الرئيسة \  مشاركات  \  حرام على مرسي حلال على الذين انقلبوا عليه.. لماذا؟

حرام على مرسي حلال على الذين انقلبوا عليه.. لماذا؟

16.07.2013
الطاهر إبراهيم


هذا التساؤل الوارد بالعنوان أعلاه يعرف الجواب عليه الأحزاب المصرية التي عارضت حكم "محمد مرسي" منذ اليوم الأول لانتخابه. آزر هذه الأحزاب المصرية دول وكتاب لهم مواقف تاريخية مناوئة لجماعة الإخوان المسلمين منذ أن أنشئت في مصر عام 1928 على يد الشيخ "حسن البنا"، الذي اغتيل عام 1949 بأمر من الملك "فاروق" آخر ملوك أسرة "محمد علي" الألباني الأصل. وكان ذلك بمعرفة بريطانيا لتوجه ضربة قاتلة لكتائب الإخوان المسلمين التي تقاتل عصابات يهود في حرب فلسطين، ما قد يهدد بإفشال قيام دولة إسرائيل. تم بعدها اعتقال مقاتلي الإخوان وإعادتهم إلى مصر. هذه المقدمة مفيدة لمعرفة الأسباب التي تذرع بها مناوئو الإخوان داخل مصر وخارجها، فلم تكن الذنوب التي ألصقت بمرسي إلا ذرائع.
"بول سالم" مدير مركز كارنيغي في بيروت وأحد صانعي الرأي الأمريكي يعتبر أن الانقلاب على مرسي قد يكون نقلة ضرورية في مصر، لكن من دون أن ينوه أن هذا الانقلاب كان ضد حكم دستوري جاء عن طريق صناديق الاقتراع. 
ففي مقال له تحت عنوان "تداعيات الانقلاب في مصر" نشرته الحياة اللندنية يوم 11 تموز 2011 الجاري، قال: ( ربما كان الانقلاب ضد مرسي إجراء ضروريا في مواجهة المسار الخطير الذي اتخذه الدستور والحياة السياسية في مصر). وتسويغا لهذا الانقلاب ينوه المقال بضخامة تظاهرات المعارضة التي قامت في مصر عشية الانقلاب على مرسي. وتعقيبا على ما أورده "بول سالم"، نقول أن الانقلاب لا يكون ضروريا إلا عندما لا يوجد حل آخر، مع ما يلحقه هذا الانقلاب من ضرر بالمصريين جراء تعليق العمل بالدستور الذي استفتي عليه. من جهة أخرى فإن المظاهرات لم تكن يوما ما مسوغا للانقلاب. نذكر هنا أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم سيروا مظاهرات ربما كانت أضخم من مظاهرات المعارضين.
ويزعم "بول سالم" بأن (الإخوان استغلوا انتصاراتهم البرلمانية والرئاسية لإقصاء الآخرين والهيمنة على صياغة الدستور، إذ أن الدساتير يجب أن تكون دائما وثائق تتمتع بتوافق وطني واسع)، متناسيا حقيقة هامة أن الاستفتاء على الدستور تم بأغلبية 63.8% من عدد المقترعين أي ما يقرب الثلثين. كما تجاهل أن الهيئة التأسيسية التي كتبت هذا الدستور ضمت طيفا واسعا من كافة الاتجاهات في مصر. وقد وقّع الجميع على المسودة التي حوت مواد الدستور بما فيها الخلافية. وحتى يحرموا الإخوان المسلمين وحلفاءهم من الحكم،وقد أهلتهم أكثريتهم البرلمانية ونجاح مرسي رئيسا للجمهورية، فإن المعارضين انسحبوا بعد توقيعهم المسودة وقبل القراءة الثانية لمسودة لدستور، وقد تأكد لهؤلاء المعارضين أن الإخوان وحلفاءهم سيحصلون بأية انتخابات مستقبلية على الأغلبية مهما كانت مواد الدستور المستفتى عليه. وهذه الأكثرية التي يتمتعون بها ستبقى في حوزتهم في أي انتخابات مستقبلية عبر صناديق اقتراع شفافة.
قد يكون الرئيس "محمد مرسي" تعجل في طرح الدستور ليستفتى عليه. لكنه أراد أن يستبق "عواجيز" قضاة المحكمة الإدارية الذين كانوا يتربصون بالهيئة التأسيسية، وقد كان معروضا الإدارية دعوى لإبطالها، مثلما فعلت عندما أبطلت مجلس الشعب بحجة أن انتخاب ثلثه كان معيبا. وقد كان حق ثلثي أعضاء المجلس الاستمرار، رغم إبطال عضوية ثلث الأعضاء، لكن المحكمة الدستورية تدخلت، من دون صلاحية، وحكمت ببطلان مجلس الشعب بأكمله.
نعيد التأكيد هنا، مع وجاهة رأي "بول سالم": (بأن الدساتير يجب أن تكون دائما وثائق تتمتع بتوافق وطني واسع)، بأن الدستور المصري وافق عليه 63.8% من الذين اقترعوا عليه، أي ما يقرب من ثلثي المقترعين. كما شاركت أطياف المعارضة بالاستفتاء على الدستور عندما طلبت أحزابها من مناصريها الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وليس من عذر في هذا الدستور إلا أنه جاء في عهد رئيس إسلامي:  حرام على بلابله الدوح   حلال على الطير من كل جنس.
