الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جيوغازتيكس".. والدمار في سوريا

جيوغازتيكس".. والدمار في سوريا

27.08.2014
سالم سالمين النعيمي



الاتحاد
الثلاثاء 26/8/2014
لا توجد فضيلة أو حقيقة خلف معظم الصراعات العسكرية في العالم في القرون الأخيرة، ومعظم الدماء المهدرة ضحية وهم الوطنية والدفاع عن شرف الأمة، بينما في الواقع هو دفاع عن قناعات وطموحات الفئات والأفراد والقطاعات المستفيدة من تلك الحروب، التي تعد أكثر الصناعات دخلاً بالمجمل العام، ولا تخسر الدول دولاراً على تلك الصراعات والحروب إلا لتكسب بدلاً عنه مئات الأضعاف ومكاسب عديدة غير مادية تلهب سوق جني الأرباح في أسواق أوراق آلة الدمار والقتل المالية. وإذا كان ما يجري في سوريا هو صراع بين الخير والشر، فمن يستطيع بمعطيات ما يجري على أرض الواقع اليوم أن يفرق بينهما، بينما نستطيع جميعاً أن نتفق على من هم الضحايا، وكيف تمت عسكرة الانتفاضة لمصلحة الدول والمذهبيات والطوائف والجماعات، ولصالح نزاع مسلح سوريا هي المستهدف الأول فيه، وخلق نسخة من التاريخ لن تدرس أبداً في المدراس والجامعات في يوم ما، لتلطخ أيدي من يكتبه بالدماء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
من ناحية أخرى، ليس من الممكن تحديد اللحظة المحورية التي تم اتخاذ قرار عسكرة الأزمة السورية فيها، وإدخال أطراف الصراع في حلقة مفرغة من العنف بالوكالة عن القوى والدول، التي تقف خلف الصراع والعسكرة في حد ذاتها ليست شراً مطلقاً ولكن استغلال تلك العسكرة لخدمة أجندات خاصة هي جوهر القضية وذهاب جميع دعوات الإصلاح والحوار هباء تحت صوت طلقات البنادق.
فالنظام كان القاتل، وأصبح اليوم يسوق له بأنه ضحية ومن يقف في وجه انتشار جنون الجماعات الإرهابية وأسلمة الثورة وجعلها مذهبية بعد أن كانت وطنية، مما يخرج المعارضة الحقيقية خارج اللعبة والسيناريو المحكم لـ"يمننة" سوريا. ولكن هل كانت الثورة السورية في الأساس تمثل أغلبية شعبية واضحة تحركها حركة وطنية شاملة لقلب النظام بعيداً عن الطرح الإعلامي المسيس في الشرق والغرب؟ فسوريا تتجه في مسار خطير ليس حوله ضمانات، وأولئك الذين يريدون التغيير الديمقراطي السلمي لم يعد صوتهم مسموعاً، أو له تأثير يُذكر، فالكل مضطر لتقديم التنازلات، ولكن المعارضة نفسها ليس لها وزن حقيقي، فكيف يمكن أن تقدم ما لا تملك، حيث إن المعارضة ليس لديها شيء يمكن أن تتنازل عنه في المفاوضات، في حين أن النظام ليس لديه سوى التنازلات، وبالتالي مفاوضات محكوم عليها بالفشل الأبدي مسبقاً.
والمؤسف حقاً في القضية السورية أن جميع الأطراف السياسية اليوم تدور خطبها حول الإدعاء بأن خياراتهم كانت في نهاية المطاف ليست خاصة بهم، وأنهم كانوا يتبعون فقط خطى الشعب، ولكن كيف للشعب المحروم من الأكل والشرب وأبسط حقوقه ككائن بشري أن يفرض واقعاً سياسياً هو ليس جزءاً منه، والكل يتكلم بإسم الشعب لإضفاء الشرعية على خياراته وسياساته، وليست مفاجأة أن تأخذ الثورة منعطفاً طائفياً شبيهاً بالمشهد الليبي، فالثورة لم تعد تتعلق بالشعب السوري، ولكن الحكومات التي تتصارع على مخرجات الثورة السورية.
وبالرغم من أن الصراع السوري هو واحد من الحروب الأكثر توثيقاً في التاريخ ولكن في الوقت نفسه، من أكثرها غموضاً، مع انعدام تام للمعلومات الموثوقة، والتحول لحرب طائفية سُنية شيعية عابرة للحدود، وحرب حرق الأراضي الأيديولوجية والمكاسب الاقتصادية والجيوسياسية.
فمما لا شك فيه، فإنها حرب معقدة وللقصة بقية، ولا يعرف من سيقوم بكتابة الفصل الأخير في تلك الملحمة، ولكنها حتماً إعلان رسمي عن موت ما نسيمه المجتمع الدولي، فتتحرك أساطيل الغرب ويقطع رؤساء الحكومات إجازاتهم لموت صحفي، وقبلها لم تحركهم المجازر أو موت آلاف البشر في العالم الإسلامي.
