الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جنيف 2 فرص النجاح أكبر فمن يتحمل مسؤولية الفشل؟

جنيف 2 فرص النجاح أكبر فمن يتحمل مسؤولية الفشل؟

02.06.2013
عبد الحميد صيام


القدس العربي
السبت 1/6/2013
فرصة الحل السياسي لأي صراع مسلح تتسع عندما يصل طرفا النزاع الأساسيان إلى قناعة تؤكد عدم إمكانية الحسم العسكري، فتصبح طاولة المفاوضات أو قرار مجلس الأمن أو جهود الوسيط الدولي خشبة النجاة لكلا الطرفين. هكذا انتهت الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وهكذا انتهت حرب البوسنة عام 1995، وهكذا انتهت حرب العشرين سنة في جنوب السودان عام 2005 وغيرها. أما إذا كان أحد الطرفين قادرا على حسم المعركة عسكريا، فليس هناك من سبيل إلى الحل السياسي. لهذا السبب استسلمت القوات الأرجنتينية أمام القوات البريطانية في حرب الفولكلاند عام 1982، ولهذا السبب صرح الجنرال الأمريكي شوارزكوف عندما التقى نظيره العراقي اللواء سلطان هاشم في خيمة صفوان يوم 3 آذار/مارس عام 1991 اأنا لم آت للتفاوض. هناك وثيقة وقف إطلاق النار ومطلوب من الجنرال العراقي توقيعهاب. ولنفس السبب كان علي عبدالله صالح يتحدث مع المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي حول وقف إطلاق النار، بينما يتابع جيشه تدمير آخر مواقع قوات الانفصال في اليمن الجنوبي، وأعلن انتصاره يوم 7 تموز/يوليو 1994.
ونظرة موضوعية للحرب متعددة الأطراف في سورية تؤكد أن الحالة الآن وصلت إلى نوع من التوازن لا يستطيع أي من الطرفين الأساسيين حسم النزاع نهائيا لصالحه، ولا يبقى أمامهما إلا الجلوس الى طاولة المفاوضات والاستعداد لتقديم تنازلات مهمة للخروج من الأزمة القاتلة التي دمرت البنية الأساسة للدولة السورية، ومزقت نسيج المجتمع السوري، وألحقت الأذى بالموروث الحضاري العظيم لبلد يعتبر موطئ أول حضارة إنسانية بقيت متواصلة لم تنقطع عبر القرون.
لهذا تستعد الدول الكبرى الآن لعقد مؤتمر دولي أطلق عليه ‘جنيف 2 استكمالا للقاء سابق في نفس المدينة عقد في 30 حزيران/يونيو 2012 صدر عنه إعلان جنيف لحل الأزمة السورية سياسيا. وقد شارك في اللقاء الأول الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وتركيا وقطر والعراق، وغاب عنه كل من إيران والسعودية ومصر. في هذه المرة نعتقد أن الجميع سيكون حاضرا في اللقاء، لأن غياب بعض الدول أخطر من حضورها، وإبقاء بعض اللاعبين المهمين خارج الملعب قد يؤثر على قواعد اللعبة كلها. كما نتوقع أن تكون نقطة انطلاق ‘جنيف 2 من آخر ما توصل إليه لقاء ‘جنيف 1، أي موضوع وقف إطلاق النار والسماح لمنظمات الإغاثة بالوصول إلى كافة أرجاء سورية، ومن ثم الاتفاق على ولوج المرحلة الانتقالية بقيام حكومة ذات صلاحيات فعلية تنقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار والإعمار والبناء، وتشييد نظام سياسي تمثيلي تعددي يعكس نسيج سورية الاجتماعي ذا الألوان المختلفة والأطياف المنوعة.
