الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حتى أنتِ يا هدى

حتى أنتِ يا هدى

10.01.2015
حسين درويش



البيان
الخميس 8-1-2015  
كثيرون لم يجربوا البرد القارس، أو لم يعرفوه أصلاً، لكنهم أدركوه عندما شاهدوا الأطفال في المخيمات وقد تكوموا حول نار أشعلوها في صفيحة ينشدون الدفء، وليس من غطاء يحمي رؤوسهم من المطر أو الثلج ولا ثياب تدفع عنهم الريح التي تصفر في خيامهم وأوانيهم الفارغة.
لم يكن كافياً أن يتشرد أكثر من خمسة ملايين سوري في مخيمات على حدود وطنهم حتى طرقت (هدى) أبوابهم حاملة لهم البرد والريح والثلج الذي يحول الحياة إلى موت مكفّن بغطاء أبيض وكأنه جاء ليرسل من لم تقتله الحرب إلى حتفه.
عاصفة هدى التي تضرب بلاد الشام منذ يومين ليست الأسوأ من (إليكسا) التي ضربت مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن عام 2013، ولكن مقدماتها تشي بنتائج أكثر قسوة، فالأرقام لم تظهر بعد، ولكن الأخبار والصور تقول أكثر من حقيقتها، حقيقة السنوات التي أمضاها وسيمضيها السوريون على حدود بلادهم خائفين من العودة أو من البقاء أو من الذهاب إلى مكان آخر، فمهما تعددت خياراتهم فالموت واحد.
لا أدري من الذي يطلق على العواصف و الأعاصير أسماء أنثوية، لكن التسمية تعود إلى عالم الأرصاد الجوية الاسترالي كليمنت راج (1852 1922) حيث أطلق على الأعاصير أسماء البرلمانيين الذين كانوا يرفضون التصويت على منح قروض لتمويل أبحاث الارصاد الجوية. وقد تمكن السياسيون أن يبعدوا أنفسهم عن التسمية بأساليبهم المختلفة، فألصقت التسمية بالعنصر النسائي الأضعف، وما عزز ذلك وجود توافق بين الأعاصير والنساء، فالمرأة يصعب التنبؤ بعنفها وصاحبة أمزجة متقلبة.
وهناك رأي آخر يقول إن التسمية بأسماء النساء كانت بدافع الآمل بأن تكون أعاصير المستقبل ناعمة ولطيفة، وهو ما يدل على أن المرأة روح المكان وطاقته الإيجابية، وما يحز في النفس أن النساء والأطفال في مقدمة ضحايا الحروب، وليسوا في منأى عن الأعاصير وأهوالها، والشاهد صور الصحف والتلفزيون، وما خفي أعظم.