الرئيسة \
تقارير \ جيش النظام السوري مستنزف : أرقام تؤكد فقدان العنصر البشري
جيش النظام السوري مستنزف : أرقام تؤكد فقدان العنصر البشري
01.08.2024
عماد كركص
جيش النظام السوري مستنزف : أرقام تؤكد فقدان العنصر البشري
عماد كركص
العربي الجديد
الاربعاء 31/7/2024
ظهرت في الأعوام الأربعة الأخيرة، الكثير من المؤشرات على ترهل جيش النظام السوري على عدة مستويات ومنها وحداته المقاتلة. أهم المؤشرات التي أكدت ضعف جيش النظام السوري هو اللجوء إلى خيارات غير معتادة في نظام الأسد، مع فتحه باب التطوع بشكل كبير أمام الراغبين بالانتساب للمؤسسة العسكرية، منذ منتصف العام الماضي. واعتبر مسؤولو جيش النظام السوري أن السياسة الحالية تتجه لجعل الجيش مؤسسة قائمة على "الاحتراف"، أي الاعتماد على الموارد البشرية من خلال التطوع مع التخلي عن التجنيد الإجباري تدريجياً. ورغم اعتماد النظام على المليشيات التي أسسها إلى جانب قواته، بالإضافة إلى الاستعانة بمليشيات مدعومة من إيران وروسيا، منذ الأشهر الأولى للثورة والحراك ضد النظام في العام 2011، إلا أن جيش النظام السوري لم يستطع الحفاظ على قواته من التآكل والتخبط وعدم القدرة على إعادة التوازن طوال سنوات الحرب الـ13.
النقص الحاد في جيش النظام السوري
وفي منتصف العام 2023، أظهر تقرير نشره مركز جسور للدراسات، نقصاً حاداً في صفوف جيش النظام السوري على صعيد الوحدات المقاتلة والعاملة على الأرض من فرق وفيالق. وأشار التقرير إلى تدني نسبة الاستكمال (أي النقص من النسبة المئوية لكل وحدة) في الكثير من الوحدات الرئيسية، لا سيما وحدات النخبة، التي وصلت نسبة الاستكمال فيها إلى ما دون 40% بحسب التقرير، أي أن الفرقة عانت نقصاً بنحو 60% من عناصرها. وأشار التقرير حينها إلى أن نسبة الاستكمال في الكثير من الفرق والوحدات، عانت في الأساس نقصاً قبل العام 2011، نتيجة التخلف والفرار عن الخدمة، لكن هذه النسبة زادت بعد العام 2011، نتيجة الانشقاق والاعتقال وامتناع الكثير من الشبان عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية.
وانخفضت نسبة استكمال العنصر البشري في الفرقة الأولى لقوات النظام من 70% قبل العام 2011 إلى نحو 30% في العام الماضي، وكذلك الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، من 80% إلى 45% ثم 40% في العام الحالي. وكذلك الحال بالنسبة للفرقة الخامسة التي انخفضت نسبة استكمال عناصرها من 60% إلى 35%، والعاشرة من 80% إلى 40%، و17 من 55% إلى 25%، و18 من 60% إلى ما دون 30%. ونوه التقرير إلى أن أفواج القوات الخاصة (أهم الوحدات المقاتلة في قوات النظام) ذات الأرقام 15 و35 و41 و44 و45 و47 و53 و54 تعرضت للتدمير الكامل بين العامين 2013 و2023، نتيجة لهجمات المعارضة، إضافة إلى الانشقاق والتخلف.
وشرح رشيد حوراني، الضابط السابق في صفوف قوات النظام، والباحث في مركز جسور للدراسات، والمشارك في إعداد التقرير المذكور، أن "جيش النظام السوري كان يعاني من مشكلتين مزمنتين قبل العام 2011 هما الفرار من الخدمة، والتخلف عن الالتحاق بخدمة العلم، وهاتين المشكلتين تعكسان عدم ثقة المواطن السوري بالمؤسسة العسكرية لما فيها من فساد ومحسوبية وانكشاف كذب النظام ودعاياته بالمقاومة والممانعة التي باتت مكشوفة للسوريين".
وأضاف حوراني في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الثورة عمّقت مشكلة التخلف عن الخدمة الإلزامية، لكن في المقابل سعى النظام للمحافظة على الجيش ودعمه بخطوات متعددة، ومنها إنشاء القوات الرديفة كقوات الدفاع الوطني وصقور الصحراء ومغاوير البحر. كما أنه بعد التدخل الروسي صار أمر هيكلة جيش النظام السوري يتم بإشراف وبتوجيه روسي وفق الظروف المرحلية التي يمر بها". وتابع: "كما أنشأ النظام العديد من الوحدات التي لا تتوفر فيها الأسس التنظيمية من ناحية العتاد العسكري ومن ناحية القوى البشرية للوحدات العسكرية التي كان معمولا بها قبل 2011، ومنها على سبيل المثال الفرق 2 و6 و8 و25 و30، وجعل هذه التشكيلات ضمن ما يسمى الفيلق الرابع، وأنشأ فيلقاً آخر هو الفيلق الخامس، وكلا الفيلقين لا تنطبق عليهما معايير الوحدات العسكرية من ناحية التسليح أو العتاد".
