الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جنيف2" على حبال الروس والأميركيين

"جنيف2" على حبال الروس والأميركيين

02.11.2013
زهير قصيباتي


الحياة
الخميس 31/10/2013
لا أحد سيدعو "جبهة النصرة" أو "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" لحجز مقعد في مؤتمر "جنيف2"، ولا أحد كذلك يمكنه افتراض عقد المؤتمر بشروط النظام السوري الذي ما زال يصرّ على "أبوّته" الكاملة لأي تسوية أو حل يوقف سفك الدماء.
فلنتخيّل مثلاً أن معارضةً يُطلب منها الحضور إلى جنيف، فيما للنظام الحق الحصري في تصنيف التنظيمات والفصائل، وفقاً لمعيار يميّز بين "الوطني" و "غير الوطني". ومأزق "الائتلاف" يتحول مآزق، فلا هو يحظى باعتراف كامل بشرعية تمثيله المعارضة، من وجهة نظر المعارضة في الداخل، ولا هو "وطني" بمعيار النظام الذي ما زال يتكئ على الضغوط الغربية في قضم ما بقي من آمال الرهان على "الائتلاف" لتحقيق التغيير السياسي... بعد حوار جنيف. ويتكئ أيضاً على شطارة الروس في تشويه سمعة المعارضة، ما دامت لا ترضخ صاغرة لرغبتهم في إخراج نسخة "منقحة" للنظام تكون الثمن المقابل لحمّام الدم وضحاياه.
ويمكن الرئيس الأسد الذي زرع مسبقاً أول لغم على طريق جنيف، بعدم استبعاده الترشح مجدداً للرئاسة العام المقبل، وزَرَع الثاني باشتراطه وقف دعم المجموعات المسلحة وفصائلها كممر إلزامي لإنجاح الحوار، أن يتشبث بورقة إنهاك الفصائل وشرذمة المعارضين حتى اللحظة الأخيرة... فكلما طال الصراع وتفوقت كلمة "الإرهاب" على مفردة الثورة، وأمعنت الانتهاكات في قتل شرعية مواجهة النظام وأجهزته وحلفائه، تحوّل صدأ الصراع إلى اهتراء لقضية السوريين، وتآكلٍ لأحلامهم.
صدأٌ فاهتراء، على هوامش الخراب العميم الذي هدّم المدن والأرياف ومفاصل المجتمع، في حين يكاد "الائتلاف" أن يفقد كل أوراقه. والباحث عن ترجمة لكل مؤتمر دعم يعقده أصدقاء الشعب السوري، بالكاد يتلمّس سباقاً إلى مؤتمرات هدفها جمع كل أطياف المعارضة، كاثنين تسعى إليهما إسبانيا والنمسا.
وباستعادة بسيطة لما تلى طبول الحرب واختفاءها، بينَ اليائسين من آفاق الحل ومن وعود الغرب واليد الروسية والأصابع الإيرانية، مَنْ لا يزال مصرّاً على أن رعاة القرار الدولي باعوا الثورة كبش فداء للترسانة الكيماوية السورية. هكذا توالت شهادات "حسن السلوك" تُمنح للنظام من الأمم المتحدة وأميركا، وهكذا أُطلِقت يده ما دام في صراع مرير مع كثيرين من "الإرهابيين" وحفنة من المعارضين المسلحين. استمرأت دمشق تبديل قواعد اللعبة، وانتزع النظام المبادرة فبات يملي شروطاً على "جنيف2"، ويعتبرها تمهيداً له، مثل تجفيف منابع "دعم الإرهاب".
توارت الثورة، لم يعد النبأ حصيلة ضحايا القتل يومياً، ولا إصرار النظام على الحسم العسكري أو تجويع عشرات الآلاف من السوريين. بات النبأ: كم معارضاً ما زال يقاتل، خارج مظلة جماعات "النصرة" و "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام؟".
على طريق جنيف، اللغم الثالث زرعه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي اشترط قيادة سورية للحوار، لتبقى الكلمة الأولى للنظام. فأي حوار إذاً حين يصبح المحكوم عليه بمأساة قتل الثورة بحرب بشعة، قاضياً في آن؟ ببساطة، هو تخلى عن ورقة "الكيماوي" ليحتفظ بورقة "الفيتو" في أي تسوية لا تجدد دماءه. وبافتراض استاءت إدارة الرئيس باراك أوباما من مراوغات دمشق مع الحل، هل عاقل في المنطقة ما زال يصدّق أن واشنطن قد تسعى إلى استخدام ورقةٍ ما، لإقناعه بعبثية وهم تغيير جِلده؟
بين المعارضين من يتهم قدري جميل نائب رئيس الوزراء الذي عزله الأسد، بمحاولة تغيير جِلده، واللعب على حبال الروس والأميركيين، لعله يفوز بالمقعد الأول في صفقة "خفية"، يبدو أن دمشق ترى فيها أصابع للوزير سيرغي لافروف. وبصرف النظر عن نيات قدري، يصعب التسليم ببساطة بأن كل ما سعى إليه السفير الأميركي روبرت فورد خلال لقائه الأول في جنيف والذي أطاح نائب رئيس الوزراء "الشغوف" بالسياسة، هو مجرد إبلاغه أن نظام الأسد "فقدَ شرعيته".
على حبال الروس والأميركيين يلعب النظام أيضاً، مستغلاً سيف الوقت لتقطيع ما بقي من أوصالٍ للمعارضة في الخارج، حتى إذا لم يُطِح جنيف و "مونولوغ" الحوار، انصاعت معارضة الداخل، ورحّلت أزمات القتال و "التكفير" و "الإرهاب"، المؤتمر إلى ما بعد تدمير "الكيماوي"، وضمان ممارسة "الشعب السوري حقه" في التعبير، للتمديد للأسد، قبل بلوغ حصيلة الحرب عتبة الـ150 ألف قتيل!
ألم يقُل الموفد العربي- الدولي الأخضر الإبراهيمي أن المطلوب لجنيف "معارضة مقنِعة"، ونظام يقتنع بها، وإيران شاهد فاعل؟