الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جولة سريعة على مشهد سوري

جولة سريعة على مشهد سوري

04.03.2019
ثائر الزعزوع


جيرون
الاحد 3/3/2019
ماذا بعد (داعش)؟ سوف نقرأ تباعًا عشرات وربما مئات المقالات التي تطرح هذا السؤال، خاصة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تغريدة له طبعًا، أن حلفاء بلاده، ويقصد “قوات سوريا الديمقراطية”، باتوا يسيطرون على كامل الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، وأن مرحلة ما بعد (داعش) قد بدأت، ولكن ما هي المرحلة التي ستلي تنظيم (داعش)؟ ما هو شكلها؟
الكثيرون يكررون أن التنظيم لم ينتهِ، وأن قادته البارزين نُقلوا إلى أماكن مجهولة، طبعًا الكلام هنا عن القادة القادرين على إعادة تنظيم الصفوف، وخلق قاعدة جديدة للعمل، وإن من خلال ما يعرف بـ “الذئاب السائبة”، أو “الخلايا النائمة”، أي أن الشكل العام الذي ظل موجودًا طوال السنوات الأربع الفارطات قد يتغير، لكن قد تظهر عمليات متفرقة هنا أو هناك، تحمل البصمات نفسها، ما يخلق ذريعة لقوات التحالف التنظيم بالبقاء مدة إضافية، بذريعة أن ثمة خطرًا وجوديًا يتهدد بلادهم ومصالحهم، أيضًا وأيضًا، على ضفة أخرى يبدو نظام دمشق قلقًا من أن زوال التنظيم قد يعيده إلى واجهة الحدث، إذ لطالما شكل وجود تنظيم (داعش) مبررًا له للقصف والتدمير، فإذا ما زال التنظيم فإنه سيصير مكشوفًا تمامًا، بل إنه سوف يكون مضطرًا إلى البدء بمرحلة إعادة إعمار وتأهيل المدن التي دمّرها مع حلفائه، وهذا أمر لا يفكر فيه نظام دمشق في الوقت الحالي، لذلك فلا بد من البحث عن قصة جديدة تؤخر، أو ربما تعطّل، انطلاق “عجلة إعادة الإعمار” طبعًا سوف يشكل وجود (جبهة النصرة) أو “هيئة تحرير الشام”، سببًا كافيًا، خاصة أن الهيئة، وإن هي اختلفت من حيث الشكل عن تنظيم (داعش)، تحمل البعد نفسه، الذي يمكن استخدامه ذريعة لتدمير ما تبقى مما يعرف بالمناطق المحررة التي تخضع لسيطرتها، وقد بدأت عمليات القصف فعليًا منذ أسابيع، وبدأت أرقام الضحايا تحتل ركنًا في سياق الأخبار العاجلة، وسوف نشهد عمّا قريب تحركات عسكرية وحشودًا باتجاه تلك المناطق، ولا بد أن يكون ثمة اتفاق سري لم يُعلن عنه حتى الآن، توصل إليه الضامنون في سلسلة اجتماعاتهم، يتم بموجبه خروج مسلحي “هيئة تحرير الشام” إلى مناطق أخرى، ربما في محاكاة لما حدث في محافظة درعا، ليعلن النظام انتصاره. وهذا متوقع جدًا.
ولن يبقى أمام النظام سوى ما يُعرف بمناطق “الإدارة الذاتية”، وهي مهمة جدًا من الناحية الاقتصادية، لكن إشكاليتها تبدو أكثر تعقيدًا من وجود تنظيم إرهابي، فعلى الرغم من إعلان الرئيس الأميركي قبل أشهر أن قوات بلاده ستترك سورية قريبًا، فإن التعديلات التي طرأت على ذلك الإعلان، تجعل من شبه المستحيل على نظام دمشق وداعميه، أن يفكروا مجرد تفكير في التحرك باتجاه تلك المناطق، وعليهم الاستسلام لفكرة التفاوض مع “مجلس سوريا الديمقراطية”، وسيكون ذلك التفاوض خاضعًا، بكل تأكيد، لشروط قد تفرضها واشنطن التي ما زالت تعتبر (قسد) حليفًا لها، ولن تتخلى عنها، هذا ما تعلنه واشنطن حتى الآن على الأقل. وإن كانت (مسد) قد أبدت -من خلال تصريحات لبعض قادتها- انفتاحًا على فكرة التفاوض، وأن لا مانع لديها من تقديم بعض التنازلات لضمان عدم ضياع ما حققته من مكتسبات حتى الآن، فإن نظام دمشق يبدو -ظاهريًا على الأقل- أشدّ عنادًا، وقد أعلن رفضه لتقديم أي تنازل. على أي حال، نحن نعلم تمامًا أن القرار ليس بيده، وأن ما تشاؤه موسكو سوف يتم العمل به، وليس تسريب صورة رأس نظام دمشق الأخيرة، وهو يقف خلف الرئيس الروسي بوتين بتلك الطريقة المثيرة للسخرية، سوى رسالة واضحة للجميع بأن هذا “رجلنا”.
ولكن أين الثورة في كل ما يحدث؟
هذا سؤال يفرض نفسه، وخاصة أننا نقترب من ذكرى انطلاقتها الثامنة. نعم أين الثورة؟ وهل يمثل رفع نصب تذكاري في مدينة إعزاز أو سواها يحمل علم الثورة، انتصارًا لها، وقد فقدت كل قوتها العسكرية، والسياسية، ولم تعد تستند إلى شيء واقعي؟ باستثناء بعض الأحلام التي نراها كل يوم التي تؤكد أن الثورة مستمرة، وأنها ثورة حتى النصر. أم أن ثمة مشروعًا خفيًا قد يشكل مفاجأة لنا في قادمات الأيام يُعيد الثورة إلى الواجهة؟ حتى الآن، لا إجابة عن هذا السؤال، الثورة منهكة مفككة، هذا ما يقوله واقع الحال، نخر الفساد معظم مؤسساتها، وهذه حقيقة ينبغي مواجهتها بشجاعة، واستسلمت في كثير من مراحلها لإرادات الممولين وأجنداتهم، وهي بحاجة ماسة إلى إعادة تقييم لأسباب فشلها، كي تنهض من جديد، إن كان مقدرًا لها أن تنهض، لأن الاكتفاء برفع الشعارات لم يكن كافيًا في يوم من الأيام، وإلا؛ كانت فلسطين تحررت منذ خمسين عامًا على الأقل، أي منذ أن بدأت الدول العربية بتدبيج الشعارات ونظم قصائد الانتصارات.
مشهد أخير: على إحدى القنوات الفضائية يستضيف مقدم برنامج ضيفَين، أحدهما يمثل معسكر الثورة، والآخر يمثل معسكر النظام. الضيف الذي يمثل معسكر الثورة يختم مداخلته الحماسية بقصيدة تؤكد أن الحق سوف ينتصر، وأن معسكر الشر سوف يندحر… متى كانت آخر مرة انتصر فيها الحق بالقصائد والشعارات؟!