هل سيعقد المؤتمر الذي لم يحدد موعده بعد؟ هل ستشارك فيه شرائح المعارضة، من دون إقصاء أو استحواذ؟ كيف سيتم التعامل مع أطياف المعارضة؟ وهل سيتمكن المؤتمر من الاتفاق على حل شامل وحقيقي يخرج سورية الوطن والشعب من دوامة العنف والقتل والتدمير التي اجتاحت البلاد منذ أكثر من سنتين. هذه أسئلة ما زالت قيد البحث والتمحيص، خاصة من قبل اللاعبين الأساسيين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. لكننا نرى أن هناك أسبابا عديدة تشير إلى إمكانية نجاح المؤتمر وسببا أساسيا واحدا قد يؤدي إلى فشله. هناك مؤشرات قد تساعدنا على رفع مستوى التفاؤل، من دون التأكد من نجاحه. وهذه المؤشرات تتعلق أساسا بالوضع الداخلي لأطراف المعادلة السورية المحليين والدوليين.
وضعية النظام ونقاط ضعفه، لم يستطع النظام حسم المعركة على الأرض لصالحه بعد أكثر من سنتين من استخدامه كافة أنواع الأسلحة الثقيلة، بما فيها سلاح الطيران وصواريخ سكود والمدفعية الثقيلة والراجمات الصاروخية والبراميل المتفجرة. فالجيش النظامي لحد الآن لم يستطع اقتحام ‘داريا’ بعد حصار دام نحو سنتين، واستعان في معركة القصير بحلفائه من ‘حزب الله’. فلو أن المقاتلين مجموعات إرهابية وفلول من المتطرفين لاستطاع أن يقتلعهم بسهولة، لكنه لم يتمكن لأن الغالبية الساحقة من المعارضة تنتمي للشعب السوري نفسه. كما تعرض النظام أخيرا لضربات إسرائيلية قوية، عرضت مصداقية النظام للاهتزاز، بسبب تكرار الأسطوانة المشروخة بأن يكون هناك رد في المرة القادمة، بل أساء أكثر إلى نفسه عندما أوعز لحلفائه من الفلسطينيين واللبنانيين والإيرانيين بإمكانية تحويل الجولان إلى جبهة مفتوحة للقتال. ولا يستطيع أحد أن يبتلع مثل هذه التهديدات التي لا يتعدى استخدامها تكتيكا لمواجهة حملة التشكيك، وسُلما يساعد النظام على النزول من البرج الذي شيده لنفسه بعيدا عن الواقع. إذن من مصلحة النظام الذي أعيد تقييمه غربيا ليكون طرفا مقبولا في المفاوضات، أن يسارع بقبول المشاركة الجادة في المؤتمر.
وضعية المعارضة ونقاط ضعفها، اما المعارضة فتعاني من ثلاثة أعراض أساسية جعلتها تتراجع سياسيا وميدانيا. أولها الانقسامات الحادة التي عجزت كافة القوى والأصدقاء والمؤتمرات عن تجسير الخلافات وتضييقها. وثاني تلك المصائب إعلان بعض أطراف المعارضة ولاءها لتنظيم ‘القاعدة’، مما أساء لمجموع المعارضة وجعلها في موقع الدفاع وقلص عدد المتحمسين لمساندتها وأوقف عمليات الانشقاق داخل الجيش. وقد بدأ السؤال يتردد ‘إذا كان الخيار بين جبهة النصرة والتكفيريين أو نظام بشار الأسد، فالأفضل أن نبقى تحت حكم بشار’. إن ممارسات التنظيمات التكفيرية على الأرض أساء لكل الشعب السوري المتسامح الواعي المثقف الحضاري، الذي أطلق انتفاضته السلمية لتوسيع دائرتي الحرية والكرامة والاستمتاع بوطن جميل يصون حقوق مواطنيه ويعيد صياغة قانون عصري يعزز التعددية ويطلق الحريات ويعزز سيادة القانون وينهي حكم العائلة الواحدة والحزب الواحد والقائد الأبدي. ولم يكن يتخيل أحد أن هذه الجماعات الظلامية ستتلملم من أطراف الأرض وتتجمع في سورية لتقيم إمارة إسلامية معنية بجز الرؤوس وقطع الأيدي والاعتداء على الكنائس والرهبان والأقليات. أما السبب الثالث فهو فشل المعارضة في فتح خطوط مع الأطراف الداعمة للنظام، خاصة الاتحاد الروسي والصين بهدف طمأنة تلك الدول بصون مصالحها في سورية الحرية والديمقراطية والتعددية، مما صلب مواقف تلك الدول في تأييد النظام. لهذه الأسباب مجتمعة نعتقد أن من مصلحة المعارضة الوطنية الغيورة على شعبها ووطنها أن تشارك بجدية في المؤتمر، من دون شروط مسبقة وتحاول قدر الإمكان أن تحصل على أكبر قدر من التنازلات، لأن المجتمع الدولي بشكل عام متفق على انتقال سورية إلى مرحلة الديمقراطية والتعددية والمواطنة المتساوية.
