الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب أميركا بين الضرورة والاختيار

حرب أميركا بين الضرورة والاختيار

27.09.2014
حسن نافعة



الحياة
الجمعة 26-9-2014
للولايات المتحدة سجل طويل في استخدام القوة في العلاقات الدولية وفي تشكيل تحالفات دولية للتغطية على أهدافها الحقيقية عند إدارتها الصراعات والأزمات الدولية.
فحين أقدم صدام حسين على غزو الكويت 2 آب (أغسطس) 1990، وقررت الإدارة الأميركة بقيادة جورج بوش (الأب) تشكيل تحالف دولي واسع النطاق في مواجهته، قيل وقتذاك إن التحالف المزمع لا يستهدف فقط "تحرير الكويت" وإنما تأسيس "نظام دولي جديد" تقوده الأمم المتحدة وفق قواعد "الأمن الجماعي" المنصوص عليها في الميثاق، والتي حالت الظروف المحيطة بالحرب الباردة دون وضعها موضع التطبيق. ولأن الاتحاد السوفياتي لم يكن قد انهار بعد، وكانت الأمم المتحدة في حاجة ماسة إلى جرعة منشطة تعيد إليها دورها المفقود، فقد حظيت الأهداف الأميركية المعلنة في ذلك الوقت بما يكفي من الصدقية للتغطية على أهدافها الخفية، لذا تحمس كثيرون للمشاركة في تشكيل تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، خصوصاً أن مجلس الأمن بدا وقتذاك كأنه الطرف المهيمن على عملية إدارة الأزمة برمتها، بدليل صدور جميع قراراته في تلك الأزمة وفقاً للفصل السابع من الميثاق، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة. لكن، ما إن انتهت الولايات المتحدة من تشكيل التحالف الذي سعت إليه وحصلت على تفويض أممي يسمح له باستخدام القوة المسلحة حتى انفردت وحدها بإدارة الأزمة، ولم يعد للتحالف أو لمجلس الأمن أي دور في التأثير في تطوراتها اللاحقة. فالولايات المتحدة هي التي قررت وحدها متى وكيف تستخدم القوة، ونوعية الأسلحة المستخدمة، وتوقيت وقف إطلاق النار وشروطه، وأصبحت هي المتحكم الوحيد في مصير العراق في مرحلة ما بعد "تحرير الكويت". وما إن انتهت الأزمة حتى بات واضحاً للجميع أن الولايات المتحدة أدارتها بالطريقة التي تمكنها من التعجيل بسقوط الاتحاد السوفياتي، وفتح طريق الهيمنة المنفردة على النظام الدولي، وتحويل الأمم المتحدة إلى أداة من أدوات سياستها الخارجية.
وحين تعرضت لهجوم إرهابي في أيلول (سبتمبر) عام 2001، بدا العالم كله مستعداً لمساندة ما قد تتخذه الولايات المتحدة ودعمه من إجراءات للرد على هذا الهجوم، بل أبدى تفهماً لقرار الإدارة الأميركية شن الحرب على أفغانستان، باعتبارها الدولة الحامية لتنظيم "القاعدة" المتهم بتدبير الهجوم الإرهابي، على رغم بعض التحفظات، ولم ينتبه بما فيه الكفاية لمخططات اليمين الأميركي المتطرف الذي أوصل بوش إلى السلطة، لإحكام الهيمنة الأميركية المنفردة على النظام العالمي، وسعيه إلى استغلال أحداث أيلول لوضع هذه المخططات موضع التطبيق. لذلك، تتضح الأجندة الخفية الكامنة وراء الدعوة لتشكيل تحالف عالمي تقوده الولايات المتحدة لخوض "حرب كونية على الإرهاب"، بصورة جلية، إلا حين قرر بوش شن حرب على العراق. ولأنه لم يكن لهذا البلد العربي الكبير أي صلة بتنظيم "القاعدة" أو بأحداث أيلول، وقام بوش بشن الحرب عليه رغم أنف "الأمم المتحدة" وضد إرادة مجلس الأمن الذي رفض التصريح له باستخدام القوة، فترسخ في يقين العالم أجمع أن الحرب على العراق كانت "حرب اختيار"، بعكس الحرب على أفغانستان التي كان البعض مستعداً لاعتبارها "حرب ضرورة". وأياً كان الأمر، فقد خسرتهما الولايات المتحدة معاً، لكن بعد أن تسببت لهما في خسائر مادية تراوحت بين 4 - 6 تريليونات دولار، وفي خسائر بشرية بلغت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وفي خسائر معنوية لا تقدر بثمن نتيجة لاهتزاز صورة ومكانة الولايات المتحدة في العالم. وبسبب هذه الخسائر الفادحة، ظهر تيار مناهض للحرب يطالب بعودة القوات الأميركية إلى أرض الوطن، مهد لوصول أوباما إلى البيت الأبيض.
