الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حتى لا ينجو القاتل بفعلته!

حتى لا ينجو القاتل بفعلته!

15.09.2013
د. نقولا زيدان



المستقبل
السبت 14 /9/2013
كي لا ينجو القاتل بفعلته، كي لا تصبح الجريمة هي القانون السائد في المجتمع الدولي، كي لا يعمد هذا المجتمع نفسه الى التغافل والتغاضي عن عشرات ألوف السوريين الأبرياء الذين ما زالت دماؤهم تخصب وتروي منذ أكثر من سنتين ونصف تراب سوريا ومدنها وأحيائها وحقولها، كي لا ننسى تحت وطأة تتابع التطورات وتلاحقها المذهل المحموم عشرات ألوف المعتقلين والموقوفين في مراكز الاستجواب وأقبية التعذيب والإعدامات السرية، وحتى في سياق التردد والمراوحة والتجاذب بين عواصم القرار وأروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، لا تضيع حقوق الذين ذبحوا كالخرفان أو أحرق النظام البربري الوحشي آفة الدهور ولعنة العصور الذي تجاوز حدود العقل، أجسادهم واغتصب نساءهم وأطلق النار بلا مساءلة ولا رادع ولا وازع على أطفالهم... لا بد الآن وقبل أن تصبح جريمة الغوطتين مادة متداولة يومية عادية تتعود عليها البشرية وقراء الصحف ومشاهدو التلفزة، من وقفة مسؤولية وردة فعل إنسانية تواجه القاتل والمجرم قبل أن ينجو بفعلته.
إن سياق التجاذب والمفاوضات ومآل المبادرات ومشاريع القرارات ولقاءات الأقطاب والبحث المضني الدؤوب وهو غطاء العجز والتراخي والاستسلام عن مخرج سياسي للجريمة البربرية لتحويلها الى مفاوضات دولية، ليدل أن ثمة خطراً جدياً يتهدد حقوق الضحايا المنكوبين الذين صعقهم غاز السارين في ضاحية دمشق.
لقد هب الحليف الدولي، الذي هو نفسه قد أدرك المنعطف الخطير الذي اتخذته الأزمة السورية بالضرب بلا هوادة بالسلاح الكيماوي، لإنقاذ بشار الأسد من ورطته المريعة ومأزقه التاريخي بمبادرة ملتبسة ومقترح يحتمل التأويل والنقاش والتهيئة والترتيب فكيف بآلية التنفيذ وشهور التحقق من مواضع ومواقع التخزين لسلاح الدمار الشامل، وكيف بإتلافه والخلاص منه.
إن الحليف الدولي للنظام السوري، وبصرف النظر عن تصريحات بوتين المرتجلة باتهام الضحية، أي المعارضة السورية، بارتكاب المجرزة الوحشية الموصوفة، سارع الى استنباط حل لحليفه ودميته الدموية الفاشية بقصد كسب الوقت وشراء المراوغة والمماطلة والأخذ والرد، كي يبقى حاكم دمشق الى ما لا نهاية قابعاً في السلطة فوق رقاب الشعب السوري الضحية المنكوب.
ثمة نوايا ليست سليمة على الإطلاق بل خبيثة تكمن وراء المقترح الروسي المجبول بالدهاء والحيلة واستغلال رخيص بغيض موصوف للتردد الدولي والغرق في منطق أفضل السبل وأقل الوسائل العسكرية إيذاء لمعاقبة المعتدي الجبان.
لقد قرأ الكرملين جيداً كيف طبعت حروب أميركا الرأي العام في بلادها وكيف انعكست حرب أفغانستان سخطاً وغضباً ورفضاً على شعبها، بل كيف تورط بوش في كثبان العراق تلك الحرب الفضيحة، بل كيف طاولت تلك الحالة من الرفض البلدان الحليفة للعم سام كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فقدم له النموذج البريطاني بالتحفظ على الرد العسكري على مجزرة الكيماوي فرصة سانحة، فوجد ثغرة استطاع النفاذ منها لزعزعة التحالف الدولي وهو بعد قيد الإنشاء والتشكيل والإعداد.
لقد انتقلت عدوى الخوف من التورط الى العواصم الغربية كلها، فأصبح السائد الآن هناك هو العودة الى المجالس والهيئات التمثيلية، فإذا بالرئيس أوباما يصبح شغله الشاغل التأثير على الرأي العام واستمالته وإقناعه، وأصبح همه الأكبر نيل موافقة الكونغرس حيث يحتدم النقاش ويطول الجدال وتجري تصفية الحسابات بين جمهوريين هُزموا في انتخابات الرئاسة وديموقراطيين بدأوا يغرقون في الإعداد للرئاسة المقبلة. لقد طغى شبح "بوش" على "أوباما" وطغى شبح "طوني بلير" على "كاميرون" فانعكس ذلك ضعفاً ومراوحة ليشكل ثغرة نفذ منها المقترح الروسي الملتبس. فما كان من النظام الأسدي إلا أن قام بحركة التفاف ومراوغة لطالما أتقنها إذ بعد موافقة "وليد المعلم" السريعة على وضع مخزون النظام الكيماوي تحت الرقابة الدولية، التفّ النظام في دمشق على الأفكار التي راجت في العواصم الغربية رافضاً إتلاف ذلك المخزون، بل سارعت طهران لتأييد موقف كهذا.
إن المخجل والمعيب والمخيف في آن معاً أن يقتصر نقاش الأزمة السورية على ارتكاب نظام دمشق لمجزرة الغوطة الكيماوية، وكأنها إن حلت انحلت الأزمة برمّتها، وكأننا بذلك نقر ضمناً مذعنين لاستمرار الأسد المضي في غيه، وإطالة عمر الحرب في سوريا، باحثين لاهثين كما يروّج الآن عن إحياء جنيف2، بينما المطلوب معاقبة القاتل حتى لا ينجو بجريمته وسقوط مدوٍ لنظامه قبل فوات الأوان.