الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف 2".. فرص نجاح ضئيلة

"جنيف 2".. فرص نجاح ضئيلة

25.01.2014
د. محمد عاكف جمال


البيان
الجمعة 24/1/2014   
رغم الجهود التي بذلت على مدى يزيد على السنة منذ عقد مؤتمر جنيف-1 في الثلاثين من يونيو 2012 لجعل الطريق سالكا نحو جنيف-2، إلا أن فرص النجاح تبدو ضئيلة. فإضافة إلى الالتباس في صياغة بيان جنيف-1 الذي يتيح المجال لقراءات مختلفة لمضمونه، فالمواقف السياسية للأطراف المشاركة لا تشجع على نجاحه، وقد استبق وزير الخارجية الروسي اجتماعات المؤتمر بالقول إن جنيف-2 لن تحسم القضية السورية.
تتعزز فرص نجاح أي مؤتمر في إقرار حلول سلمية لنزاع ملتهب، حين تتراجع فرص الحسم العسكري المتاحة للقوى المنخرطة في هذا النزاع. في سوريا لم يعد الحسم العسكري خيارا لدى قوى المعارضة السورية، التي فقدت الكثير من نقاط القوة التي كانت تتمتع بها، بعد أن قامت قوى غريبة عن هذه المعارضة باختطاف قضيتها في مناطق عديدة من سوريا للترويج لأجندتها الظلامية. من ناحية ثانية تعززت ثقة نظام الرئيس الأسد بقدرته على الحسم العسكري، بعد سلسلة نجاحات حققتها قواته، وبعد أن حصل على نوع من المقبولية الدولية إثر نزع سلاحه الكيمياوي.
اختلال التوازنات هذا مع بقاء الانقسام في مواقف الأسرة الدولية، ليس في صالح عقد جنيف-2 ولن يكون في صالح قوى المعارضة السورية، إلا أن وزير الخارجية الأميركي سارع لعقد مؤتمر صحافي قبل بضعة أيام من عقد جنيف-2، ليعلن فيه بمنتهى الوضوح أن لا مكان للرئيس السوري في صياغة مستقبل سوريا. ويأتي هذا التصريح بمثابة ضمان للائتلاف الوطني السوري المعارض، المتردد في الذهاب إلى المؤتمر ...
والذي يحرم نظامه الداخلي أي شكل من أشكال التفاوض مع نظام الرئيس السوري. في مقابل ذلك نقلت وسائل الإعلام تصريحا للرئيس السوري بأنه غير مستعد للتنازل عن الحكم، وأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل سوريا.
في سياق التحضير لجنيف-2 وافقت الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري، في الثامن عشر من يناير الجاري، على الذهاب إلى جنيف-2 في اجتماع ماراثوني على مدى يومين في إسطنبول، بعد الكثير من العقبات التي عكست حجم الخلافات والتمزق في صفوف هذا الائتلاف، وبعد أن اضطر المؤتمرون لتعديل إحدى مواد النظام الداخلي للائتلاف وتغيير آلية التصويت.
مقابل ذلك لم تبادر الحكومة السورية من جانبها بتقديم بادرة حسن نية، سوى خطة تقدم بها وزير الخارجية السوري لنظيره الروسي لإيقاف القتال في حلب بغية تنظيم إرسال المساعدات الإنسانية، وهو ما سخرت منه قوى المعارضة باعتبار قوات النظام ليس لديها القدح المعلى في منطقة حلب.
ما هو واضح حتى الآن، على الأقل على مستوى إعلامي، هو إصرار الولايات المتحدة والدول الغربية على استبعاد الرئيس الأسد من أي دور في الحكومة الانتقالية التي نصت عليها توصيات جنيف-1، وتحويل هذه التوصيات إلى خارطة طريق لجنيف-2 لصياغة خطة عملية لتأسيس حكومة انتقالية كاملة الصلاحية، تأخذ على عاتقها إعادة الأوضاع في سوريا إلى نصابها ووقف الاقتتال، والانتقال إلى الشرعية التي تقررها إرادة الشعب السوري.
لا شك أن الصراع الداخلي في سوريا لم يعد صراعا محليا، بل أصبح يمثل تهديدا لأمن دول عديدة مجاورة، مثل لبنان والعراق والأردن وتركيا، وقد ترى دول أخرى غير مجاورة لسوريا في استمرار هذا الصراع تهديدا لأمنها كذلك، طالما أن القضية التي تحول الصراع إليها لها امتدادات في أراضيها ومجتمعاتها.
جنيف-2 يعقد كسابقه جنيف-1، في إطار الشرعية الدولية، فميثاق الأمم المتحدة يمنح في فصله السابع مجلس الأمن الدولي صلاحية التدخل في فض النزاعات داخل الدول، إذا كانت هذه النزاعات تشكل تهديدا للسلم والأمن في المنطقة. فالمواد الواردة في هذا الفصل، تتيح للمجلس ممارسة تصعيدية في مستوى القرارات والإجراءات التي يتخذها للتعامل مع النزاعات ومنع انتشارها..
وتشمل الإجراءات جهودا دبلوماسية ووساطات وتهديدات، لتنتهي بالقيام بإجراءات حسم عسكرية جوا أو بحرا أو بإنزال قطعات قتال برية. وقد استهلك المجلس حتى الآن العديد من هذه الخطوات منذ اندلاع الصراع في سوريا قبل ثلاث سنوات، فهل ستكون جنيف-2 بمثابة السهم الأخير في جعبة المجلس قبل اتخاذ قرار بالتدخل العسكري؟ أم أن هناك متسعا لإطالة زمن الأزمة دون غالب أو مغلوب؟
ومع أن لمجلس الأمن الدولي هذه الصلاحيات الواسعة إلا أنه ارتأى، وهو موقف إيجابي، إشراك عدد من الدول المجاورة أو الدول ذات الثقل السياسي في المنطقة، التي لا تتعارض مواقفها مع ما صدر من توصيات في جنيف-1، بغية توسيع دائرة صناعة القرار وضمان تطبيقه لاحقا.
بيان جنيف-1 الذي أسهمت كل من الصين وروسيا في صياغته، يدعو لتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تتضمن أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى مستقلة. هذه التوصية لها أكثر من قراءة، فهي لا تعني استبعاد الرئيس السوري من سيناريو رسم مستقبل سوريا، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الروسي قبل يوم واحد من عقد المؤتمر، في رد على ما أعلنه الوزير الأميركي.
التفاؤل بنجاح جنيف-2 لا يستند إلى أسس صلدة، فهناك أكثر من لغم وأكثر من جهة من مصلحتها تفجير المؤتمر، لتعطيل صدور قرار يعزز توصيات جنيف-1 ويضعها موضع التنفيذ.
ومما يزيد من احتمالات الفشل، أن الوضع في سوريا لم يعد يُدرس في هذه المؤتمرات إلا من خلال تشابك مجموعة من الصراعات الإقليمية والدولية، التي اختلط فيها البعد الطائفي والسياسي، في أجواء تحرص الولايات المتحدة فيها على التصرف كقوة عظمى وحيدة في العالم، وتحرص روسيا من جانبها على استعادة دور الاتحاد السوفيتي السابق في عرقلة المساعي الأميركية.
اللغم الأكبر هو النجاح في إبعاد المؤتمرين عن الجوهر الأساسي الذي يكمن وراء الأزمة السورية، وهو التصادم الحاد بين طموحات الشعب السوري وسياسات نظامه الشمولي، وتحويل الاهتمام من البحث عن حلول لإنصاف هذا الشعب، إلى مزايدات حول مكافحة الإرهاب.