الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حجاب: المهمة التفاوضية لرجل السلطة والمعارضة!

حجاب: المهمة التفاوضية لرجل السلطة والمعارضة!

22.12.2015
محمد ولد المنى



الاتحاد
الاثنين 21/12/2015
مستبقاً اجتماعات مجلس الأمن الدولي في نيويورك حول الأزمة السورية، والتي تبنّت الجمعة الماضي "خريطة طريق" للخروج من الأزمة السورية، أعلن رياض حجاب، المنسق العام ل"الهيئة العليا للمفاوضات ولقوى الثورة والمعارضة السورية"، ضرورة اتخاذ قرارات دولية ملزمة لأطراف الأزمة حتى تنصاع جميعاً لعملية التسوية، وقال إن المعارضة لن تتنازل عن محاكمة نظام بشار الأسد وكل رموزه الملطخة بدماء السوريين، وحدد خلال مؤتمر صحفي عقده الجمعة في الرياض، سقفاً زمنياً لا يتجاوز ستة أسابيع للخروج من الأزمة السورية بحل سلمي.
وقد انتخب رياض حجاب كمنسق عام للهيئة العليا للمفاوضات ولقوى الثورة والمعارضة السورية خلال المؤتمر الذي نظمته المعارضة السورية الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض، حيث اختير (الخميس 17 ديسمبر) بأغلبية 24 صوتاً من أصل 34 هم أعضاء الفريق.
وكان رياض حجاب مسؤولاً سامياً في نظام الأسد وعضواً قيادياً في حزب "البعث" الحاكم، إذ عمل محافظاً للاذقية، ثم وزيراً للزراعة، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في عام 2012، لكنه انشق معلناً انضمامه للمعارضة، مما شكل ضربة معنوية وسياسية موجعة للنظام.
وقد ولد رياض فريد حجاب في دير الزور شرق سوريا عام 1966، ودرس في مدارسها الابتدائية والثانوية، قبل أن يلتحق بكلية الزراعة في جامعة دمشق عام 1985، حيث تخرج بشهادة البكالوريوس ثم حصل على شهادة الدكتوراه عام 1996. وكان حجاب ناشطاً في الجناح الطلابي لحزب "البعث" الحاكم، وقد شغل فيه عدة مناصب، منها رئاسة فرع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا بدير الزور بين عامي 1989 و1998، ثم عضوية قيادة فرع الحزب بدير الزور من 1998 وحتى 2004، قبل أن يصبح أميناً للفرع ذاته في الفترة من 2004 إلى 2008. وفي ذلك العام عين حجاب محافظًا للقنيطرة، قبل أن يشغل حقيبة الزراعة في حكومة عادل سفر التي تشكلت في أبريل 2011، لكنها استقالت يوم 6 يونيو ليتم تكليف حجاب نفسه بتشكيل الحكومة الجديدة. بيد أنه انشق عن النظام في 6 أغسطس 2012، أي بعد عام وشهرين فقط على ترؤسه الحكومة. وقد مثل خروجه من سوريا مغامرة انطوت على مخاطر كبيرة، إذ غادر دمشق رفقة عائلته وفي حماية "الجيش السوري الحر"، عبر رحلة طويلة وشاقة وخطرة، وصولاً إلى الحدود الأردنية. وقد نقل عن قائد العمليات في "الجيش السوري الحر" قوله إن التنسيق في عملية انشقاق حجاب جرى بين بعض الكتائب العاملة في دمشقوريفها، والتي كان يقع على عاتقها إخراج رئيس الوزراء المنشق من دمشق وريفها كمرحلة أولى، ثم من ريف دمشق إلى ريف درعا في المرحلة الثانية مع كتائب أخرى تابعة ل"الجيش الحر" أيضاً. واستغرقت عملية نقل رياض حجاب، رفقة 30 شخصاً من أفراد عائلته، 24 ساعة، وتمت بشكل معقد ووسط سلسلة من الصعاب "المضنية والمتعبة جداً". وفي يوم 8 أغسطس أعلن الأردن أنه في الساعات الأولى من فجر ذلك اليوم دخل إلى أراضيه "رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب، وبرفقته بعض أفراد عائلته". وسرعان ما رأى البيت الأبيض في انشقاق حجاب مؤشراً على "مدى انهيار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والذي لم يعد بمقدوره الحفاظ على تماسك الدائرة القريبة منه، أحرى عن الحفاظ على مؤيدين له بين الشعب السوري، وهو أمر لا يمكن تحقيقه تحت تهديد السلاح".
