الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حجّاج دمشق وسؤال الأخلاق والضمير!

حجّاج دمشق وسؤال الأخلاق والضمير!

07.05.2016
موسى برهومة


الحياة
السبت 5-5-2016
فيما يتقلّب أطفال حلب على نار القذائف، وينامون إلى الأبد تحت أنقاض المنازل والمستشفيات، يزور وفدٌ من اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين دمشق، ويلتقي نائب الرئيس السوري نجاح العطار، ويردّد على مسامعها المعزوفة المشروخة عن التعاطف مع سورية وجزّارها في وجه الإرهابيين ودول الغدر والتآمر.
وليس هؤلاء استثناءً، فقد سبقهم رفاقهم اليساريون الأردنيون، والتقطوا مع بشار الأسد الصور التذكارية، وطوّقوا كتفيه بالكوفية الأردنية التي تعدّ في العرف الشعبي واحدة من روافع الهيبة والفخار ولا توضع إلا حول جباه العز، لا على أكتاف القتَلَة.
وحجّ إلى دارة الأسد، المسوّرة بالموت ودخان الجثث المتفحّمة، كثيرون من قومجيين عرب، ويساريين متثائبين امتهنوا كتابة البيانات الحزبية التي لم يقرأها سواهم، كما استقبلت دمشق، فيما أطفال الغوطة الشرقية يحترقون، نواباً من فرنسا، أرض الحرية والعدالة والثورة، وراحوا جميعهم يغدقون على القاتل أوصافاً لا تليق به، كأنهم يمنحونه تذكرة لمزيد من الفتك والإفناء. فبأي عيون يحدّق هؤلاء في أطفالهم أو حبيباتهم عندما يعودون إلى البيت. وما جدوى الضمير إذا تهدّم على أعتاب "العهر السياسي"، وأطماع "البزنس" والصفقات، والأموال المنقوعة بصرخات شعب يحيطه الموت من الجهات الست؟!
كيف لكاتب يحمل في أعطافه تراثاً نضالياً لا يزال دموياً ومفتوحاً في مواجهة جيش احتلال بشع وكريه دكّ غزة بأعتى أسلحة الدمار المحرّمة، أن يذهب طواعية لمباركة القاتل، ومصافحته، والشدّ على يديه المولغتين في أشلاء الأطفال. كيف لتلك اليد التي تصافح المجرم، أن تعود وتكتب عن الغيوم والنجوم والأزهار والغد المشرق. من أين يطاوعها الخيال المشروخ الممزّق الذي بلا ضمير؟
أليست اللغة ذاكرة الضمير الإبداعي المؤسس على الخيال الحر؟ أليست الحرية هدفَ الإنسان، ومسقطَ قلوب الكلمات وهي ترجّ الكون بحثاً عن لحظة حق، أو فسحة عدالة؟
كيف يستوي لكاتب أن يواصل نحت الحروف والزعم ببناء المستقبل، والتبشير بالنّور، وقلبه غارق في العتمة، وآثار الدماء على يديه وعلى ياقة قميصه، وفي محفظته المحشوة بالشيكات. كيف له أن يزعم الشرف والنزاهة، حتى لو لم يقبض فلساً، وهو يصمّ أذنيه عن استغاثات المحاصرين من أطفال ونساء وشيوخ وعُزّل انقذفوا في عراء الأبدية، وفي صمت العالم، وكآبة المصير، حيث لا شيء يتنزّل كي يمنح هؤلاء يوماً أو اثنين ليختاروا شكل موتهم الأخير!
سقوط لا قرارة له تنبئنا به الحوادث والأيام، أبطاله ضحايا أنظمة العسف والإلغاء والاحتلال، وبعضهم على شيء من الموهبة، وله ميراث في حقله الأدبي، وبعضهم كان في لحظة ما ملهماً أجيالاً كثيرة، وباعثاً على يقظة روحية، لكنهم الآن في الوادي السحيق للهزيمة، هزيمة الأفكار، وهزيمة المشروع، والأبشع من ذلك الهزيمة الأخلاقية.
ومهما اعتصم هؤلاء بقوة التبرير، وبتكرار الكلام المرذول عن مكافحة القوى الإرهابية من "داعش" وأخواته، أو مقاومة هذا الحلف البترودولاري الشيطاني في مواجهة حلف أبناء الملائكة والقديسين الإيراني - الروسي، فكل ذلك لا معنى له، بل يشبه الغثاء، أو الثغاء. ولا يتعيّن للفكرة الأخلاقية أن ترتبط بهذا الحلف أو ذاك، أو هذه الجماعة الإرهابية أو تلك. الأخلاق تتوجّه إلى الإنسان في مكابداته، وتسعى إلى أن يتوافق الفعل الأخلاقي مع النظام القيمي الذي يحفظ للكائن حقه في العيش الكريم الحر العادل، ويحافظ على الحياة كتجسّد أقصى للفكرة الأخلاقية.
فأين حُجّاج دمشق من هذا كله؟ أيعتقدون أن رطانتهم الجوفاء تقنع أحداً؟ هل تكفي كلمات التبرير أو الاعتذار (الوقحون لا يعتذرون) للحيلولة دون سقوط صاروخ سكود على بناية بطبقات عشر لم يرَ سكانُها يوماً فرداً من "داعش" وأخواته، ولا دخلوا في نزاع مسلّح مع أحد، ولا قبضوا دولاراً من جهة، والأغلب أنهم ناموا، قبل أن تقتلهم صواريخ بشار، بلا طعام، وعلى ضوء شمعة، وحلموا، من دون جدوى، بنهار مختلف؟ نعم، كان آخر نهاراتهم مختلفاً... مختلفاً تماماً...!