الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جو" أم "دو"؟ لهذه الأسباب تتعلق أنظار السوريين بالانتخابات الأمريكية 

"جو" أم "دو"؟ لهذه الأسباب تتعلق أنظار السوريين بالانتخابات الأمريكية 

06.10.2020
رامز الحمصي


 
ساسة بوست 
الاثنين 5/10/2020 
تقترب الولايات المتحدة الأمريكية من الاختيار بين جو بايدن ممثل الحزب الديمقراطي، والرئيس الحالي دونالد ترامب ممثل الحزب الجمهوري، لقيادة البلاد، بينما ينظر السوريون إلى ما سيؤول الوضع إليه عقب فوز أحدهما – أو "جو" و"دو" كما يطلق على المرشحين الرئاسيين في سوريا – خاصة أن لهم تجربة مع الحزبين، لا سيما أن ما أصبح عليه الحال في البلاد تتحمله القيادة الأمريكية من وجهة نظر الشعب السوري. فالرئيس السابق باراك أوباما ودع السوريين بأن "أيام الأسد باتت معدودة"، وترامب الذي وصف رأس النظام بـ"الحيوان" صرح مؤخرًا أنه تراجع عن قتله عملًا بنصيحة وزير دفاعه جيمس ماتيس. 
نقطة البداية.. الثورة السورية في الأجندة الأمريكية 
خلال الأعوام الفائتة لم يُسجل للولايات المتحدة الأمريكية أي إستراتيجية واقعية أو واضحة لإنقاذ الشعب السوري لا عسكريًا ولا سياسيًا. ويبدو ذلك نتيجة اعتماد السياسة الخارجية الأمريكية على الرؤى الفكرية التي يكتبها علماء السياسة الصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية، في بلورة خارطة طريق لتحقيق المصالح الأمريكية، وكانت سوريا نموذجًا لذلك. 
يشير الدكتور قصي غريب في دراسته التي تناول فيها أبعاد التعامل الأمريكي مع الحالة السورية، أنه عند اندلاع الثورة بسوريا في منتصف مارس (أذار) 2011، راقبت الإدارة الأمريكية الوضع عن كثب، ومع تحولها من انتفاضة شعبية إلى حمل السلاح واستخدام قوات النظام للقوة المفرطة والقتل العمد، لم تخف الإدارة الأمريكية قلقها؛ لأن التغيير – في اعتقاده – سيكون له ارتدادات على المنطقة. 
لكن مع استمرار التظاهرات، تطورت الاستجابة من قبل الإدارة الأمريكية التي اعتمدت سياسة غض البصر وانتهاج الدبلوماسية؛ لتبدأ باستخدام العقوبات ضد النظام السوري في 2011، والسعي لعقد المؤتمرات للدعوة لتوحيد المعارضة السورية خلال الأعوام 2012 و2013. 
وتمثلت الدبلوماسية الأمريكية في سياسة الإلهاء للحصول على أهدافها لاختيار ما يتماهى مع إستراتيجيتها، عبر الإعلان عن تدريب ما أسمته بقوات المعارضة المعتدلة في 2014 و2015، وتبنت سياسة التجاهل وغض النظر عن جرائم النظام، مع استخدام الإعلام الذي لا تأثير له على تغيير الواقع مثل إعلان الرئيس باراك أوباما في 18 أغسطس (آب) 2011، عن ضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة، وتصريحه في 20 أغسطس 2012 بأن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وسوف يغير قواعد اللعبة، ويتطلب ردًا حازمًا. 
عدم رغبة الإدارات الأمريكية المتعاقبة في استخدام القوة العسكرية ضد النظام، ليس مؤشرًا على ضعف عزم أمريكا في المنطقة؛ فالنظام استغل فرصة عدم الالتزام بتطبيق بيان "جنيف 1" من قبل مجموعة العمل من أجل سوريا بقيادة الولايات المتحدة في إضعاف فرص نجاح الثورة السورية والتزام نهج القوة العسكرية لاخمادها، واستمد ذلك أيضًا من تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما آنذاك حين أكد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر (أيلول) 2013 على أن الولايات المتحدة في هذه الظروف الجديدة تعمل من أجل التحول بعيدًا عن حالة الحرب الدائمة. 
