الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حال الأمة.. إلى أين؟؟؟

حال الأمة.. إلى أين؟؟؟

14.08.2013
سميرة رجب

اخبار الخليج
الاربعاء 14/8/2013
إطّلع الكثيرون على وثيقة/ دراسة تسربت من البنتاجون بعنوان: «The Fullfilment Of Bernard Lewis Plan»، والتي تتحدث عن مخطط برنارد لويس الأمريكي لتفتيت الدول العربية قبل عام 2015م، ضمن مشروع متكامل حول مستقبل الشرق الأوسط (الجديد)، وباختصار يمكن القول بأنها من أخطر الوثائق السرية المسربة التي تتحدث بالتفصيل (في أكثر من 3500 صفحة) عن عدد من السيناريوهات لتقسيم الدول العربية إلى دويلات كردية وعلوية ودرزية وإمارات إسلامية وولايات مسيحية وشيعية، وغيرها.
وبقراءة سريعة في بعض فصول هذا المخطط نتأكد من أن الجزء الكبير منه قد تم تنفيذه بنجاح، بدءاً بسقوط العراق في فخ الاحتلال الذي عمل سريعاً، منذ البداية، على تفكيك كل مؤسسات الدولة العراقية السيادية وإعادة بنائها كدولة هشة بنظام ديني طائفي وأثني، وكان قرار حل الجيش العراقي، وجهاز الأمن، من أول القرارات التي وقعها الحاكم الأمريكي في الأسبوع الأول من الاحتلال، وتبع ذلك إنهاء دور العراق كدولة ذات سيادة خارجياً، وإنهاء دور الحكومة المركزية وقيام حكومات المليشيات الطائفية والأثنية في المحافظات والأطراف داخلياً، وهو النموذج الذي يراد تحقيقه في باقي الدول العربية.
إذا تجاوزنا فترة التسعينيات وأحداثها الجسام إقليمياً ودولياً، يمكن القول إن انطلاقة المرحلة الأولى من «مشروع البنتاجون» بدأت في العراق وتفاعلت خلال السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة (2001-2010)، ولإنجاح هذا المشروع اعتمد الباحثون على استغلال الأحقاد التاريخية الإيرانية ضد العرب وإدخال العنصر الإيراني في مواجهة ردة فعل الشعب العراقي ضد الاحتلال، وكان ذلك عملاً منظماً ومتفقاً عليه مع إيران على عكس كل ما يتم ترويجه عن سذاجة المحتلين في هذا القرار.
وانطلقت المرحلة الثانية من «المشروع» في عام 2011.. وكانت الشرارة تونسية هذه المرة (ديسمبر 2010)، أي من حيث لم يتوقعها عربي واحد، وتفاعلت الشعوب العربية سريعاً معها نظراً لتوفر المعطيات، وهي معطيات إن كانت حقيقة نسبياً على أرض الواقع إلا إن الإعلام الذكي عمل على رسم صورها المضخمة والمبالغ بها مبكراً دون أن يستدرك إعلامنا الببغائي العربي أن هناك أمراً خطيراً يتم رسمه، وهذا ما ثبت على أقل تقدير خلال السنتين التاليتين لهذه «الحركات» (تونس، مصر، ليبيا...)، حيث ثبت أن «الحركات/الثورات» التي أشعلها شباب مجهولون، وتبناها الوطنيون المخضرمون المفعمون بالآمال والأحلام النهضوية والحضارية، هذه «الحركات» قد أدخلت شعوبها في نفق مظلم جديد أكثر سواداً ظلاماً من النفق السابق، وأن سقف أحلامهم انخفض وتراجع حتى بات الأمن والاستقرار والحصول على رغيف الخبز من الأحلام بعيدة المنال.
إن ما مر على المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة (2003-2013) من أحداث بات بوضوح شمس صحرائنا العربية الجميلة، ولا يمكن استغفال أنفسنا بالمزيد من الآمال الكاذبة أو بتخيل بعض الانتصارات السريعة القائمة على الأحقاد والخلافات الشخصية على كل المستويات.. ورغم كل ما جرى ويجري إلا أن التخلف العربي على المستوى البحثي والفكري والاستراتيجي في تقصي أمر هذا «المشروع» الخطير لازال مستشرياً، ولازال هناك قصور خطير في القراءة السياسية والاستراتيجية لهذا الخطر الجديد، فلم نقرأ لمفكر أو باحث في هذا الأمر نصاً دون أن يقع في فخ «سوء الوضع العربي الذي يستدعي الثورة»، رغم ما بات مؤكداً أن الحال قبل ثلاث سنوات، رغم شدة سوئه، كان أكثر ازدهاراً وقوة ومتانة مما هو عليه حال الأمة الهش اليوم.. ولازال هناك من يردد «أن هذا حال الثورات، والثورة الفرنسية استغرقت أكثر من قرن في الاقتتال والصراع حتى تمكنت من الوصول للديمقراطية»، دون أدنى قياس لشروط العصر غير المتطابقة بين الفترتين، حيث بات القياس العلمي للزمن مختلفاً حتى عن قياسات القرن العشرين (قياس سرعة التطور التكنولوجي في سنة واحدة تعادل 12 سنة في ثمانيات القرن العشرين) فكيف بالقرن السادس والسابع عشر الميلادي.