وزير الدفاع " عبد الفتاح السيسي" الذي أقسم يمين الولاء للدستور أمام الرئيس محمد مرسي، انقض على رئيسه وعلى الدستور الذي استفتى عليه واستبدل به إعلانات دستورية لم يستفت عليها أحد. واحتكر السيسي السلطتين التنفيذية والتشريعية، ونصب نفسه مشرعا، عندما عدل عن الدستور إلى بلاغات عسكرية رقم 1 ورقم 2 ورقم 3 و.. كما كان يحصل أيام زمان.  
المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار البلاد بعد تنحي "حسني مبارك"، رغم اعتراضات عليه، كان أكثر دستورية من "السيسي". فقد لجأ إلى إعلانات دستورية واستفتى عليها. فكان الإعلان الدستوري الأول في فبراير 2011 بعد تنحي مبارك. كما كان الإعلان الدستوري الثاني في  مارس. وتمت انتخابات مجلسي الشعب والشورى على ثلاث مراحل، بدأت يوم 28 نوفمبر 2011 وانتهت يوم 11 يناير 2012. بعدها تم انتخاب الرئيس محمد مرسي.
أما الفريق "عبد الفتاح السيسي" ومن دون شرعية دستورية تسنده، انقلب على الرئيس محمد مرسي وقام بتنصيب "عدلي منصور" رئيسا مؤقتا، ومنحه الحق بإصدار إعلانات دستورية، وبشكل منفرد، تخوله بموجبها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، دون أن يحظى هذا الإعلان بأي استفتاء عليه.
وأما المعارضة المصرية التي كانت تدعو إلى حكم القانون والالتزام بالنظام العام، فقد ظهرت عندما أيدت انقلاب الفريق "السيسي"، كأنها هي من تتجاهل الأحكام والموجبات التي يفرضها احترام الشرعية الدستورية، وعلى رأسها احترام المواعيد الدستورية لتبديل الرؤساء، خاصة إذا كان وصول هؤلاء الرؤساء قد تم بطريقة شرعية لم يشكك فيها أحد.
في المقلب الآخر، فقد كان خصوم الإسلام السياسي يبدون التخوف من أن يلجأ الإخوان إلى العنف في ممارستهم الديمقراطية. لكن المفارقة أظهرت للمصريين أن هؤلاء الخصوم هم من مارس العنف ضد الإخوان، عندما قاموا بحرق مقرات حزب الحرية والعدالة في المحافظات المصرية، ومنها 12 مقرا في القاهرة لوحدها، مع المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في القاهرة، وقتلوا من كان يدافع عن تلك المقرات. ما دعا مكتب الإرشاد أن يأمر أعضاء الإخوان الذين يحرسون تلك المقرات أن يغادروها حفاظا على أرواحهم فدخل المهاجمون المقرات ونهبوها وحرقوا ما كان فيها من موجودات وأثاث.
فأين كان الفريق "السيسي" الذي قام بانقلابه غيرةً على الأمن المصري؟ ولمَ لم يرسل دباباته التي انتشرت في القاهرة واعتقلت الرئيس محمد مرسي لتمنع حرق المقرات؟ أم أنها إحدى الخطط التي دبرت بليل ليظهر البلد في ظل حكم الرئيس مرسي وكأنه على شفا حرب أهلية؟
خطورة ما حصل في مصر أن الجيش المنوط به حماية البلد والدفاع عنه في وجه أي تهديد خارجي يتهدده، تحول عن هذه المهمة أو جعلها أولوية ثانية، ونزل إلى سوق السياسة يعارك فيها، بل وظهر كأنه جيش فئوي منحاز إلى فئات مصرية ويقف ضد فئات مصرية أخرى.
لن نقف هنا لنضع عبد الفتاح السيسي في قفص الاتهام ونوجه إليه جناية الخيانة العظمى، لأنه حنث بالقسم الذي أقسمه عند ما عينه الرئيس محمد مرسي وزيرا للدفاع. لكن نذكّر بأنه انقلب ضد رئيس منتخب، وأن هناك آليات حددها الدستور لإقالة أي رئيس جمهورية، وأن الانقلاب العسكري ليس واحدا من هذه الآليات.
أخيرا، فقد زعمت "تمرد" وجبهة الإنقاذ أنهم جمعوا تواقيع 22 مليون مصري طالبوا بتنحي الرئيس محمد مرسي. "وقد قيل: كيف عرفت أنها كذبة؟ أجاب: من ضخامتها". إذ إن جميع من انتخب محمد مرسي وأحمد شفيق بالكاد بلغوا هذا الرقم. أم لعل أنصار مرسي انحازوا كلهم إلى جانب شفيق، وهذا بدوره "جير" هذه الأصوات إلى "تمرد" وجبهة الإنقاذ؟
كاتب سوري