الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جينيف 2 والفرضية المستحيلة

جينيف 2 والفرضية المستحيلة

12.06.2013
محمد كريشان

القدس العربي
الاربعاء 12/6/2013
 
‘هناك معادلة دولية بوجود المحور الروسي الإيراني القوي الذي يؤيد النظام السوري فيما الغرب متخاذل إن لم نقل إن قسما منه خان الثورة والشعب السوري . من هو المجنون الذي يظن أن بشار الأسد ونظامه سيسلمون الصلاحيات المطلقة لحكومة انتقالية وصولا إلى انتخابات حرة ؟!! منذ أن أجهض بشار الأسد المبادرة العربية الأولى بنيت معاهدة جنيف على فرضية مستحيلة’.
ربما لم يلخص أحد المأزق السوري كما لخصه بهذه الكلمات الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط في مقابلة تلفزيونية أخيرة لان ما سماه ‘الفرضية المستحيلة ‘ المتمثلة في أن يتراجع الرئيس السوري بشار الأسد ليترك مجمل صلاحياته، لا سيما الأمنية والحربية، لحكومة مشكلة من النظام والمعارضة هي فعلا وباختصار مستحيلة. هي كذلك بناء على كل ما صرح به الأسد في مرات عديدة، وهي كذلك أكثر بفعل ما يراه من جدية المشاركة في العمليات التي حصل عليه مؤخرا على الأرض من حزب الله اللبناني وأشباهه من العراق، وهي كذلك أكثر وأكثر لان لا موسكو تبدو صادقة في طرحها ولا الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين بجادين في فرضها ولا الدول العربية المؤيدة للمعارضة تملك طبعا القدرة على ذلك.
من هنا فالخوف أن كل هذه الأطراف، باستثناء المعارضين المسلحين الذين لا يعنيهم من أمر هذا المؤتمر شيئا والائتلاف الذي لا يملك من أمر الحسم شيئا، سنراها تدخل في عملية تكاذب دولي يتواطأ الجميع عليها إلى أن نصل إلى موعد عقد المؤتمر، إذا قدر له أصلا أن ينعقد. هذا التكاذب الذي سيزداد اتساعا مع الأيام يقوم على أن الجميع يريد أن يوهم الجميع أن الحل ممكن في حين أن كل واحد لا يشك في أن الآخر ليس صادقا في البحث عن هذا الحل المنشود، وبالتالي فمن الأفضل له أن يتركه هو يخرب هذه الفرصة عوض أن يتهم هو بذلك.
شيء واحد فقط يمكن أن يسقط سيناريو التكاذب هذا هو أن واشنطن وموسكو قد تكونا أقرتا العزم فعلا على وقف ما يجري في سوريا بتكفل كل واحد منهما بالقيام بما هو قادر على القيام به: واشنطن تفرض على كل من تحمس من العرب والغرب على إسقاط النظام بالقوة الاعتراف بأن هذا الخيار سقط في الماء ولا بد من حلول وسط مؤلمة… وموسكو تفرض على حليفها في دمشق الذي عادة ما تتحدث باسمه أو نيابة عنه أن عناده لا بد أن ينتهي طالما لم يفلح في إنهاء الإرهابيين والمؤامرة الكونية ضده.
حتى هذا الخيار، على افتراض وجاهته أو صحته، لا يمكن أن يمضي بسلاسة لان هناك لاعبين آخرين ليسوا بالانضباط الذي يمكن أن تفرضه أمريكا أو روسيا وأهمهم في هذه المرحلة الجماعات الجهادية المسلحة في سوريا والتي لم تكن موجودة في بداية الثورة، لكنها الآن هي من يتحكم في إيقاعها إلى درجة القول إنها اختطفتها بالكامل تقريبا، ومعها إيران التي قد تجد نفسها، للمفارقة العجيبة، في نفس الخندق مع هؤلاء في سعيها لإفشال كل شيء إذا لم تشارك في مؤتمر جينيف الثاني في ظل استمرار الفيتو الغربي والعربي والسوري المعارض لحضورها والفشل الروسي في ثنيهم على ذلك.
وبين هذه المواقف المتضاربة بحدة من الصعب تصور كيف يمكن للسيد الأخضر الإبراهيمي أن يدير دفة الأمور أو أن يخفف من حدة الزوايا ونتوءاتها، اللهم إذا انخرط هو بدوره في عملية التكاذب التي انطلقت بعد والتي تجعل الكل يخيطون الأرض ذهابا وإيابا دون أن يغادر أي منهم في حقيقة الأمر مربعه المعروف.
وقد يبدو النظام السوري الأكثر راحة في هذا المشهد لانه إلى حد الآن لم يدخر جهدا في محاولة الظهور بمظهر المتحمس للحل السياسي، على عكس معارضيه المتشددين كما يقول هو ومعه موسكو، ولكنه في قرارة نفسه لا يريد لهذا الحل أن يرى النور على الاقل بالشكل الذي يطمع فيه الغرب وحلفاؤه العرب وتركيا. هو لا يمانع في الذهاب إلى جينيف والخوض مع الخائضين على أمل ألا يتم التوصل في النهاية إلى أي شيء وألا يحمل هو وزر أي فشل. في المقابل، يبدو الائتلاف المعارض في حيرة من أمره لانه بتناقضاته الداخلية المختلفة وارتباطاته المتعددة غير قادر على حسم موقفه بشكل نهائي وهو بدوره قد يفضل في النهاية أن يشارك مرغما على أمل أن يكون نظام الأسد سبب الفشل على أن يعلن مقاطعته فيلومه الجميع.
وطالما أن لا أحد قادرا أو مسموحا له بالفوز الكامل على الأرض في سوريا، فإن المرشح للأسف الشديد أن يتواصل الجرح السوري في النزيف ومعه كل التعفن الذي سببه في الداخل وفي محيطه خاصة مع تأجج النعرة الطائفية التي تشي بتوسع الحريق أكثر من إخماد الحالي.