الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جواد ظريف مُكَمّما في دمشق

جواد ظريف مُكَمّما في دمشق

26.04.2020
مرح البقاعي



العرب اللندنية
السبت 25/4/2020
لماذا توجّه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق ليلتقي بشار الأسد، “مكمّما” وفِي كفيّه قفازات بلاستيكية، مخترقا التعليمات العالمية المشددة لمحاذير التواصل الاجتماعي والسفر عبر البلدان التي هي بؤرة لتفشّي جائحة كوفيد 19 وقد حصد أرواح الآلاف في إيران من حيث هو قادم؟
وهل هناك من أمر عاجل وجلل لا يمكن تأجيله أو البتّ فيه عن بعد، ما يحتّم على جواد ظريف ضرورة اللقاء الشخصي مع الأسد في قصره مستبعدا التعامل معه عبر الإنترنت كما يحدث في اجتماعات ومؤتمرات رسمية في العالم منعا للسفر والتقارب البشري المحظور تقريبا في معظم دول العالم؟ وهل من علاقة بين هذه الزيارة الاستثنائية في ظرفها وتوقيتها، بالحملة التي تشنها بعض وسائل الإعلام الروسية على بشار الأسد وعائلته، لتجد طهران الفرصة سانحة، وتشدّد على لسان وزير خارجيتها وقوفها إلى جانب الأسد في حال انسحبت موسكو من المحور الداعم لنظامه؟ بل هل يحتاج الحليف “المخلص” إلى تأكيد التزامه بشريكه في كل منعطف سياسي لو لم يكن هناك وراء الأكمة ما وراءها؟
“من الصعب أن نميّز في أغلب الأحيان بين هدف مكافحة الإرهاب والعنف الذي تمارسه الحكومة ضد مناوئيها”، هكذا وصف السفير الروسي الأسبق إلى دمشق ألكسندر اكسينينوك تعامل الحكومة السورية مع معارضيها؛ وتابع السفير الروسي في السياق نفسه قائلا: “على بلادي أن تعيد النظر في مستقبل سوريا ومصير قيادات النظام”.
ظهر هذا التصريح الصادم لمسؤول ودبلوماسي روسي في سياق حملة متزامنة أدارتها عدة منصات روسية إعلامية على حكومة دمشق، كان أصعبها تلك التي شنتها وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية حين اتهمت بشار الأسد بتعقيد مشكلات سوريا الاقتصادية، ووصفته بـ”الضعيف” لعدم قدرته على محاربة الفساد.
تتزامن هذه المواقف الروسية العلنية وغير المسبوقة، مهما شكك البعض بمصداقيتها وصحة مصادرها، مع اقتراب قانون قيصر الأميركي من مرحلة التنفيذ، والتي تبدأ قريبا مع انتهاء المرحلة التمهيدية التي تبلغ 180 يوما اعتبارا من تاريخ التصويت عليه في مجلس النواب ثم في مجلس الشيوخ الأميركي في 19 ديسمبر من العام 2019. وتعتبر هذه الفترة كافية للنظام السوري للإذعان لإرادة شعبه، ومقررات المجتمع الدولي، بضرورة دخوله غير المشروط في عملية سياسية ودستورية جادة تتضمن الانتقال السياسي السلمي ضمن بنود القرار الأممي رقم 2254.
تدرك موسكو تماما أن قانون قيصر إنما جاء ضمن حزمة قوانين عدة رفعها البنتاغون إلى المشرّع الأميركي للتصويت عليها، وأنها قد تحولت فور التصويت بالإيجاب إلى عصا غليظة ستستعملها واشنطن ضد الدول والأفراد الذين يدعمون العمليات العسكرية للنظام السوري، وضد كل من لم يزل متداخلا في دورة المال للبنك المركزي في دمشق- وهو هدف رئيس للقانون – بغرض تجفيف عمليات “تبييض الأموال” إذا ما أثبتت التحقيقات الجارية والتقارير التي سترفعها وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) بأن البنك المركزي ضالع في غسل الأموال ضمن دورته المالية الرسمية.
في هذا المناخ من التجاذبات السياسية، عمدت موسكو ضمن سياسة العصا والجزرة التي يحلو لها ممارستها حتى مع حليفها في دمشق، أن تمدّ طوق النجاة لنظام الأسد في إثارتها لملف العقوبات الأميركية الأحادية تحسّبا لإمكانية أن تطالها تلك العقوبات.
وبدأت موسكو ودمشق تستغلان جائحة كورونا كأقصر وأسرع الطرق لفكّ العزلة السياسية الدولية المفروضة على دمشق في محاولة للتخفيف من العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأميركية التي سُنّت نتيجة لتنكيل نظام الأسد بشعبه، وممارسته العنف والتهجير والترويع لمئات الآلاف من السوريين، مستعينا بالآلة الروسية الحربية والميليشيات الطائفية الإيرانية.
إلا أن واشنطن المنتبهة والمستعّدة لهكذا التفافات من الأسد وحلفائه أعلنت على الموقع الرسمي لوزارة الخزينة الأميركية وضمن بيان توضيحي لمكتب أوفاك صدر في 16 أبريل الجاري ما يلي: “لقد صُممت عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على سوريا لردع بشار الأسد، والمتعاونين معه، والجهات الأجنبية الداعمة له، والحكومة السورية، من الوصول إلى النظام المالي الدولي وسلسلة التوريد العالمية. الإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الجهات الفاعلة غير المشروعة التي تعمل في سوريا، مثل تلك التي تنتمي إلى مجموعات إرهابية مسمّات عالمياً، أو إيران، أو روسيا، ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية على الحالية”.
وتابع البيان: “يلتزم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بضمان ألا تحدّ هذه العقوبات من قدرة المدنيين في سوريا على تلقي الدعم الإنساني من المجتمع الدولي. قد يشمل هذا الدعم توفير معدات الاختبار، وأجهزة التنفس، ووسائل الحماية الشخصية، والأدوية المستخدمة في الوقاية والتشخيص والعلاج والتعافي من كوفيد 19”.
فصل المقال أن “القناعين الواقيين” اللذين ارتداهما الأسد وظريف في لقائهما الأخير  ليسا إلا جزءا من الاستثناءات الأميركية الإنسانية خلال جائحة كورونا لا أكثر. أما بيان وزارة الخزينة ومكتبها الخاص بفرض العقوبات (أوفاك)، فقد جاء واضحا بشأن ما ينتظر “إيران أو روسيا” من التشدّد لجهة تجفيف قنوات الدعم لحكومة الأسد والذي يحمل هذه المرة الدمغة القانونية الأميركية النافذة ضمن حزمة عقوبات قيصر.