الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جهـاديـون فـي سـوريــا

جهـاديـون فـي سـوريــا

18.11.2013
حسين الرواشدة


الدستور
الاحد 17/11/2013
لا يزال سؤال “الجهاد” في سوريا معلقا بلا اجابة حاسمة، ولأنني لا املك مثل هذه الاجابة فان ما يزعجني هو موقف بعض قيادات الجهاد الاسلامي التي اكتفت بتحريض الشباب على القتال هناك فيما ظلت هي هنا تمارس حياتها كالمعتاد، وكأن الجهاد فريضة على “التابعين” والتلاميذ اما القادة فلديهم “رخصة” تسمح لهم “بالتخلف” عنه.
هذه “المحنة” لا تتعلق فقط بإخواننا “السلفيين الجهاديين” الذين سقط منهم حتى الآن نحو “200” مقاتل في سوريا، وانما ايضا “بألوية” جهادية محسوبة على تيارات اخرى تتوزع داخل المذهب السني والمذهب الشيعي ايضا، ومن المفارقات ان “الصدام” الان داخل سوريا اقترب من عنوان “الحرب” الطائفية، حيث نجح النظام هناك في حشد مقاتلين من العراق وايران واخرين من حزب الله لمواجهة فصائل “الجهاد” السنية، وبالتالي تحولت المعركة الى قتال سني شيعي، اي مواجهة مذهبية اسلامية تذكرنا بما حدث في حقبة مظلمة من تاريخنا الاسلامي.
النقاش الذي يدور الآن داخل حلقات “المرجعية” لكل طرف لا يتعلق ابدا بمسألة “مشروعية الجهاد” فهي محسومة تماما لديهم، ولكنه يتعلق بمسألة “الراية” و”الامامة” خاصة بعد ان أفتى الظواهري بانفصال دولة العراق والشام عن جماعة النصرة، واعتبار الاخيرة ممثلة “للقاعدة” في سوريا، مما يعني اننا امام مواجهة جديدة داخل اطار “الاسلام المسلّح” السني، والاخطر من ذلك ان تنتقل الى مواجهة بين هذه التيارات وبين المجتمع، مما يعني ان القتال هناك لن يكون –فقط- ضد النظام وحلفائه “المقاتلين” وانما ضد “المدنيين” الذي يتعاطون معه، وخاصة من الطوائف والملل الاخرى.
لا اشك ابدا “بنوايا” الشباب الذين ذهبوا “للجهاد” هناك، ولا ادافع ابدا عن “النظام” السوري الذي اتمنى ان يسقط امس قبل اليوم، ولكنني اعتقد ان “توظيف” الاسلام المسلّح في هذه “الثورة” قد اضرّ بها، وهو فعل متعمد ومقصود استدرج اليه هؤلاء “الاسلاميين” القادمين من خارج سوريا لتبرير “الانقضاض” على الثورة الشعبية وجمع “الجهاديين” في دائرة حرب ضيقة تمهيدا للخلاص منهم، تماما كما حدث في افغانستان حين تم استدراج الشباب المجاهدين من كافة انحاء العالم الاسلامي لمواجهة “المد السوفياتي” تحت عنوان “الجهاد في سبيل الله” وحين انتهت المهمة تمت تصفيتهم بدماء باردة.
ارجو ان لا يتبادر الى ذهن القارىء الكريم انني ادعو الى وقف “الجهاد”، معاذ الله، ولكن اي جهاد هذا الذي يمكن ان تتحقق شروطه وغاياته حين يصبح “فريضة” على كل مسلم قادر؟ ما زالت الاجابة  -للأسف- ملتبسة وغير واضحة، وما دامت كذلك فان من حقنا ان نتوقف طويلا امام تجارب “القتال” باسم الجهاد، هذه التي شاهدناها في افغانستان وفي سوريا والعراق، بل وفي داخل بلداننا الاسلامية قبل ان تتم “المراجعات” وقبل ان تطوي الثورات السلمية صفحة الخلاف على جهاد الحكام واولويات العدو القريب والآخر البعيد.
لقد ذكرت في مناسبات سابقة ان اختزال الجهاد “بالقتال” فقط، وهو شعبة من بين “23” شعبة جهاد، قد اضرّ بهذا المفهوم، وفي القرآن الكريم تقدم الحديث عن الجهاد “بالمال” على الجهاد بالنفس، لأن دم المسلم ليس رخيصا، ولأن امام المسلم ابوابا كثيرة “للجهاد المدني” ولأن “الشهيد” ليس فقط من يقتل في المعركة، وانما قد ينال هذا الشرف اخرون جاهدوا بالكلمة، او بالموقف او حتى بأي عمل في سبيل الله تعالى، الامر الذي يجعل “الجهاد” ميدانا واسعا للعمل الصالح المخلص في كافة المجالات لا في القتال فقط.
وهذا الكلام –بالطبع- لا يتعلق أبدا باعطاء رخصة للاستسلام في مواجهة “المحتلين” او الظالمين او المعتدين وانما يمنحنا فرصة للتدقيق في “ساحة القتال” وجدوى الحرب وتحديد العدو ومعرفة اطراف النزاع وهذه المسألة معلقة في رقاب علمائنا المعتبرين الذين يفترض ان يحسموا “الفتوى” بعيدا عن “الاستقطابات” السياسية والصراعات “الطائفية” التي اضرّت بوحدة امتنا وشعوبنا الاسلامية.