ونوه حوراني إلى أن "النظام منذ منتصف العام الماضي وحتى الآن، بدأ بإصدار القوانين المتعلقة بالخدمة العسكرية الإلزامية، ومنح التعويضات المالية التحفيزية للمنتسبين، وإبرام العقود لمدد تتراوح بين 5 و10 سنوات مقابل إسقاط الخدمة الإلزامية عن صاحب العقد، مع منح راتب شهري غير متوفر في وظائف أخرى يصل إلى أكثر من 100 دولار، وأجاز دفع البدل النقدي للملتحقين بالخدمة وفق شروط محددة". وتابع: "خفض النظام سن دفع البدل من 42 عاماً إلى 38 عاماً، بمعنى أن من بلغ سن 38 عاماً ولم يخدم العسكرية فقد أصبح مخالفاً وعليه دفع البدل النقدي، ويهدف من وراء ذلك رفد المؤسسة العسكرية بالطاقة البشرية الشابة، أو الفائدة المالية من الشريحة التي تجاوزت السن المحددة، وهذه الفائدة المتحصلة من البدل يقوم بصرفها على الملتحقين بنظام العقود المذكور سابقاً".
خروج فرق من النظام عن الخدمة
وكشف حوراني أن المعلومات لديه تشير إلى خروج كل من الفرقتين الأولى (المنتشرة في ريف دمشق) والتاسعة (المنشرة في بين محافظة السويداء ودرعا جنوباً) عن الخدمة الفعلية، منوهاً إلى أن الفرقتين "موجودتان على الورق لا أكثر". وأعرب عن اعتقاده أن "قدرة النظام على الترميم غير ممكنة، بسبب خروج الكثير من السوريين خارج البلاد ومن مناطق سيطرته، لعدم رغبتهم في الالتحاق بالخدمة التي وصلت عند البعض لمدد تراوحت بين 7 و9 سنوات، وتفضيلهم دفع البدل، خصوصاً في ظل التضييق عليهم في دول اللجوء".
وحول قدرة جيش النظام السوري على الصمود أو التصدي، سواء تجاه أي تدخّل خارجي أو داخلي من قبل المعارضة، أشار حوراني إلى أنه "على الرغم من الاتفاق بين روسيا وتركيا الموقّع في مارس/آذار 2020، وما سبقه من أعمال قتالية، حاول النظام التقدم عبر عمليات التسلل على محاور القتال مع الفصائل في إدلب وحماة وحلب واللاذقية، ولم يكتب لأي محاولة النجاح. في المقابل نفذت الفصائل عمليات نوعية خلال العام الماضي ضد مواقع جيش النظام السوري وكبّدته خسائر عدة، فضلاً عن أن روسيا عملت على فتح مسار أستانة لوقف استنزاف النظام وقواته، وتدرك أن ميزان القوى في شمال غربي سورية ليس لصالحها، كما تأثرت في حربها على أوكرانيا على حساب وجودها في سورية وحاولت توظيف وجودها في سورية لصالح عملياتها في أوكرانيا".
لا يمكن إصلاح مؤسسة النظام العسكرية
من جهته، أشار العميد الطيار أسعد الزعبي، المنشق عن قوات النظام، إلى أن إهمال تطوير المؤسسة العسكرية بما يواكب الجيوش المتقدمة، أمر قديم منذ تسلم النظام للسلطة، منوهاً إلى أن الكثير من الأفكار التي قُدّمت من قبل ضباط وعسكريين لتطوير المؤسسة، كانت تصطدم بالمتنفذين من كبار العسكريين من دائرة النظام بوأدها وإهمالها.
ونوه الزعبي، الذي خدم لمدة 40 عاماً في جيش النظام السوري في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المؤسسة العسكرية لا يمكن إصلاحها من قبل النظام"، مشيراً إلى أن ذلك يعود "لالتزام ضمني من قبل النظام بحماية حدود إسرائيل الشمالية، وهذا الأخير هو السبب الرئيسي في عدم قيام النظام بتطوير حقيقي للمؤسسة العسكرية". وأشار الزعبي إلى أن "جيش النظام السوري مؤسسة قائمة على الفساد من بكل ما فيها، في السابق وحالياً، سواء من خلال تفييش العساكر (أي عدم الخدمة والالتحاق بالقطعة العسكرية مقابل مبلغ مالي شهري لقائد الوحدة)، وحتى ترفيعات الضباط والمخصصات وغيرها الكثير من الأمور". ولفت إلى أن "مجموعات من الشبان الذين شكلوا الجيش الحر تمكنوا بأسلحة فردية بسيطة من هزيمة جيش النظام السوري ودحره عن نحو 70% من البلاد، وكان بإمكانهم هزيمته بالمطلق لولا تدخل دول كإيران وروسيا إلى جانب النظام، لا سيما باستخدام سلاح الطيران".
وحول إمكانية صمود جيش النظام السوري أمام المعارضة في حال قررت الأخيرة استئناف العمليات العسكرية، أشار الزعبي إلى أنه "لو كان للنظام القدرة العسكرية، لما توانى عن الدخول إلى حوران ودرعا وارتكاب مجازر لاستعادة السيطرة، وكذلك الحال بالنسبة للشمال الغربي في إدلب وأرياف حلب، ورأينا ما حصل له في البادية من خسائر أمام خلايا لداعش رغم الدعم الروسي بالطيران". واعتبر أن "جيش النظام السوري سينهار مع أي تحرك لقوات المعارضة ضده رغم وجود المليشيات إلى جانبه، فهذه المليشيات عبارة عن مجموعات مرتزقة يهمها المال وتفتقد للخبرة العسكرية".