الرئيسة \  تقارير  \  جورج فريدمان: هكذا ستنتهي حرب أوكرانيا على الأرجح

جورج فريدمان: هكذا ستنتهي حرب أوكرانيا على الأرجح

09.04.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 7/4/2022
نشر موقع “جيوبوليتكال فيوتشرز” مقالًا لجورج فريدمان، خبير جيوسياسي واستراتيجي – معترف به دوليًّا – في الشؤون الدولية ومؤسس الموقع ورئيسه، حول الطريقة التي قد تنتهي بها حرب أوكرانيا.
ويستهل فريدمان مقاله بقوله: عندما نفكر في كيفية انتهاء الحرب في أوكرانيا، يجب أن نفهم أولًا كيف بدأت الحرب؛ لقد غزت روسيا أوكرانيا لأسباب جيوستراتيجية – أي لتجعل أوكرانيا دولة عازلة تحمي موسكو من الغزو من الغرب – ولأسباب اقتصادية أخرى، غالبًا لا يُلتفت إليها، ولم يكن الانتقال من الاتحاد السوفيتي إلى الاتحاد الروسي مربحًا بالمرة، وربما تكون روسيا قد زادت من إجمالي الثروات، لكنها تظل دولةً فقيرةً، ويأتي ترتيب ناتجها المحلي الإجمالي بعد كوريا الجنوبية مباشرةً، وهو وضع له تقديره، ولكنه ليس الوضع الذي يجب أن تكون عليه قوة عظمى، ومن حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تحتل روسيا المرتبة الـ85 بين بلغاريا وماليزيا.
ونادرًا ما تروي الإحصائيات الاقتصادية القصة كاملةً، بالطبع، لكنها في حالة روسيا تشير بدقةٍ إلى حدٍّ ما إلى دولة أفقر مما تبدو، مُقنَّعةً سطحيًّا بطبقة عليا من النخبة ذات الثراء الفاحش؛ إن الحياة في المدن الكبرى مثل سان بطرسبرج وموسكو فاخرة للأثرياء، وبالكاد يمكن تحملها بالنسبة للبقية، مع اختلاف الحياة في الريف اختلافًا كليًّا.
لا يمكن لوم الأنظمة الفردية وحدها على الفقر في روسيا، إن حجم الأمة، والصعوبات في مجالات مثل النقل المرتبطة بحجمها، يجعل حكم روسيا أمرًا صعبًا، ومنذ زمن القياصرة، كانت الدولة، وليس الازدهار الاقتصادي المشترك، هي التي حافظت على تماسك روسيا، وغالبًا ما يجرى تحقيق ذلك من خلال الأجهزة الأمنية، المكلفة بالحفاظ على سلطة الدولة، وليس بناء الاقتصاد.
ولا عجب أن الدولة التي تفاخرت بـOkhrana (أوخرانا أو أوخرانكا؛ الشرطة السرية السياسية للإمبراطورية الروسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) أنتجت أيضًا رئيسًا تعلم منذ نعومة أظفاره في الاستخبارات السوفيتية “كيه جي بي”. وسواءً كان صوابًا أو خطأً، يتطلب حجم روسيا وضعفها إلى يدٍ قوية.
في روسيا.. الدولة قوية والناس فقراء
وقد أثار هذا توقعًا بأن الدولة ستكون قوية حتى لو كان الناس فقراء، وكان هناك فخر لدى القياصرة وستالين؛ بما يسمى بـ”الرجل الفولاذي”، إذ لكي يحكم شخص روسيا، عليه أن يظهر قوته، ويتحدث المثقفون في روسيا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالشعب يريد الحماية من غزاة الخارج ومن الفوضى المفقرة من الداخل.
ويمضي الكاتب إلى أنه على مر السنين، قدَّم الرئيس فلاديمير بوتين لفتاتٍ مختلفة لتحسين روسيا، لكنه تعلم في الـ”كي جي بي” أنه من دون يدٍ قويةٍ لا يمكن حكم روسيا، وكان يعلم أن هناك نوعين من القوة: النوع الذي يجعل البلدان الأخرى ترتعد، والنوع الذي يبقي “الأعداء” المحليين تحت السيطرة.