وعطفًا على ذلك، صرح المعارض السوري ميشيل كيلو في مقابلة مع شبكة "أنا برس"، أن الإدارة الأمريكية قامت من خلال حلفائها الإقليميين على تمكين الكثير من أصحاب القدرات السياسية المحدودة؛ إذ لم يعرف عنهم بأنهم من النخب السياسية والثقافية السورية، ولا من معارضي النظام واستبداده، وأنه كانت تنقصهم المعرفة والدراية، والخبرة بالسياسة، والعلاقات الدولية، وإدارة الدولة، وجعلتهم في الواجهة السياسية والإعلامية ممثلين للثورة السورية. 
"الانخراط من الخلف"، هي السياسة التي اتبعتها الإدارة الأمريكية برأي الباحث السوري بشار نرش، فالموقف الأمريكي من الأحداث في سوريا واضح ولا يحتاج إلى الكثير من التفسير والتأويل في عدم الانخراط المباشر بالصراع السوري. 
فزيارة المسؤولين الأمريكيين كانت عبر جولات إلى ممثلي الأمم المتحدة والمنظمات المدنية التي تعمل في حقل مساعدة النازحين واللاجئين السوريين، ولقاء بعض متطوعي ومتطوعات الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، فضلًا عن زيارة مخيم من مخيمات إدلب؛ كلها تعطي دلالة واضحة أن أبعاد الزيارات إنساني، وليس عسكريًا؛ ما يوضح أن هنالك تهرّبًا أمريكيًا واضحًا من التزامات سياسية وعسكرية واضحة تجاه القضية السورية. 
سياسة ترامب "الناجحة" في سوريا استثماره الشخصي 
يقول الدكتور يحيى العريضي المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية وعضو اللجنة الدستورية لـ"ساسة بوست": إن "إدارة ترامب حقيقة كانت مختلفة تمامًا عن توجهات الرئيس السابق أوباما، فالأمر الذي كان يشغل أوباما بالنسبة للمشروع النووي الإيراني، والذي كان جزءًا من صفقته مع إيران بيع القضية السورية، بأسس وتأسيس وتأثير إيراني، ألغاه ترامب. ومن هنا برزت القضية السورية وبرز الاهتمام بها". 
ويوضح أن "الادارة الأمريكية التي يفضلها السوريين هي الإدارة التي تعرف جوهر القضية السورية، وتعرف أنها قضية شعب ثار ضد منظومة استبدادية، فتشرد ودمرت بلده، وأن النظام الحاكم منظومة إجرامية استبدادية يجب أن تحاسب والعملية السياسية يجب أن تأخذ مجراها حتى تتحقق الطموحات السورية". 
تبدو إدارة ترامب ملتزمة بتنفيذ الإستراتيجيات تجاه الأمور التي ذكرها العريضي، وأنها جزء اساسي من قانون "قيصر" الذي أقره الكونجرس الأمريكي يونيو (حزيران) الماضي، والذي يهدف إلى تحقيق وتنفيذ القرارات الدولية ويضع ذلك شرطًا لرفع القانون والعقوبات برفع الحصار والغموض على وضع المعتقلين وملاحقة معاقبة مرتكبي جرائم الحرب. كل هذه الأمور وهذه المواقف مقدرة بالنسبة للسوريين، ومن هنا ربما يكون التفضيل لهذه الإدارة إذا استمرت بهذه المنهجية، حسب ما يراه العريضي خلال حديثه لـ"ساسة بوست". 
