الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف2" بين الواقع السياسي والخيال السياحي

"جنيف2" بين الواقع السياسي والخيال السياحي

23.10.2013
د. سليم حربا


صحيفة تشرين الرسمية
الثلاثاء 22/10/2013
بعد أن سقطت كل أوراق التوت وتعرّى (الربيع العربي) وفقد دوده قدرته على نخر جذع الوطن، ويحاول عراته أن يتستروا برايات تنظيم القاعدة الإرهابي، وبعد أن سقط قناع دون كيشوت واهترأ وتمزّق معطف القيم والأخلاق الوطنية المزيف، وبعد أن كشفت أقدام الجيش العربي السوري الحبر السري لخطة الأبارتيد من الوهابية والإخوان وأقسامها وفصولها وآخرها الفصل السابع وبعد أن فشل الناعقون وقنواتهم الصفراء بتسويق ثقافة الساطور في قطع الرؤوس وحرية السيارات المفخخة وديمقراطية أكل الأكباد والقلوب البشرية وبعد وصول كل خرائط الطريق الصهيونية والأمريكية والعثمانية والسعودية والقطرية والفرنسية والبريطانية وغيرها إلى حدود وسدود, ولم تنجح في الأدلجة والأخونة والأدعشة والصهينة بالرغم من المال الحرام والسلاح القاتل والبوارج وكروزاتها ومجالس الأنس وحفلات جهاد الجنس وائتلاف الدنس، وبما أننا عرفنا وتعرّفنا فلنتذكّر ونذكّر لعل الذكرى تنفع أصحاب العقول المثقوبة بأن عشرات الدعوات والمبادرات للحل السياسي والحوار الوطني رُفضت وأُحبطت تحت وهم التدخل العسكري والحظر الجوي وتغيير موازين القوى لإسقاط الدولة السورية، والآن يعود جنيف2 ليملأ الدنيا ويشغل الناس، فهل الهدف هو جنيف2 وهنا لامعنى ولاقيمة له، أم السؤال: ماهو الهدف من جنيف2 ؟ وهنا الجوهر. 
أولاً : المناخات التي ساهمت في العودة الى جنيف
 
منذ 30 حزيران 2012 تم عقد جنيف والدعوة إلى وقف العنف والعملية السياسية وبعد ساعات من إعلانه انقلبت أمريكا على بيانه وبدأت تلوّح بالخيار العسكري وأطلقت أيدي أدواتها بزيادة دعم العصابات الإرهابية بما فيها ( الجامعة العربية ) وبعد مضي ستة عشر شهراً على جنيف وبيانه لم يتركوا مالاً إلا على الإرهاب أغدقوه ولاسلاحاً إلا إلى الإرهاب  أرسلوه ولا مرتزقاً من ثمانين دولة إلا دربوه وإلى سورية دفعوه وبقي بيان جنيف في سراديب الأمم المتحدة ينتظر إفرازات أوكار وسراديب الإرهاب. والآن يُطرح جنيف2 بعد وقائع لايمكن تجاوزها أو القفز فوقها وأهمها:
1- الصمود الأسطوري للدولة السورية في وجه تحالف العدوان بكل مكونات الصمود الشعبي والعسكري والاقتصادي والسياسي وغيره.
2- إنجازات الميدان التي بدأت من بابا عمرو إلى القصير والخالدية وخربة غزالة وداريا والغوطة الشرقية وحلب وغيرها من المحطات وإسقاط كل ساعات الصفر وتحطيم كل أوهام الزلازل والمعارك والملاحم تحت أقدام حماة الديار والقادم أعظم.
3- تعرية الإرهاب وفضحه بأنه ينتمي إلى القاعدة ومشتقاتها وهذه حقيقة لا يمكن لعاقل أو قانون أن يتجاوزها بعدما عرّف الإرهاب بنفسه وحقيقته وبأنه هو الحامل الأساسي لأكذوبة ماكان يسمى ثورة.
4- سقوط وانهيار مشروع الإخوان المسلمين في سورية ومصر واهتزازه وإجرامه في الدول الأخرى.
5- انحسار إمكانية التدخل العسكري الخارجي والعدوان الأمريكي- الصهيوني كأصيل بعد فشل الوكيل ووصوله إلى مرحلة العدم لأسباب ذاتية سورية وموضوعية إقليمية ودولية.
6- الصراع بين مكونات الإرهاب وأذرعه وتكشير الإرهاب عن أنيابه وتهديد الدول والأنظمة  التي رعته ودعمته إقليمياً ودولياً.
7- فشل أمريكا وأدواتها بإنتاج هيكل سياسي يحمل برنامجاً وطنياً أو سياسياً له تمثيل في الشارع السوري وبالرغم من إعادة المسخ والنسخ لمجلس اسطنبول أكثر من مرة.
8- البراعة الاستراتيجية السورية  والاستثمار السياسي بورقة الكيماوي والموافقة على المبادرة الروسية ونقل المعركة من ظهر البوارج إلى بيت الطاعة الدولي (مجلس الأمن ) ورفع سقف الاشتباك القانوني والسياسي بين سورية وأمريكا وسقوط وتداعي الأدوار الوظيفية لقطر والسعودية وتركيا.
9- اتساع حلف العقلاء العالمي ووضوح رؤيته بأن سورية تحارب الإرهاب أصالة عن نفسها ونيابة عن العالم والشرعية الدولية والإنسانية والبشرية ما يتطلب تشكيل حلف لمحاربة الإرهاب وتعاوناً أمنياً عالمياً مع سورية ظهرت مؤشراته بتهافت أغلب أجهزة الأمن الأوروبية إلى سورية دفعاً لمخاطر عودة الإرهاب إليها.
10-    الثبات الاستراتيجي الروسي والصيني ودول بريكس ودول ألبا المبني على مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومكافحة الإرهاب واحترام سيادة الدول وحقوق الشعوب في التعبير عن إرادتها.
11-    البراعة الدبلوماسية الإيرانية التي أفضت إلى تقارب إيراني- أمريكي مبني على الحفاظ على الثوابت الاستراتيجية والمرونة التكتيكية.
12-    حالة التشتت والفوضى التي تعتري المعارضة الخارجية السياحية وفك الارتباط قسراً بينها وبين الإرهاب بعد أن لفظها تنظيم القاعدة وعدّها مراهقة بالرغم من دفاعها المستميت عنه ومحاولة التبني والأبوة.
13-    وصول الأنظمة التابعة لأمريكا إقليمياً لأقصى درجات الإحباط والإرباك والحرج أمام شعوبها وأمام القانون الدولي بدعمها للإرهاب وأصبح مصيرها مرتبطاً بمصير أمراء ومتزعمي العصابات الإرهابية.
ثانياً: الهدف من جنيف2
 