ومن بيلاروسيا إلى كازاخستان، حاول بوتين بالطريقة الوحيدة التي يراها مناسبةً، إعادة بناء روسيا لبنة تلو الأخرى، وتعد أوكرانيا هي أكبر لبنة، ويعتقد بوتين أنه كان عليه أن يأخذها، ثم أصبحت روسيا مضطربة، وكان المعارضون يتعرضون للاعتقال والأجانب يرفضون ذلك، وأجبرته الإستراتيجية والقوة على التصرف، لكن المشكلة كانت أن أداة عمله – وهي الجيش الروسي – كانت غير فعالةٍ مثل روسيا نفسها، ولم يكن هذا هو الحال دائمًا، وبقدر ما يمكن أن تكون الخدمة العسكرية وحشية، كان هناك نوع من الفخر بها.
ويبدو الجيش الروسي اليوم غير منظم وعديم الخيال وغير ملهم، بحسب فريدمان؛ ببساطة، لم يكن نشر القوة وإعداد اللوجيستيات وقيادة ميادين القتال على جميع المستويات موجودًا، وكان هذا نوعًا مختلفًا من الجيش الروسي، جيش غارق في البيروقراطية وخائف من القيصر أكثر من خوفه من الخسارة أمام العدو، وقد طالبَ بوتين بهزيمة سريعة للعدو، لكن لكي تحكم بالقوة، يجب أن ترى بوضوح وتضرب بحزم في مركز الثقل.
لم يكن لأوكرانيا مركز ثقل، بل قوة مشاة خفيفة متفرقة على نطاق واسع لم تقدم نقطة واحدة لتدميرها، وعلى الرغم من أن هذه قد تبدو وكأنها حرب عصابات، إلا أنها ليست كذلك، وقد فاجأت أوكرانيا عدوها بالمرونة وعدم القدرة على التنبؤ، ويمكن للمهاجم الرد بشن هجمات وحشية على السكان، لكن ذلك يترك الأوكرانيين بلا خيار سوى القتال، ولم يكن الجيش الروسي مصممًا لهذه الحرب، ولم يخطط لهذه الحرب، ولم يكن لديه إلا العمل الوحشي ضد المدنيين، وهو ما يقوم به بوتين.
المشكلة إذن هي أن بوتين لا يمكنه التوقف، ولا يمكنه التوصل إلى اتفاق مع أوكرانيا يحافظ عليه، وكل اتفاق – باستثناء استسلام العدو – يكشف عن ضعفٍ من جانب دولة ضعيفة وحاكمٍ ضعيفٍ، والبدائل الوحيدة هي العمل غير الفعَّال لأن القوة التي أرسلها للحرب كانت هي القوة غير المناسبة من بلد لم يكن لديه القوة المناسبة، بحسب فريدمان.
إطالة أمد الحرب تزيد بوتين قوة
يمكن لبوتين أن يتوصل إلى وقفٍ حقيقي لإطلاق النار، لكن إذا فعل ذلك، يكون قد انتهى؛ إن عدم قدرته على هزيمة الأوكرانيين، وازدراء الآخرين له، يدمر أسطورة قوته، واستمرار الحرب إلى ما لا نهاية يكشف عن الشيء نفسه، ومع مضيه في الحرب، فإن مهمة بوتين الأساسية هي التظاهر بأن ما يجري ليس هزيمة؛ لأن أي شيء أقل من النصر سيُعدُّ هزيمةً، كما أن كل اتفاقية سنتهي بالخيانة، وكما يحدث مع رجال حرب العصابات، فإنهم يزدادون قوةً كلما طال أمد الحرب.
والسؤال الجوهري هو: هل لدى روسيا احتياطيات إستراتيجية أم لا؟ إن الجيش الروسي موجود في الميدان منذ أكثر من شهر، في طقس لا يزال باردًا، في نهاية خط لوجستي إشكالي، ويقاتل قوة مشاة خفيفة لديها حماس قوي وسهلة الحركة وعلى دراية بالتضاريس، ولا يمكن أن يستمر في القتال إلى أجلٍ غير مسمى، وعلى روسيا أن تعيد مركزة قواتها، ومن الناحية الإستراتيجية، يجب أن ترسل مزيدًا من القوات، ولكن بدلًا من ذلك، فإنها تنفذ انسحابًا دمويًّا، ويوضح فريدمان قائلًا: “أنت لا تقاتل من أجل الأرض نفسها مرتين إلا إذا اضطررت لذلك”.