الموقفان الروسي والأمريكي، قد تكون هذه المرة الأولى بعد نهاية الحرب الباردة التي يتمترس فيها الاتحاد الروسي على موقفه، من دون أن يتراجع أو يساوم، بل وأجبر الولايات المتحدة على تغيير مجمل مواقفها والاقتراب منه بدل العكس. لقد سلمت الولايات المتحدة بحقيقة الدور الروسي في المسألة السورية، بعد أن تم تهميش هذا الدور في المسألة الليبية ومن قبلها في العديد من الصراعات والأزمات، كالعراق وأفغانستان ويوغسلافيا.
اتفاق اللاعبين الرئيسيين على حل سياسي أمر في غاية الأهمية، وهذا الاتفاق سينعكس على وحدة مجلس الأمن، الذي نتوقع أن يؤازر بالإجماع أي اتفاق يصدر عن مؤتمر ‘جنيف 2. الإجماع داخل مجلس الأمن هو الذي أدى إلى حل العديد من النزاعات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة من ناميبيا إلى كمبوديا ومن هايتي إلى الكونغو ومن نيكاراغوا والسلفادور إلى ليبيريا وسيراليون، ومن إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا إلى إنهاء حكم غباغبو في ساحل العاج، الذي رفض أن ينصاع لانتخاب الحسن وترا. أما الصراعات التي لم يتبلور فيها الإجماع فما زالت قائمة كما هو الحال في فلسطين ودارفور وقبرص وكشمير وغيرها.
وبالنسبة للموقف الدولي، هناك ثلاث مسائل تعني المجتمع الدولي بشكل عام: أولا مسألة الكارثة الإنسانية التي طالت نحو 40 من المجتمع السوري وحولتهم إلى لاجئين ومشردين وجرحى وسجناء وضحايا عنف مفرط، وثانيا مسألة انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، التي ارتكبت في سورية على أيدي النظام والمعارضة، خاصة مسألة الاغتصاب التي تقلق منظمات حقوق الإنسان. وهناك مسألة استخدام الأسلحة الكيماوية التي ما زالت بحاجة إلى تحقيق مستقل لتبيان الحقائق. وأخيرا مسألة الجماعات المتطرفة التي جعلت العديد من الدول تعيد النظر في مواقفها وتباعد بنفسها عن تأييد المعارضة التي أغرقت الساحة السورية بمن لا يمتون إلى الشعب السوري بصلة. فمثلا كان عدد الممتنعين عن التصويت على قرار الجمعية العامة الذي يدين النظام السوري في شهر شباط /فبراير 2012 سبع عشرة دولة، وفي شهر آب/ أغسطس 2012 ارتفع العدد إلى 33 دولة، وفي شهر أيار/مايو 2013 وصل العدد إلى 59 دولة، بينما بقي عدد الدول الداعمة لمواقف النظام 12 دولة فقط. مؤتمر اجنيف 2ب لا بــــد أن يتصدى أولا لمسألة الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، ثم يقوم مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان بالتعامل مع المسائل الأخرى التي تشكل انتهاكا صريحا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.
