الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جهود الإغاثة ومبدأ "كف الضرر"!

جهود الإغاثة ومبدأ "كف الضرر"!

12.11.2013
ديفيد كين


الاتحاد
الاثنين 11/11/2013
من الواضح على نحو متزايد أن تدفق المساعدات الإنسانية الموجهة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا يعيقه الخوف -الذي تتقاسمه الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية والعديد من المنظمات غير الحكومية- من إمكانية سقوط هذه الأغذية والأدوية وغيرها من إمدادات في أيدي الإرهابيين.
و"المبدأ الأساسي بالنسبة لنا جميعاً هو الضرورة الإنسانية" حسب ما ذكر جوهانيس لاشنر، من المكتب الإنساني الأوروبي، مؤخراً في معرض تعليقه على المساعدات التي يتم إرسالها إلى سوريا. وأضاف "ما نحتاجه هو تأكيد معقول بأن مواد الإغاثة ستذهب إلى الوجهات المقصودة، وإلا فستسبب الأذى. وعندما لا نحصل على هذه التأكيدات لا نقوم بالتمويل".
والخوف من أن تسقط المساعدات في أيدي الإرهابيين -الأمر الذي تجسد وتم تعميمه على نطاق واسع في ظهور بعض المتشددين السوريين يقفون بداخل خيمة تحمل شعار "هيئة المعونة الأميركية"- هو أمر مفهوم. ولكن الإصرار على أن المساعدات "يجب ألا تضر" والعمل وفق مبدأ أولوية "كف الضرر" غالباً ما يحجب حقيقة أن الصراعات تحتدم أيضاً نتيجة نقص المساعدات نفسها.
وهذا هو الحال الآن في سوريا. ومع النقص الشديد في المساعدات الغربية في مقابل تفاقم حجم الاحتياجات، يشعر عدد كبير جداً من السوريين بأنهم قد تم التخلي عنهم، والعديد منهم قد يلجأ إلى الميليشيات (بما في ذلك الجماعات المتشددة) التي بمقدورها أن توفر لهم في بعض الأحيان قدراً من الإغاثة.
وفي الثمانينيات، عندما استغلت الحكومات في السودان وإثيوبيا المجاعة كأداة لمكافحة التمرد، شجع مبدأ "كف الضرر" على زيادة الوعي بأن المساعدات يمكن استخدامها كوسيلة للإيذاء، وكذلك للمساعدة أيضاً. وعلى النقيض، كما تبين لي أثناء القيام بعمل ميداني في السودان في ذلك الوقت، فقد استخدمت الحكومة في الخرطوم المساعدات الإنسانية لإخلاء المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في البلاد، عن طريق قصر توزيع هذه المساعدات على حافة تلك المناطق وترك من بداخلها.
ولكن مبدأ الحرمان و"كف الضرر" قد يتم تنفيذه بصورة أكبر في مواجهة المتمردين أكثر منه مع الحكومات. وفي كثير من الأحيان، كما هو الحال في سوريا، يصب الخوف من مساعدة الإرهابيين بغير قصد في دعم الأنظمة القمعية. وفي سريلانكا في عام 2009، عقد المجتمع الدولي لسانه بصورة كبيرة عندما تم طرد هيئات المعونة الإنسانية من الشمال. ولعب النظام الحاكم في كولومبو على المخاوف من أن تقديم المساعدات إلى الشمال وإتاحة حرية الحركة هناك قد يساعدان جماعة "نمور التاميل" الموصوفة دولياً بالإرهاب.
وبالمثل، في الصومال، ابتداء من منتصف عام 2009، خفضت الولايات المتحدة بمقدار كبير تمويلها لإغاثة المناطق المتضررة من المجاعة التي تسيطر عليها جماعة "الشباب" الإرهابية لأن القوانين الأميركية تهدف إلى منع الإغاثة من السقوط في أيدي الإرهابيين. وكان تصور أن المساعدات تخضع لاعتبارات الجغرافيا السياسية له تأثير على تعزيز سلبية وكراهية بعض المتمردين تجاه عمليات تقديم المساعدات.
واليوم في سوريا، هناك المزيد من خيبة الأمل بالنسبة للغرب. وخلال زيارتي إلى الحدود التركية مع سوريا، رأيت كيف يتغذى العنف والكراهية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بصورة أكبر جراء نقص الإغاثة أكثر من تقديمها. وقد ذكر لي شاب جاء لتوه من مدينة حلب المدمرة أن: "الناس يحبون الثقافة الغربية. إن الأمر يشبه أن أقول أنا أحب هذا الشخص. ولكن عندما أتعرض لمشكلة كبيرة، لا يقدم لي المساعدة. وبذلك فقد كنت مخطئاً. يجب أن تكون لدي ثقة أكبر في منطقتي. ولذا يمكنني القول سنشكل جيشاً ونقتل هؤلاء الناس. إننا أداة بشرية! ولهذا السبب يدعم بعض الناس جماعة النصرة"! وهي منظمة ذات صلة بتنظيم "القاعدة".
إن كل هذه الأمور تناسب الجيش السوري، وبالنسبة له فإن "الإرهابيين الموجودين بين المتمردين" يعتبرون بمثابة أعداء يعودون بالنفع على دعايته.
وعلى رغم ذلك، لا تزال المساعدات الإنسانية في سوريا غير كافية لتلبية الاحتياجات، وتضيع الفرص لمساعدة المجالس المحلية والعديد من منظمات الإغاثة السورية. كما تتبدد فرص كذلك لوصول المساعدات عبر الحدود (خاصة من تركيا). وكما هو الحال في معظم حالات الطوارئ الإنسانية، فإن وكالات الأمم المتحدة تضع ثقتها وراء جهد إيصال المساعدات للمناطق التي يسيطر عليها المعارضون عبر المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. ولكن كما حدث في كثير من الأحيان أيضاً في الماضي، فقد ثبت أن افتراض تعاون الحكومة أمر مفرط في التفاؤل. وتواجه وكالات الإغاثة صعوبات بالغة في تأمين الحصول على إذن من دمشق لتوزيع المعونات في المناطق التي يسيطر عليها المعارضون، كما تواجه أيضاً العديد من العقبات الحكومية الأخرى.
إننا في حاجة إلى قبول حقيقة تحويل بعض المساعدات عن المسار في جميع عمليات الإغاثة. كما ينبغي أن نسأل أنفسنا، في حالة وجود معلومات غير مكتملة، ما حجم التأكيدات الذي نطلبها. وأخيراً، يجب أن ندرك أن مبدأ كف الضرر قد يؤدي إلى قدر كبير من الضرر.
وعلى مدار الـ25 عاماً الماضية، كان هناك الكثير من الدروس التي يتم تعلمها. ولكن يبدو أن لدينا موهبة تعلم الدروس الخاطئة. واليوم، من الواضح أننا قد تأثرنا بالخوف من شبح الإرهاب الدولي (وإهمال الإغاثة عبر الحدود التي تم اللجوء إليها في نهاية المطاف في السودان)، لذا فنحن مرة أخرى نحرم المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها المعارضون من المساعدات الإنسانية الحيوية.
أستاذ دراسات النزاعات في كلية لندن للاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"