشنطن هذا يستدعي كما يفترض سعيها إلى تهدئة في المنطقة وإقامة منظومة إقليمية تضمن مصالحها (التي تغير مفهومها وموقعها على جدول الأولويات الامريكي)، بحيث تستطيع أن تضمن تسيير أمور المنطقة بحد أدنى من التدخل الامريكي !
مسعى كهذا لا يمكن أن يحصل من دون حزمة تفاهمات مع إيران التي باتت الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في حل او تهدئة اي ازمة او ملف ساخن في المنطقه من دونها باي شكل من الاشكال يضيف العارفون بخيوط التحولات الجيوسياسية والجيواستراتيجية على ارض الواقع !
ولما كان على واشنطن ان تبدأ خطة اعادة التموضع خروجا من غرب آسيا باتجاه الشرق الادنى لمواجهة الصين و حلفائها الكونيين لا بد لها أن تبدأ في مكان ما مع ايران بالذات ، وايران من الزاوية الامريكية الاسرائيلية التي تعتمد النظرة الامنية في كل شيء فكان لا بد من البدء بالنووي لا غير !.
من الزاوية الايرانية ايضا وان من زاوية متفاوتة فقد أثبتت التطورات، سواء من الناحية العملية أو من حيث التشبث الإيراني بمبادئه وثوابته ، فان هذا المكان لن يكون إلا الملف النووي.
من هنا، دخل المفاوض الامريكي الجولة الأخيرة في جنيف وأولويته وحيدة: إدخال إيران في مسار تفاوضي، بغض النظر عن المعوقات أو الانجازات التي يمكن أن تتحقق في المستقبل. هو يريد ويتوسل مصافحة وصورة وبيان مشترك يعلن عن التوصل الى شيء ما، مهما كان !
هناك طبعاً سبب آخر، أكثر آنية، يدفع الوفد الامريكي المفاوض في جنيف إلى التوصل إلى تفاهم من أي نوع كان مع نظيره الإيراني. حيث تدرك إدارة باراك أوباما أنها لا تستطيع أن تجعل ممثل إدارة الرئيس حسن روحاني يعود إلى بلاده خالي الوفاض. لا شك في أنها اتخذت قراراً، وراء كواليس العملية التفاوضية، بإعطاء الإيرانيين شيئاً ما يواجهون به التيارات ‘الرافضة’ للحوار مع أمريكا في داخل الجمهورية الإسلامية. بنظرها.
ليس مهماً طبيعة التفاهم، المهم أن يكون شيئاً تستطيع حكومة روحاني المحاججة به في الداخل !
من ناحية إيران في المقابل، فإن الوفد المفاوض الإيراني دخل جنيف بمجموعة من الحاجات والضرورات.
فهو أولاً يدرك حجم المشكلة الاقتصادية في بلاده، والتي أقام الشيخ روحاني حملته الانتخابية على وعد بحلها، عبر انفتاح على الغرب يؤدي إلى إزالة العقوبات.
وهو ثانياً يدرك أنه يواجه عاصفة من المحاججة والتشكيك بمدى نجاعة سياساته الانفتاحية على الغرب، على قاعدة أنها لن تؤدي إلى شيء وأنها لن تأتي على إيران إلا بتنازلات في مقابل لا شيء وهو ما لن يحتمله بسهولة !
وهو يدرك ضرورة أن يعود بشيء ما يستطيع أن يسوقه على أنه إنجاز يدعم حجته بصوابية نهجه، من دون أن يلامس الخطوط التي يعتبرها التيار الاصولي الثوري تنازلات مجانية مثلا !
كلها أسباب تجعل المفاوض الإيراني في جنيف يدير المباحثات تحت عنوان واحد أحد: الخروج باتفاق مشرف من اي نوع كان ولكن بشكل لا يتجاوز الجوهر الاطاري !
ما تم تداوله بعد جنيف 2 من تبادل الأطراف المعنية بتهم إفشال مفاوضات جنيف، يؤكد ان القاعدة هو أن تخرج اجتماعات ‘ 5 الاثنين 18/11/2013 1 مع ايران باتفاقات ما، وأن فشلها يعد استثناءً لا العكس وهو ما يحصل لاول مرة ما يؤكد الى ما ذهبنا اليه !
من جانبها فرنسا المتهم الاساسي في تخريب او افشال مفاوضات جنيف 2 فان الامر لا يحتاج الى الكثير من البرهان على تورطها في المستنقع الصهيوني وذلك من خلال مقدار التزلف الذي تمارسه إدارة فرنسوا هولاند للكيان الاسرائيلي، قبل ايام من زيارته لتل أبيب حيث يريد اقامة احتفالية له مع نتنياهو وفريقه الحاكم في تل ابيب ممثلا للتجمع الغربي مجتمعا وحسب الخطة المرسومة التي لا تتجاوز مدتها الزمن المتبقي لحلول موعد جنيف 2!
هذا ناهيك طبعا عن صفقات تسلح موعودة مع الخليج، جعلت باريس أكثر الآذان إصغاءً للتعليمات السعودية هكذا يقول المتابعون بعناية للسلوك الفرنسي المتهور والمكابر تجاه اكثر من ملف اقليمي !
عاملان آخران يمكن ان يكونا ساعدا فرنسا على توكيلها بمهمة إجهاض التفاهم في جنيف 2. الأول لعبة الاجماع داخل ’5 الاثنين 18/11/2013 1. والثاني قدرة فرنسا على إقامة ‘حجة’ كان من الصعب دحضها في الصالونات الدبلوماسية الغربية:
‘ جدار العقوبات الذي فرضناه أخيراً على إيران بنيناه بدموع العين، واستغرق سنوات لتشييده. احتاج الأمر إلى فرض عقوبات ليس فقط على الدولة المستوردة للنفط الإيراني، بل على الشركة التي تملك الناقلة وشركة التأمين التي تؤمن عليها، وعلى الشركة المالكة لمصفاة التكرير، وعلى شركة النفط التي تؤمن عليها، وعلى المصرف الذي يحجز الاعتمادات… ‘ هكذا يقول المتابعون !
في المقابل، نحن ندرك عطش الشركات الغربية عموما والامريكية خصوصا، وهي بعشرات الآلاف، إلى السوق الإيرانية، التي ستستغل أي كوة للتدفق عبرها بما يؤدي إلى توَسّعها تلقائياً وانهيار هذا الجدار في نهاية المطاف ما ارعب باريس وتل ابيب .
اخيرا فان وبينما يؤكد المتابعون بان مفاوضات جنيف المرتقبة سائرة لا محالة نحو اتفاق، ولو على إطار التفاوض. وان هذا التفاهم سيأتي سريعا، وسيكون مطاطاً، يسمح للطرفين بادعاء تحقيق انجاز!
فان المراحل اللاحقة من المفاوضات ستعتمد على أمرين كلاهما بيد اللاعب صاحب القرار الايراني اللاعب على ارض ‘جيوبوليتيكا المقاومة’: مقدار تشبث المفاوض الإيراني بمبدأ فصل الملفات، والاتجاه الذي ستسلكه التطورات الميدانية، خاصة في سورية ذلك ان كل ما يتحرك الان في محيط جنيف ومدارها السياسي هو من نتائج اندحار العدوان الامريكي الاسرائيلي على بوابات الشام !
وهكذا تكون الشام قد تحولت فعلا معراجا للايرانيين الى السماء وهي العبارة التي رددها الجنرال الحاج قاسم سليماني محذرا الامريكيين يومها من دخولها وصارت دمشق مقبرة لمن اراد جنيف بشروط امريكية باتت مستحيلة التحقيق !