إذاً جنيف2 ليس هدفاً بل المطلوب هو الهدف من هذا المؤتمر ولكي يتحقق الهدف منه بإطلاق العملية السياسية يجب أن يتحقق البند الأول من بيان جنيف وهو وقف العنف, أي بمعنى أصح وقف الإرهاب بكل منظومته (دعمه – تمويله – تسليحه – مرتزقته) وتحمل المسؤولية لكل من دعمه ورعاه أن يأخذ بضاعته وإذا لم ينفذ هذا البند المفتاحي فالمطلوب من المؤتمر والمجتمع الدولي تحمل مسؤوليته بمكافحة الإرهاب والتعاون مع الدولة السورية ومحاسبة كل من يخرق هذا المبدأ، وهذا سيخلق الشروط المناسبة للسوريين بتنفيذ ماتبقى من بيان جنيف وفق الأعراف السياسية والديمقراطية والدستور واحترام حرية وخيار الشعب السوري وتمثيله وقد تضمنت المبادرة السورية والبرنامج التنفيذي للحكومة السورية للحل السياسي مايفسّر كل ذلك، ويُلاحظ هنا بعض المتطرفين الذين ما زالوا يراهنون على وهم من خلال:
1- البعض يدّعي أنه يمثل الشعب السوري وهو لا يمثل نفسه بل يمثل برنامجاً أو أجندة إقليمية أو غربية.
2- البعض مازال يتبنى الإرهاب ويدعمه ويريد أن يضغط من خلال تمثيله للعصابات الإرهابية لأنه ارتبط بها عضوياً وليس له قاعدة شعبية وهذا البعض يرفضه الشعب السوري جملة وتفصيلاً.
3- البعض سيذهب إلى جنيف وفي ذهنه القفز على موضوع الإرهاب وخطورة وجوده في الداخل السوري ويريد أن ينتقل مباشرة إلى تفسير ذاتي للمرحلة الانتقالية تحت أمنية الوصول إلى السلطة ولايجد نفسه مسؤولاً عن اتخاذ موقف ضد الإرهاب بل يريد من الدولة اجتثاث الإرهاب وتقديم السلطة له.
4- البعض لم يقرأ الدستور السوري ومادته 128التي تنص على أن الحكومة هي الجهاز التنفيذي والتي تحدد صلاحياتها الواسعة.
5- البعض يحلم بأن يحصل في هذا المؤتمر بالسياسة على ماعجزت عنه أمريكا وأدواتها بالقوة وخاصة الانقضاض على الجيش العربي السوري وعقيدته التي أسقطت المؤامرة وأحبطت العدوان وحطمت الإرهاب.
6-مازال البعض يدّعي أنه يمثل المعارضة على إطلاقها ويسحب ذلك على ادعائه بأنه يمثل الشعب السوري.
أخيراً
يمكن للمؤتمر أن يحقق الهدف منه عندما  يستطيع أن يوقف العنف والإرهاب الذي تمارسه العصابات الإرهابية والدول التي تدعمها ويخلق الشروط المناسبة للسوريين بالحوار, ولكلٍ ما يتمثله من برنامج سياسي وطني وما يمثله من قاعدة شعبية تقرها صناديق الاقتراع والانتخابات البرلمانية والمحلية والواقع الحقيقي وليس الافتراضي وإرادة واستفتاء الشعب، وبالحتم الشعب السوري  لايقبل أن يكافأ المجرم والقاتل والخائن و الإرهابي  ولايقبل أن يناقش برنامجاً أمريكياً أوتركياً أوسعودياً ولايقبل ممثلاً لبندر أو أردوغان لأنه - أي الشعب العربي السوري - هو صاحب القرار والخيار وفي إطار الحل السياسي فالمطلوب هو السياسي والوطني وليس القاتل والمجرم والأمريكي والخليجي والتركي ولا من يمثلهم في فنادق الدوحة والرياض واسطنبول السياحية, لهذا يجب أن نفرق بين إرادة الحل السياسي وأوهام النزيل السياحي.