الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جنيف 2 في مهب ريح الصراع الخليجي الإيراني

جنيف 2 في مهب ريح الصراع الخليجي الإيراني

07.11.2013
بشار عمر الجوباسي



القدس العربي
الاربعاء 6/11/2013
لا يخفى على أحد فظاعة ما تتردى إليه أوضاع السوريين، سواء ممن ما زالوا تحت الجحيم داخلها، أوحتى مَنْ هم خارجها، وإن كانت ظروفهم أقل سوءا، يرافق ذلك استمرار غياب أي أفق لحل سياسي ينهي تلك الأزمة التي استفاد النظام كثيراً من تحولها إلى أزمة إقليمية ثم دولية، تسعى الدول الكبرى لاستعراض عضلاتها على حساب دماء ومعاناة السوريين، فروسيا لا تظهر في أي مكان من العالم كإمبراطورية، إلا فوق الركام والجثث السورية، وسقطت الولايات المتحدة تحت سيل من انتقادات كثير من ساستها وربما بدأت تخسر أقرب حلفائها؛ فتركيا تشتري السلاح من الصين، والسعودية لا تخفي رغبتها في البحث عن حلفاء استراتيجيين جدد غيرها؛ وأخذ البعض يستشرفون أفول نجم إمبراطوريتها.
بدأ الحديث عن مؤتمر ‘جنيف -2 في أيار/مايو الماضي، ليستمر تأجيله شهراً بعد شهر، حتى مع وجود شيء من الزخم الدولي حياله هذه الأيام، فقد طغت التوقعات بتأجيله في معظم التصريحات الإعلامية المتعلقة به، بدلاً من الحديث عن الآليات والسبل الكفيلة بإنجاحه، ولا يكترث أحد بالأرقام المرعبة لأعداد الضحايا والمعتقلين والمعاقين إعاقات دائمة، ناهيك عن مئات الآلاف المحاصرين في أحياء دمشق الجنوبية وحي الوعر الحمصي. وبدأت تنتشر الأوبئة، من شلل الأطفال إلى التهاب الكبد الفيروسي فوق معظم التراب السوري.
كانت المعارضة تراهن في وقت سابق على إفلاس النظام وانهياره المالي مما سيؤدي إلى سقوطه تلقائياً، ولكن مرّت الشهور ولم يحدث شيء؛ حتى العقوبات الغربية لم تؤثر عليه كثيراً، أما انهيار العملة والارتفاع الصاروخي في الأسعار، فقد دفع ثمنه قله من السوريين، أكثرهم من الموظفين الحكوميين، أما الأغلبية من السوريين فغدت لا تملك شيئاً أصلاً لتدفعه، فقبل الثورة كانت نسبة البطالة، حسب أحد التقارير غير الحكومية، حوالي 14.9ن ولك أن تتخيل أرقامها اليوم وقد نفد قرش السوريين الأبيض والأصفر والأخضر، ولمّا ينتهي يومهم الأسود.
يظهر واضحاً الصراع الإيراني الخليجي على الساحة السورية، ولكن حتى هذا الصراع فيه كثير من الكوميديا السوداء المقرفة؛ فإيران تمد النظام بالسلاح والذخيرة والرجال والمال، وسخرت له كل أتباعها من الميليشيات اللبنانية إلى العراقية واليمنية ليقاتلوا عنه، حتى أنّها أرسلت له بضعة طائرات سوخوي- 24 القاذفة قبل عدة أسابيع، حقاً إنّها معركة مصيرية بالنسبة لها. أما أشقاؤنا الخليجيون فيشمل دعمهم الإستراتيجي اللامحدود للثورة السورية، إضافة لذخيرة الكلاشنكوف القليل من المواقف والتصريحات السياسية؛ فيواجه الشعب السوري طائرات الميغوالسوخوي ببيان صحافي لوزير خليجي، أما صواريخ سكود فقد تحصنوا وأطفالهم منها خلف موقف ذلك الأمير؛ وفي هذا العام ستتكفل بشتائهم القارص التصريحات السياسية الخليجية الحارة الداعمة للشعب السوري؛ أما المجاعة التي تهددهم فيعد لها الكثير من المواقف المبدئية تجاه ثورة السوريين.
في آخر لقاء صحافي أجري معه، قال الأسد إنّه لا يجد ما يمنعه من الترشح لولاية دستورية جديدة. فنحن إذ ذاك أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإما أنّه يعيد أكاذيبه المعتادة في محاولة للهروب إلى الأمام في ما لو ذهب إلى ‘جنيف -2 ، أو أنّه لم يفق بعد من سَكْرَةِ الليلة السابقة، عندما يُغيّب الحق يصبح القصر الرئاسي مكاناً لمن يجب أن يكون في سجون لاهاي منتظراً قرار إعدامه؛ فما يجري يومياً على الأرض السورية، وفي أقبية المخابرات كفيل بإصدار ألف حكم إعدام ليس فقط بحق الطغمة المحتلة لسورية، وإنّما بحق النظام العالمي بأسره.