ربما يعتقد أوباما أن الحرب التي بدأ يشنها على "داعش" هي "حرب ضرورة" وليست "حرب اختيار"، ومع ذلك فسيصعب عليه إقناع الجميع بأن التحالف الدولي الذي يسعى إلى تشكيله هو "تحالف ضرورة" وليس "تحالف اختيار"، أو أن أهدافه المعلنة لا تخفي وراءها أهدافاً خفية تتصادم مع مصالح من يدعوهم إلى المشاركة فيه. فهو تحالف تقوده دولة تلزم نفسها سلفاً بعدم المشاركة بقوات برية والاكتفاء بضربات بعيدة من الجو والبحر. ولأن تحرير "الأرض المحتلة" لا يكون بتدمير قوة الاحتلال فقط، إنما بالسيطرة على الأرض المحررة، وهو ما يتطلب وجود قوات برية على الأرض تدعمها الدول المتحالفة، فمن الطبيعي أن يثور التساؤل حول طبيعة القوات "الحليفة" التي ستتمكن، أو سيسمح بتمكينها، من السيطرة على الأرض التي تحتلها "داعش" في كل من العراق وسورية؟
المنطق يقول إن قوات تابعة للحكومة العراقية يجب أن تسيطر على الأراضي التي يحتلها "داعش" في العراق، وإن قوات تابعة للحكومة السورية يجب أن تسيطر على الأراضي التي تحتلها "داعش" في سورية. غير أن هذا المنطق يثير إشكاليات عدة، ربما يسهل حل بعضها في العراق لكن يستحيل حل أي منها في سورية. فحكومة "الوحدة الوطنية" التي تشكلت في العراق لم تكتمل بعد ولا تزال تصرفاتها تثير شكوكاً كثيرة من جانب قوي وفصائل محلية مطالبة بأن تكون في طليعة "القوات المتحالفة". أما في سورية فلا توجد "حكومة وحدة وطنية" وإنما "نظام حاكم" تعارضه وتحاربه جماعات مسلحة متناحرة، في مقدمها تنظيم "داعش" الذي تطالب الولايات المتحدة بتشكيل تحالف دولي في مواجهته، ولكن من دون مشاركة رسمية من دولة إيران التي لا يمكن الحكومة العراقية أن تعمل من دون موافقة ضمنية من جانبها، أو مشاركة رسمية من جانب النظام الحاكم في سورية الذي يحتاج التحالف الدولي إلى موافقته الضمنية على الأقل للسماح لطائراته المغيرة على مواقع "داعش" بالدخول إلى أراضيه!
لن ينجح التحالف الدولي الذي يقوده أوباما في هزيمة "داعش" واسترداد الأرض التي تحتلها من دون إشراك كل من إيران والنظام السوري فيه، أو التنسيق معهما على الأقل لضمان نجاح الخطط العسكرية الموضوعية، وهو أمر له تبعات وفواتير سياسية قد لا يحتملها التحالف. لذا، يعتقد كثيرون أن وراء التحالف أجندة أميركية خفية لن تختلف كثيراً عن أجندتها الخفية التي جربت واختبرت في مواقف وأزمات كثيرة مشابهة، وبالتالي بات مطلوباً من الدول العربية المرشحة لتحمل الفواتير كافة كالعادة، أن تتريث قبل أن تقرر وأن تدرس قبل أن تندفع نحو المجهول. فالتحديات التي يواجهها العالمان العربي والإسلامي أكبر بكثير من تهديد "داعش" وعليهما مواجهتها جميعاً في الوقت نفسه. وما لم تتمكن مصر والسعودية وتركيا من ترتيب البيت السنّي والاتفاق على استراتيجية مشتركة لمواجهة التطرف الفكري والديني، وتهيئة الأجواء لحوار جاد مع إيران، يسمح بنزع فتيل الحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، فستظل تفاعلات المنطقة تصب لمصلحة إسرائيل على المدى المنظور. وإذا كانت الولايات المتحدة والقوى الفاعلة في النظام الدولي تريد للمنطقة أن تستقر حقاً فعليها أن تسعى إلى تشجيع حوار رباعي جاد بين مصر والسعودية وتركيا وإيران، بالتوازي مع خطوات جادة على الأرض في اتجاه تسوية نهائية للصراع العربي - الإسرائيلي.