ويرى الكاتب أن هذا يعني أن خطة بوتين الحربية تحطمت، إذ كانت المقاومة فعَّالة وقواته بحاجة إلى راحة لا يستطيع توفيرها، وسوف يحاول بوتين التمويه لصرف الانتباه بالتحرك في اتجاهاتٍ أخرى – ربما في دول البلطيق أو مولدوفا – لكنه يفتقر إلى القوة للقتال على جبهةٍ أخرى، ولا يستطيع تحمل هذه الحرب بسهولة، خاصةً في مواجهة جنود الناتو الذين ظلوا حتى الآن بعيدين عن المعركة.
بوتين لا يستطيع إشعال حرب نووية
ويستدرك الكاتب قائلًا: ومع ذلك، لا يمكنني التنبؤ بما سيفعله القائد في النهاية؛ لكن في الوقت الحالي، من الواضح لي أن بوتين سيتشبث بالسلطة ويلقي باللوم على كل من حوله؛ لكن كل يوم تستمر فيه الحرب، يتزايد ضعف بوتين، وما كان يجب أن تكون أوكرانيا قادرةً على المقاومة، ولا كان ينبغي أن يتحد الناتو، وما كان ينبغي أن تكون الحرب الاقتصادية الأمريكية بهذه القوة.
يرى فريدمان أن يأس بوتين يزداد، حتى أنه غمغم بشأن الأسلحة النووية، وهي علامة على اليأس المطلق؛ لكنه يعلم أنه وأي شخص قد يحبه سيموت في تبادل ضربات نووية؛ حتى لو كان مستعدًا للانتحار بدلًا من الاستسلام، فهو يعلم أن الأمر بإطلاق الأسلحة النووية يجب أن يمر عبر عدة أفراد، وكل هؤلاء الأفراد يعلمون أن الضربة المضادة ستقتل أحباءهم، وهنا يكمن ضعف الحرب النووية: الانتقام شيء والشروع في شنها شيء آخر، ويثق بوتين في قلة من الناس، ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن يثق في أي شخص في هذا الموقف – ولا ما قد يفعله الأمريكيون إذا رأوا استعدادًا لإطلاق نووي روسي.
بوتين معرض للخطر إذا ما تخلى عن منصبه
يلمح الكاتب إلى أنه إذا تخلى بوتين عن منصبه، فإنه معرض للخطر، وربما يكون مصيره الفناء، فالصقور تحلق في انتظار الانقضاض؛ لذلك، يجب أن يواصل القتال حتى يُجبَر على المغادرة ويتولى شخصٌ آخر غير مسؤول عن الكارثة المسؤولية، ويلقي باللوم على بوتين في كل شيء، وأعتقد أن هذا لا يمكن أن ينتهي حتى يخرج بوتين من اللعبة.
يضيف فريدمان: “من الواضح أنني أتحرك هنا بعيدًا عن التحليل الجيوسياسي إلى السياسي، ويحاول الأول تقليل التأثير الفردي، بينما يؤكد الأخير عليه، مما يجعل توقعاتي تفتقد لدقة حتمية، ولكن بالنظر إلى الوضع على الأرض، وبالنظر إلى الديناميكيات الداخلية الروسية، يبدو أن جميع القوى التي تؤثر في بوتين تملي اتجاهًا معينًا، وستنتهي الحرب، لكن الحرب تتطور بطريقةٍ تخلق ضغوطًا فريدة على النظام السياسي الروسي، وبسبب طبيعة النظام، فإن هذا الضغط ينصب على بوتين”.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول “إن أوكرانيا قد تنهار، وقد تنهار روسيا، وقد يضع الجيش الروسي إستراتيجية لكسب الحرب، وقد يجري التوصل إلى تسوية جيدة؛ كل هذا ممكن، لكني لا أرى تحركاتٍ نشطةً في أيٍّ من هذه الاتجاهات؛ إن ما أراهن عليه هو النهاية السياسية؛ إذ يجد الروس أنفسهم في وضع أسوأ، ولم أكن لأفكر في ذلك في اليوم الأول من الحرب، لكنني أعتقد أن هذا هو شكل اليوم الأخير على الأرجح”.