تُرك السوريون ليواجهوا مصيرهم تحت إرهاب نظام إلى الآن لا يتجرأ الكثير من الساسة العرب على وصفه بالطائفي، فحتى الأبارتايد يخجل من ممارساته، ويظهر الكيان الصهيوني رغم جرائمه اليومية، كحمل وديع أمام فظائعه ولا يظهر في الإعلام إلا جزء يسير مما يحدث للسوريين، وحتى المعارضة السياسية السورية بكلّيتها لا ترقى إلى شيء من تلك المآسي، وقد أصابتها عدوى جنيف فأجلت موعد عقد اجتماعها مرتين؛ إنّ جبهة سياسية لا تستطيع لمّ شعث وشتات أعضائها لا يمكن أن تكون قادرة على قيادة مستقبل شعب أعيدت بلاده إلى العصر الحجري.
يعصف بمؤتمر ‘جنيف -2 الكثير من القضايا العالقة والأمور الشائكة، فلا يبدو على النظام أي رغبة جِدِّية في الاتجاه نحو تسوية سياسية، ويستمر في حلّه العسكري الأمني غير آبه بشيء، أما السوريون فإنّ فداحة ما يقاسونه لا تسمح لهم بالقبول بأقل من رحيل رأس النظام وثلته المجرمة الإرهابية عن صدورهم؛ وعلى مسافة بعيدة من هؤلاء يقف رعاة الحل السياسي الدوليين، ولا يجهدون أنفسهم إلا بالقليل من النعيق السياسي بين حين وآخر، في محاوله منهم لإيهام الجميع بأنّهم ما زالوا موجودين، ولكن هل يمكن الوثوق بقدرة من لم يتمكن من ادخال علبة حليب إلى أطفال المعضمية، على إجبار الأسد على التنحي، الذي يعتبر سورية مزرعة لطائفته ورثها عن أبيه، وكان وما يزال يرى أنّ تدميرها أسهل عليه من التفكير في ترك بعض شبانها يحلمون بالحرية.
المعارضة المتمثلة بالإئتلاف لا تقبل بالجلوس مع القاتل في مفاوضات جنيف، والنظام لا يعترف بها أصلاً ويريد مفاوضة شركائه الذين يسميهم معارضه داخلية وطنية! والإبراهيمي يغادر من مكان إلى آخر من دون أن يأتي حتى بخفي حُنين، وقد غدا الجميع بمن فيهم حُنين لا يرضون عنه.
لا تزال تغيب الجدية عن الدول الراعية لـ’جنيف -2 ولا تلوح في الأفق أدنى بارقة أمل بعقده، وهم غير محتاجين لعقده أصلاً، فيكفي تطبيق مقررات جنيف الأول لإنهاء الأزمة، ولكنهم لا يريدون ذلك وكل ما يجري تداوله عن ‘جنيف -2 ليس أكثر من محاوله لرفع العتب أو الظهور الإعلامي على الساحة الدولية، فيجب أن تبلغ الأمور أقصى حد من السوء حتى يتفضل الغرب بلجم طغاتهم عن شعوب العالم المقهورة، فيقدموا حلا يضع البلاد تحت استقرار هش يحبس الأنفاس، وربما أتى احد مؤتمرات جنيف القادمة بطائف جديد، وكرازي أو مالكي آخر للسوريين، ولا بد أنّهم يجهدون في البحث عنه الآن.
على إئتلاف المعارضة البحث عن بدائل يستخدمها كورقة ضغط في ‘جنيف-2 ويمكن أن تكون خياره للدفاع عن الشعب السوري والتخفيف من معاناته، في ما لو فشل ذلك المؤتمر كسابقه، ولكن أقصى ما يفعلونه الآن هو الالتجاء إلى جامعة الدول العربية التي لا تزال تعيش في سباتها منذ يوم تأسيسها، فهل تستطيع مثلاً إجبار المالكي على سحب مليشياته من سورية.
إنّ مصداقية الإئتلاف ستكون على المحك إذا ما فشل مؤتمر ‘جنيف-2، وقد لام الكثيرون الفصائل المسلحة على عدم اعتراف كثير منها به، وطالبوا برص الصفوف ريثما يسقط النظام، ولكن الحقيقة أن تلك المعارضة لم تقدم أي شيء للسوريين، بل في كثير من المرات لعبت دوراً سلبياً بانجرارها وراء داعميها الخارجيين، مما زادها هي نفسها فرقة وتشرذماً، والأولى إذ ذاك حلها وتحويل مصاريفها إلى جمعيات ترعى شؤون اللاجئين، فهناك الكثير من الأطفال ما زالوا يلبسون الثياب نفسها منذ صيف 2011، رغم مرور شتائين ثقيلين، من أعمارهم البائسة وتهددهم ربما شتاءات اخرى.
إذا ذهبنا في تفاؤلنا إلى أقصى الحدود وقلنا بعقد مؤتمر ‘جنيف-2 فلن يخرج ذلك المؤتمر في أحسن الأحوال بأكثر من ربع انتصار للثورة السورية، ولكن يظل هذا أفضل مما يعيشه السوريون، فلا يوجد أمامهم الآن إلا اختيار طريقة الموت، فإما جوعاً تحت الحصار، أو بسبب القصف بشتى أشكاله، أو في قوارب الموت على أعتاب الحلم الأوروبي، أو إثر أوبئة بدأت تدق أبوابهم، لذا ليس أمامهم إلا الرضوخ للواقع في سبيل حماية مستقبل أطفالهم لعلهم يوماً يصنعون قرارهم ويحققون ما عجز عنه الآباء.