وبينما انتشرت ظاهرة «مصانع الفكر» (Think Tanks) في كل المجتمعات المتقدمة للوصول إلى انجح السبل في صناعة القرار وحماية الأمن ورسم المستقبل، نرى أن بعض الأنظمة العربية لازالت تعمل بعقلية القرن الماضي، والرؤية الفردية للقيادات الصغيرة والكبيرة، دون أي فكر استراتيجي أو تراكم معرفي.. ومازال البعض يعتمد في صياغة قرارات مصيرية على توارد الأخبار والتحليلات، ومن مصادر في الأغلب تتوزع ما بين أقلام بسيطة لا تملك أي نوع من أنواع المعرفة، وبين من يهيمن على عقولنا وقلوبنا بذكاء واحتراف.
ونتوقف هنا لنعود إلى ما جاء في الوثيقة «المسربة» لمخطط «برنارد لويس/مشروع البنتاجون»، حيث أنه يمر حالياً بمرحلة جديدة تتلخص في سيناريو القضاء على الجيوش العربية. وبحسب بحث مكون من 432 صفحة ملحق بالوثيقة، فقد تم القضاء على 70% من قوة الجيش السوري حتى فبراير 2013، ويشير إلى كيفية تفتيت قوة الجيش المصري بافتعال أحداث تدخله في المواجهة مع شعبه (وهذا ما يتحقق على أرض الواقع حيث بدأ استنزاف الجيش المصري في مواجهة الأحداث الداخلية امتداداً إلى سيناء)، وهو النموذج الذي سيتم اتباعه مع باقي الجيوش العربية.
وما يحدث حالياً في سوريا وليبيا ومصر واليمن، هو مواجهات بين شعوب المنطقة التي ستستمر على مدار العامين التاليين (2013-2014) قبل بدء التقسيم الفعلي في «العراق، سوريا، مصر، السودان، والسعودية»، والذي وصفه التقرير بسيناريوهات الـ «750 يوماً المتلاحقة حتى عام 2015، حيث ساعة الصفر».
منذ أكثر من عقد، بل خلال العقدين الزمنيين الأخيرين، وحال الأمة في نزول متسارع، ولربما لا يعجب البعض التطرق لحال الأمة بصفة الجمع، بدعوى أن كل دولة عربية مسؤولة عن نفسها وسيادتها دون الدخول في حال الجمع الذي لربما يُشعر البعض بالعجز!!، لذلك يمكننا القول اليوم أن حال كل دولة عربية على حدة في تدهور متسارع، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، بما يتحرك على أراضيها داخلياً (قوى التأزيم)، وما يتفاعل حولها خارجياً في الأروقة الدولية (الإعلام والمنظمات الحقوقية العاملة لصالح المشروع).
وهناك تصاعد متسارع في الأحداث، ووضوح شديد في الرؤية ولّد إيمانا كاملا لدى العرب، شعوباً وحكومات، بأن ما يجري على الأرض العربية لا يمكن أن يكون فعلاً عفوياً، صادف تزامنه مع انتهاء الحرب الباردة وبداية نظام دولي جديد يتم صياغته، بل إنه بات في حساب المؤكد أن ما يُدعى «الربيع العربي»، رغم أهميته لبعض الشعوب العربية التي عاشت ظروفاً قاسية في ظل أنظمة لم تنصفها، ما كان إلا عملاً منظماً تم رسمه في أروقة مراكز الدراسات ومكاتب الجنرالات بإحكام شديد، ويزداد هذا المشروع قوة كلما تراجع وضعف حال الأمة وقياداتها.
كما بات مؤكداً أن مخرجات هذه «الحركات/الثورات» الجديدة أكثر استبداداً وتخلفاً من سابقاتها، وهذا ما يُكسر أولى المعادلات التي يعتمد عليها المشروع في تخدير الشعوب بشعارات «الربيع وازهاره الجميلة»، عبر تسليط عشرات القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمنابر الدينية المسيّسة.. هذا الإعلام المنظم، وهذه الشعارات والمعتقدات الجديدة الخطيرة، أثبت الواقع أنها المحرك الفعلي في إذكاء الصراعات والاختلافات الطائفية والسياسية التي باتت وقود «المشروع».
لعل العلاج الأول يبدأ من حيث انتهينا في هذا المقال، وهو بعث مشروع مضاد هدفه تنظيف العقيدة والثقافة من آفة الطائفية والتطرف والعصبية والأنانية الهالكة العابرة فوق الأوطان، وإعلاء قيم الولاء الوطني وثقافة الوطن فوق كل اعتبار.. والإيمان المطلق بأن حماية الأوطان تبدأ من الداخل.. داخل العقول والقلوب وداخل البيت والمدرسة والمجتمع، وهذا هو «المشروع الوطني» الذي تنازلت عنه بلداننا لصالح أحزاب شتتت ولاءات البشر بعيداً عن الوطن، حتى سهل شراء الضمائر وتحطيم الثوابت لصالح مشروع التفتيت والتقسيم.. وقد عاش جيلنا مشروعاً وطنياً قومياً جميلاً في القرن الماضي تمكن أن يحتوينا ويحصّننا قلباً وقالباً، بشعاراته ومبادئه وأخلاقياته، يجب الإستعانة به ودراسته.