الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جيوش التحرير الطائفية وتمزيق الشرق

جيوش التحرير الطائفية وتمزيق الشرق

23.08.2016
داود البصري


الشرق القطرية
22/8/2016
لعله واحد من أكبر التحولات الأيديولوجية والسياسية ما يسود في الشرق القديم حاليا، حينما يشتعل الصراع ومنذ ثلاثة عقود باتجاه منعطفات طائفية تقسيمية خطرة تمزق شعوب المنطقة، وتبدد إمكانياتها، وتعيد رسم خرائطها بطريقة فوضوية مرعبة أسست لحالة تدمير شامل تعيشه المنطقة اليوم.
الحرب السورية الطاحنة كشفت عن كثير من الملفات، وأظهرت على العلن سيناريوهات رهيبة كانت أجنداتها مخفية قبل أن تجبر الأحداث المتسارعة جميع الفرقاء على إظهار كل الملفات المخفية، واستعراض كل السيناريوهات السرية التي كانت غير قابلة للتداول العلني، ولكنها اليوم أضحت مكشوفة. وما أعلنه النظام الإيراني حول الأهداف الإستراتيجية الإيرانية بتشكيل جيوش تحرير طائفية تمارس القتال في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج العربي، ليس بالأمر الجديد في طبيعته، ولكنه جديد في الصراحة في الإعلان عنه دون مراعاة أي اعتبارات دبلوماسية أو سياسية معينة، فوقائع الميدان تقول وتصرح علنا بأن النظام الإيراني وبعد احتلال وتدمير العراق من قبل الجيش الأمريكي أضحى هو الحاكم الفعلي والمباشر والصريح للعراق من خلال مجاميع الأحزاب الطائفية الحاكمة والتي هي في البداية والنهاية صناعة إيرانية صرفة تدين بالولاء لصانعها وسر وجودها وبقائها وحمايتها! فالحكومة العراقية ليست سوى حكومة تصريف أعمال للإرادة والرغبات الإيرانية، فقرار الروس ضرب الأرض السورية من خلال القاصفات الإستراتيجية أو الصواريخ العابرة للقارات انطلاقا من المجال الجوي الإيراني والعراقي تمت الموافقة عليه بسرعة قياسية وبدون مناقشة من الحكومة العراقية التي تتحمل مسؤولية تدمير شعب عربي شقيق هو الشعب السوري! والطائرات الروسية القاصفة العملاقة المنطلقة من قاعدة (همدان) الجوية الإيرانية تخترق الأجواء العراقية لتصب الحمم وتزرع الدمار في الأرض السورية وبموافقة ومباركة الحكومة العراقية التي تبصم دون مناقشة على كل القرارات الأمنية الإيرانية! وجيوش الحرس الثوري تسرح وتمرح في العراق والشام وتهدد الكويت والبحرين وتمارس ما تمارسه في اليمن. أما حزب الله اللبناني فهو وحده حكاية خاصة، شل الجمهورية اللبنانية ومنعها حتى من انتخاب رئيس جمهورية وهو المنصب الشاغر منذ سنوات! لقد كان واضحا منذ البداية بأن تشكيل الجيوش الطائفية هو الهدف المركزي الإيراني للسيطرة على المنطقة بأقل الجهود في ظل حملات الحشد والتعبئة الطائفية واستحضار ملفات الماضي الميت البعيد الذي تتلاعب به بعض الدوائر الفكرية والأيديولوجية مستغلة الأوضاع الدولية التي تركز للأسف على منهج تقسيم المنطقة بشكل مرعب ولصالح أجندات معروفة وواضحة!
ولعل في اتجاه النظام الإيراني لتعميق تحالفه العسكري مع روسيا والتحول لحاملة طائرات لعدوانها المتوحش على الشعب السوري، هو بمثابة تحول خطير في مجرى واتجاهات الصراع بعد ارتفاع الخسائر الإيرانية من عناصر الحرس الثوري، رغم أن النظام الإيراني بدأ فعلا بتنفيذ إستراتيجيته المعلنة في تشكيل الجيوش الطائفية من خلال تجنيد الآلاف من العراقيين والأفغان والباكستانيين إضافة إلى حزب الله وزجهم في المعارك ضد المعارضة السورية والدعم المباشر لنظام بشار، إضافة إلى سعيه في إعلان تشكيل مؤسسة الحرس الثوري العراقي! وهي المؤسسة القائمة فعليا ودون تسمية من خلال قوات (الحشد الشعبي) المرتبطة اسميا بالقائد العام العراقي (حيدر العبادي)! رغم أنها لا تتلقى الأوامر إلا من مراجعها القيادية الإيرانية! من خلال هادي العامري والإرهابي أبو مهدي المهندس اللذين هما قياديان في الحرس الثوري الإيراني وتابعان لقيادة (فيلق القدس)! سيناريوهات تقسيمية سوداء ذات أبعاد طائفية متوحشة تتفاعل اليوم في المنطقة، بعد أن أضحى اللعب على المكشوف، وبعد أن اتخذ النظام الإيراني سياسة التصعيد العسكري بالتحالف مع الحليف الروسي وبما سيسيء للشعب الإيراني أولا ويضرب مصالحه في الصميم، فتصعيد الصراع في المنطقة لن يكون أبدا في صالح نظام طهران بل العكس هو الصحيح، والتجربة التاريخية علمتنا أن الإفراط في التوسع سيؤدي في النهاية إلى التحلل والتلاشي! وهو الدرس الذي يبدو أن صانع القرار الإيراني لم يستوعبه بعد! ومهما أفرط المتحالفون في سفك الدم السوري فإن الثورة السورية منتصرة لا محالة، لكونها إرادة شعب غير قابل للمساومة، أما محاولات تطييف وتمزيق المنطقة فسترتد على أصحابها وبالا، وكل تلك الجيوش الطائفية ستتلاشى أمام إرادة الشعوب الحرة.. لم يستوعبوا التاريخ للأسف ولم يتعظوا من تجارب الماضي.. وتلك معضلة!!