وفي أول ظهور له بعد انشقاقه، أعلن رياض حجاب في مؤتمر صحفي عقده بعمّان يوم 14 أغسطس 2012، أنه انشق عن النظام وخرج من سوريا بإرادته، وقال إن نظام الأسد يقوم على القهر والإجرام وقمع إرادة الشعب، وأضاف: "أعلن براءتي من هذا النظام الفاسد، فلن أكون إلا إلى جانب ثورة الشعب، مدافعاً عن أهدافها الحقة لبناء وطن الخير والعطاء والنمو والاستقرار".
وكان المؤتمر التشاوري الذي نظمته المعارضة السورية في عمّان يوم 3 نوفمبر 2012 أول نشاط لها يشارك فيه حجاب، والذي أصدر مكتبه بياناً جاء فيه أن المشاركين في اجتماع عمّان اشترطوا رحيل الرئيس بشار الأسد لتسوية الأزمة في بلادهم سلمياً، وأنهم "رفضوا بالإجماع أي محاولات للتوسط لبدء حوار بين المعارضة ونظام الأسد". وبعد ثلاثة أيام التقى رياض بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في عمان، "لإيصال وجهة نظر المعارضة السورية" إلى موسكو.
وفي ذلك الوقت قام حجاب بتأسيس "التجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولة السورية"، الذي يضم مئات الموظفين والعاملين المنشقين عن النظام بهدف "الحفاظ على المؤسسات من الانهيار بعد الإطاحة بالأسد". كما شارك في تأسس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في نوفمبر 2012، ليكون المظلة الأكبر للمعارضة السورية، وممثلها الأساسي في المؤتمرات والمناسبات الدولية، حيث حظي الائتلاف باعتراف دول مجلس التعاون الخليجي "كممثل شرعي للشعب السوري"، وتبعتها في ذلك كل من فرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ثم اعترفت به مئة دولة أخرى في ديسمبر 2012، أثناء مؤتمر "أصدقاء سوريا" بمراكش، في غياب روسيا والصين وإيران، وهي الدول الرئيسة الداعمة للأسد.
وكان اسم رياض حجاب مطروحاً لرئاسة الائتلاف خلال اجتماع لهيئته التي تضم 120 عضواً، عقدته في يونيو 2014 لانتخاب رئيس جديد يحل محل أحمد الجربا الذي تعذر عليه بموجب النظام الداخلي للائتلاف الترشح لولاية رئاسية ثالثة. لكن حجاب اعتذر عن ترشيح نفسه لرئاسة الائتلاف، مشيراً إلى أن حالة الاستقطاب الحاد بين أعضاء الائتلاف، وبدلاً منه تم انتخاب هادي البحرة، والذي حله محله خالد خوجه على رأس الائتلاف في يناير الماضي.
لكن خلال اجتماع الهيئة العليا لمؤتمر المعارضة السورية في الرياض يومي 17 و18 ديسمبر الجاري، تم اختيار رئيس الوزراء السابق ليكون منسقاً لفريق المعارضة في محادثات السلام مع النظام السوري. وقد انتخب بغالبية 24 صوتاً مقابل ثمانية أصوات لأحمد الجربا، من أصل 34 هم أعضاء اللجنة التي اختيرت خلال اجتماع الرياض وضمت ممثلين ل"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، و"هيئة التنسيق"، والفصائل العسكرية على الأرض، إضافة إلى معارضين مستقلين
وسيتعين على لجنة حجاب التقيد في أي مفاوضات مع النظام بالوثيقة السياسية التي أقرها مؤتمر الرياض، والتي تحدد أسس التفاوض مع نظام الأسد، وهو التفاوض الذي يتوقع انطلاق جلساته في يناير المقبل، بناءً على تفاهم القوى الكبرى ورغبات الدول الإقليمية المؤثرة، مما جعل حجاب يتحدث في تصريحاته، الجمعة الماضي، عن ستة أسابيع كسقف زمني لإنهاء الأزمة السورية المندلعة منذ نحو خمس سنوات.
وستكون العملية التفاوضية إذا ما قدر لها الانطلاق، أن تكون بمثابة اختبار لقدرات حجاب ومهاراته الدبلوماسية والتفاوضية في المعارضة، لاسيما في ظل التعقيد الذي أضافته خريطة طريق مجلس الأمن الدولي، والتي اهتمت بإيجاد تسوية للتباينات الأميركية الروسية أكثر مما عنيت بإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. لذلك على السوريين وممثليهم (في السلطة والمعارضة) حين يتفاوضون فيما بينهم أن يضطلعوا بالمهمة دون انتظار طرف آخر ينوب عنهم في ذلك!