اما فيما يخص الموقف العربي، فقد تصرفت الجامعة العربية منذ بداية الأزمة السورية بطريقة رد الفعل، من دون روية أو اتزان. ونعتقد أنها تسرعت في مسألة منح مقعد سورية للائتلاف الوطني. كان يمكن أن يبقى المقعد خاليا إلى أن تحسم الأمور ويجلس على المقعد من يمثل الشعب السوري بمجمله وعن طريق التراضي وليس بأوامر من هنا أو هناك، فبعد أن فشلت الجامعة العربية في لعب دور محوري في الأزمة السورية، خاصة بعد فشل مشروع إرسال مجموعة من المراقبين العرب لا تكفي لمراقبة ضيعة متوسطة الحجم، اختفى دور الجامعة كمؤسسة ولم يبق إلا بعض الأطراف الأساسيين الذين دعموا عسكرة الانتفاضة السلمية منذ البداية، التي كانت تصب في مصلحة النظام. إذن من مصلحة الجامعة العربية كمؤسسة وكدول فاعلة أن تختبئ وراء المؤتمر الدولي المزمع عقده في جنيف كي تجنب نفسها حرجا كبيرا في إعادة النظر في قراراتها المتسرعة في مسألة أحقية تمثيل الشعب السوري.
سبب واحد قد يؤدي إلى فشل المؤتمر، وهو التعنت في المواقف ما قد يؤدي إما إلى عدم انعقاد المؤتمر أو فشله في حالة عقده. على النظام أولا أن يترجل عن ظهر الفرس ويعترف بأنه لم يعد قادرا على حسم المعركة لصالحة، حتى لو جاءت جيوش الملالي بنفسها للحرب إلى جانبه، فالمعادلة الدولية الآن لن تسمح له أبدا أن يخرج منتصرا على خصومه، وما قرار الاتحاد الأوروبي برفع حظر تصدير الأسلحة للمعارضة إلا ورقة ضغط سياسية قد تترجم في حالة عناد النظام إلى شحنات متطورة من العدد والعتاد، بحيث تقلب موازين القوى على الأرض. إن وصف المعارضة السورية بأنها جماعة من الإرهابيين فقط لم تعد تقنع أحدا. إن الغالبية الساحقة من المعارضة السورية هم أبناء الوطن الغيورون على بلدهم وشعبهم وأن دخول مجموعات متطرفة تكفيرية من الخارج لا يعني أن المعارضة كلها كذلك. لقد آن الأوان لمصارحة مع الذات والاعتراف بأن هذا النظام بتشكيلته الأمنية لم يعد يعبر عن مصالح الغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري. ولو أتيحت الفرصة لانتخابات حقيقية فعلا ولو مرة واحدة لما بقيت عائلة الأسد في السلطة 42 سنة.
وعلى المعارضة الوطنية أيضا، على افتراض اتفاقها لحضور المؤتمر في وفد موحد، ألاّ تتسبب في فشل المؤتمر بوضع شروط تعجيزية مسبقة، وهي التي فشلت في استقطاب الغالبية الساحقة من الجيش أو تحييده، على الأقل كما ساهمت بسبب فرقتها وتشتتها في إغراق الساحة السورية بالعديد من التيارات والمواقف والجماعات غير المعنية بسورية ومستقبلها.
وكما أن هناك قوى ليس من مصلحتها هزيمة المعارضة، هناك قوى أكثر تشبثا بالنــــظام وأكثر استعدادا لحمايته من نهاية مروعة كنهاية نظام القذافي.
لقد وصلت الحرب شبه الأهلية إلى نقطة التوازن. فهذه فرصة يجب أن يغتنمها الطرفان وأن يشجعهما المجتمع الدولي ودول الجوار والدول المؤثرة على كل طرف من أجل نجاحها، فالنار قد تصلي المنطقة بأسرها إن لم تتوقف هذه الحرب الظالمة، التي يتحمل النظام مسؤولية إشعالها وتتحمل دول عديدة مسؤولية إبقاء أوراها مشتعلا. نتمنى على الطرفين الأساسين أن يعطيا فرصة لنداء العقل وأن يسمحا للوسيطين أن يطفئا حرب داحس والغبراء، بعد أن ‘تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم’ لأن الخاسر الأكبر سورية والمنطقة وفلسطين والعرب عموما.