ولكن قبل أن نلوم أحداً علينا أن نضع حداً للخلاف الإسلامي- الإسلامي والعربي- العربي، فـ"الدولة الإسلامية" ونظام بشار الأسد هما آخر الأمور التي تقلقهم، بل أدوات فاعلة في تحقيق ما يسعون إليه من يسيطرون على العالم، وأما ما يرعبهم حقاً فهم المتمردون المعتدلون والمعارضة المدنية الصامتة كونهم يملكون أجندة وطنية حقيقية، تُخرج القوى العظمى خارج اللعبة، وهو ما لم يسمحوا له أن يحدث أبداً، ولذلك لم تدعم تلك القوى في الوقت الحاضر على الأقل لتعارض مصالحهم مع مصالح الدول الكبرى وحلفائها، كما أنهم يعلمون أن الأسد لايمكن أن يكون جزءاً من الحل، وهو جزء أصيل من المشكلة، ولذلك من الضروري في النهاية اعتماد نهج تجزئة الصراع وجعله مرحلياً، والاستمرار في طريق المناورات الدبلوماسية، وإنْ كان هناك نية لضربة عسكرية نوعية وسريعة ستكون محدودة جداً، فتوقف الصراعات والحروب في الشرق الأوسط سيضع مخطط الغرب، وإسرائيل وإيران بجانب تركيا والصين وروسيا كمراقبين عن بعد وعن قرب في مأزق حقيقي، وهي بطالة سياسية لا تتحملها ميزانيات ولا عقيدة تلك الدول التوسعية.
فعلى سبيل المثال، بذلت إيران جهداً واسع النطاق، ومكلفاً ومتكاملاً لإبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة لأطول فترة ممكنة، في حين وضعت شروطها للاحتفاظ بقدرتها على استخدام الأراضي والأصول السورية لتحقيق مصالحها الإقليمية والتوسع الملحوظ لاستعداد إيران وقدرتها على توظيف قوتها العسكرية خارج حدودها، ودول أخرى تنفق المليارات وتدعم القوى الإسلامية المتطرفة، لأن الأسد لن يسمح لهم ببناء خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر سوريا، هو ما قد يمكنهم من بيع الكثير والكثير من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ودول أخرى تريد وضع جدار فاصل بينها وبين طموح التوسع الشيعي السياسي، وإيقاف تهديد الإسلام السياسي العنيف وتصديره وإبقاء الدمار والخراب بعيداً عن أراضيها الوطنية، كجزء من أمنها الوطني، ودولة مثل روسيا تفضل نظام الأسد لمجموعة من الأسباب التي تخدم مصالحها القومية، وضرورة أن يمنع الأسد تدفق الغاز الطبيعي من الخليج العربي إلى أوروبا، وأميركا تريد عكس ذلك، وهي تسعى إلى تعزيز وجودها كدولة عظمى ومحاصرة الصين دبلوماسياً والتمهيد والدخول في سوق الغاز الطبيعي في أوروبا وتحطيم الإحتكارالروسي.
ولدى إيران أهداف اقتصادية حيوية كذلك بعيداً عن ستار وغطاء الصراع المذهبي، وهي ترغب في مد خط أنابيب بين العراق وإيران وسوريا، وتركيا تبحث إمكانية توريد الغاز من الخليج العربي إلى مشروع خط أنابيب "نابوكو" الاستراتيجي، الذي سينقل الغاز من آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا، وبالتالي تجاوز روسيا.
فسوريا معبر الطاقة الذي لن يتنازل عنه أحد، وبوابة التهديد المباشر على الأمن الإسرائيلي ومصالحه في الحصول على الطاقة من اتفاقيات سرية مع من يدعمون الإسلام السياسي، وهم لا يمانعون أن تستخدم إسرائيل مواردهم لقتل إخوانهم من المسلمين، وهذا هو الصراع الجيوسياسي الاستراتيجي حول الموارد الطبيعية والدين والمال، لا يكترث لصور الأطفال والشيوخ والنساء، وهم يُقتلون جهاراً نهاراً، ولا مجال للتعاطف مع تلك المشاهد على حساب مصالح أممهم ومن يمول طرفاً أو آخر قد يدفع مقدماً لأنابيب الغاز المقترحة أو مصالحه السياسية في صراع توازن القوى العالمية، ولذلك تجد أن المدن الرئيسية من الاضطراب والصراع في سوريا الآن هي دمشق وحمص وحلب، وهي المدن نفسها التي ستمر بها أنابيب الغاز المقترح تشغيلها من بعض الدول.