ومن المنظور ذاته، يعتقد الصحافي جوناثان سبايير أن سياسة ترامب في سوريا ناجحة، من خلال الإستراتيجية التي اتبعتها إدارته بشأن سوريا والتي حولت نصر رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى رماد، وحافظت على استمرار الانهيار السريع الذي يشهده اقتصاد البلد، كما أن الوسيلة الرئيسة التي استخدمتها واشنطن لتحقيق خنق النظام اقتصاديًا، بالرهان على حاجة الأسد الماسة للمال لإعادة إعمار البلد الذي مزقته الحرب وعجز حليفيه الرئيسيين، روسيا وإيران، عن تقديم المساعدة المالية بسبب الأزمات الاقتصادية الصعبة التي يمران بها. 
وأوضح أيضًا في تقريره المنشور في "فورين بوليسي"، أن إدارة ترامب أصرت على تنفيذ الأسد لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وشكلت جبهة موحدة بينها وبين الاتحاد الأوروبي لمنع حصول سوريا على أي تمويل لإعادة الإعمار، وسد أي منافذ اقتصادية يمكن أن يلجأ إليها الأسد عبر قانون "قيصر"، وزادت قوة ترامب في الملف السوري عقب شهرين من وصوله إلى البيت الأبيض، حين أمر بقصف مطار الشعيرات العسكري في أبريل (نيسان) 2017 بـ59 صاروخًا من طراز "توما هوك"، في أول استهداف أمريكي مباشر لقوات النظام السوري. 
ووفقا للكاتب فإن الهدف الأساسي لسياسة إدارة ترامب بشأن سوريا، والتي يقودها وزير الخارجية مايك بومبيو، هي ضمان موافقة نظام الأسد على وقف شامل لإطلاق النار يسمح ببدء المفاوضات حول المستقبل السياسي للبلاد، كما تأمل أن يشفع ذلك في تنظيم انتخابات حرة تسفر عن مغادرة الأسد السلطة. 
سياسات ترامب، حسب ما يراه الكاتب السوري عمر كوش في مقاله بصحيفة "العربي الجديد"، كانت تصب في مجال استثماره الشخصي، فكلها مبنية على الاستعراضات، بدءًا من الحرب على الإرهاب التي أعلن فيها النصر النهائي على "تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، وصولًا لسعيه إلى إنهاء الوجود الإيراني في سوريا الذي لم يؤت أكله. 
وموقف إدارة ترامب يتمحور بشكل عام، على محاربة "داعش"، ومواجهة القوى المنافسة للولايات المتحدة على الأرض السورية؛ ما يعني السعي إلى إنهاء النفوذ الإيراني فيها بالتفاهم مع إسرائيل، ومحاولة إرغام نظام الأسد على تغيير سلوكه، إلى جانب دعم القوى الكردية المسيطرة على منطقة شرقي سورية، وبناء توافقات بين القوى الموجودة فيها. 
إرث أوباما يبدد آمال السوريين في بايدن 
يضيف العريضي في حديثه لـ"ساسة بوست" أن: "الرئيس أوباما لم يكن صادقًا بالتعامل مع القضية السورية، وكان لديه تخوف مما جرى في العراق من التدخلات الأمريكية على الصعيد العسكري، ولم يدرك أن هنالك فرقًا بين المسألة السورية والمسألة العراقية، فالأولى إنسانية، والثانية سبب الادعاء بوجود أسلحة الدمار الشامل". 
مضيفًا أنه "كان شاهد عيان على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، فتلك الإدارة الديمقراطية كانت وباءً بالنسبة للسوريين وأضرتهم ضررًا كبيرًا، حتى أن سفير أوباما، روبرت فورد، استمر حتى اللحظة ببث السموم بالإحباط والإساءة للقضية السورية بشكل عام، وتلويثها بمجرد ذهابه إلى حماة عقب اندلاع المظاهرات بأسابيع". 
لكن على النقيض، فإن شلال كدو عضو "الائتلاف الوطني السوري عن المجلس الوطني الكردي" يؤكد في حديثه لـ"ساسة بوست" أن جو بايدن المرشح المنافس للرئيس ترامب، سوف يكون أفضل للسوريين لإستراتيجيته الثابتة، فـ"للديمقراطيين إستراتيجيات ومواقف وخطط أفضل من صقور الجمهوريين، فهم أقل عنصريةً تجاه الشعوب الأخرى تجاه الإثنيات والأقليات والأديان، لا سيما المسلمين". 
ويشير كدو "أنه خلال الفترة الرئاسية لترامب زادت معاناة السوريين، وازداد القتل والتشريد وزاد اضطهاد السوريين بمختلف انتماءاتهم على يد قوات النظام، وعلى مرأى ومسمع من إدارة ترامب، وبالتالي فإن انتخاب بايدن سوف يكون مفيدًا للسوريين أكثر بكثير". 
جو بايدن الذي سيورث مسؤولية إصلاح نهج أمريكا تجاه سوريا، نتيجة الفشل السياسي الذي خلفه أوباما، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" التي قالت في تقريرها "أن حملته الانتخابية تَعِد بزيادة المشاركة الأمريكية في سوريا، وزيادة الضغط على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لتوفير العدالة والأمان للشعب السوري، لكن هذه الوعود سمع بها السوريون منذ عقد من الولايات المتحدة، ولم يتم الوفاء بها"، كما يقول جوش روجين محرر السياسة الخارجية والأمن القومي في الصحيفة. 
يبدو أن مخاوف العريضي التي طرحها خلال حديثه لـ"ساسة بوست"، من تكرار جو بايدن لإستراتيجيات أوباما غير بعيدة، نتيجة لعدم وضوح سياسته حول سوريا في برنامجه الانتخابي والسياسة التي سيتبعها، لكن الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون في برنامجه الذي يبث على قناة "فوكس نيوز"، كشف أن بايدن يفكر في جعل سوريا مسرحًا لحربه المقبلة إذا تم انتخابه في نوفمبر المقبل. 
الجالس الجديد في البيت الأبيض سيقرر مصير الأسد 
يرتبط مستقبل رأس النظام السوري بشار الأسد، بنتائج الانتخابات الأمريكية القادمة، فوسائل إعلام النظام تحاول تصوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية على أنها شأن داخلي أمريكي، لكن من الواضح أن النظام يعول على فوز بايدن؛ لأنه أقل تشددًا من الرئيس الحالي ترامب، فدمشق تترقب باهتمام واضح نتائج الانتخابات، نظرًا لوجود أصدقاء لها ضمن الحزب الديمقراطي. 
آمال النظام السوري سبق وأن تبددت إبان انسحاب تولسي جابارد العضو في الكونجرس عن الحزب الديمقراطي عن ولاية هاواي؛ إذ كانت المرشح المفضل للأسد ولروسيا، حسب موقع "سي إن بي سي". وسبق لها وأن التقت الأسد في عام 2017 في رحلة سرّية إلى لبنان وسوريا، وترفض أن تدينه بالمجازر التي ارتكبها بحق المدنيين على مدى ثماني سنوات من اندلاع الثورة السورية بما في ذلك استخدام الأسد للأسلحة الكيماويّة ضد المدنيين، فضلًا عن أنه ما زال يحظى بالدعم داخل الحزب من خلالها. 
وهناك أيضًا عضو الفريق الاستشاري للشرق ضمن حملة بايدن المسؤول السابق في إدارة أوباما ستيفن سايمون، الذي كافح ضد أي محاولات لوضع الضغوط على الأسد، وسافر إلى دمشق وقابل الأسد بعد مغادرته البيت الأبيض في عهد أوباما. 
لذا نرى مدى ترقب السوريين للانتخابات الأمريكية، ولو أنهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن قضيتهم لا تمثل أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام، ومواقفهم لا تؤثر في نتائج الانتخابات، فضلًا عن أن من سيمسك دفة القيادة الأمريكية لن يحدد السياسات الخارجية وحده، لكن الأماني تحول دون انسداد الأفق السياسي، على أمل أن تقوم الإدارة القادمة بتجريد الأسد من نظامه على الحد الأدنى.