الرئيسة \  تقارير  \  حرب إسرائيل على ذاكرة اليهود العرب والإيرانيين

حرب إسرائيل على ذاكرة اليهود العرب والإيرانيين

04.09.2022
ليور ب. ستيرنفيلد ومناشي أنزي


ليور ب. ستيرنفيلد؛ ومناشي أنزي* – (أوريان 21)
الغد الاردنية
السبت 3-9-2022
في العام 2019، أقيم معرض في تل أبيب بعنوان “رحلة بلا عودة”، يربط بين رحيل اليهود العرب والإيرانيين وبين ما كان عليه وضعهم في بلدانهم الأصلية.
لكن عددًا من المؤرخين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والشرق الأوسط يشككون في هذه السردية ويستنطقون صحتها. في هذا المقال، يقدم المؤرخان ليور ب. ستيرنفيلد ومناشي أنزي بعض محاور أبحاثهما حول هذا الموضوع.
* *
عائلة يهودية يمنية ذاهبة إلى مخيم عبور في عدن خلال العملية السرية “بساط الريح” التي أخذت تقريبا كل اليهود اليمنيين لإسرائيل بين العامين 1949 و1950.
في خطاب تنصيبها في البرلمان الإسرائيلي في نيسان (أبريل) 2021، اختارت النائبة غاليت دستال أتباريان أن تستهل عهدها باستحضار ذكريات طفولة والديها اللذين نشآ في إيران.
وروت أنه كان يُحرّم على اليهود لمس الخضراوات في سوق أصفهان بسبب التقاليد الشيعية المتعلقة بالنجاسة.
وشرح لها والداها أنه لم يكن مسموحاً لهما بلمس هذه الخضراوات لكونهما يهودًا، وأنه في ضبطهما يفعلان ذلك، كان من الأفضل لهما أن يركضا هاربيَن على الطريقة “الأولمبية”.
من دون التعليق على التجارب الفردية لوالديها، والتي تقاسمها معهما آخرون، بلا شك، كانت الذكريات المشروعة الوحيدة التي شعرت بأنها يمكن أن تشاركها عن حياة هؤلاء في إيران كانت تلك التي تردد صدى مِحن اليهود الذين يعيشون في مجتمع مسلم.
ويظن من يستمع إليها أن آلاف اليهود الإيرانيين عاشوا حتمًا التجربة نفسها خلال جزء كبير من القرن العشرين.
لكننا نعرف أن الغالبية الساحقة من اليهود اختاروا عدم الهجرة إلى إسرائيل، بعد العام 1948، وحتى بعد الثورة الإسلامية في العام 1979. وهذا مثال أضافي آخر على مسار مشاريع إحياء ذكرى الماضي اليهودي في الشرق الأوسط الذي اتخذته إسرائيل.
دعم السردية الصهيونية
في العقد الماضي، كنا نرى اتجاهات جديدة في الخطاب العام في إسرائيل، تدعو إلى إعادة اكتشاف تاريخ اليهود في العالم الإسلامي.
ويُنظر إلى هذا الاتجاه على أنه تطور مرحب به في العقد الماضي، يرتبط بمراجعة فكرة بوتقة الصهر وانفتاح المجتمع الإسرائيلي على سرديات متعددة.
وبات صحفيون وسياسيون وأكاديميون وموسيقيون يجلبون التقاليد الثقافية الشرقية إلى المقدمة.
ومع ذلك، يبدو أن هذا الاتجاه يهتم بشكل متزايد بترسيخ الرواية الصهيونية وتوسيعها وتنقيحها، بدلاً من تقديم بديل للسرد الحالي.
ويسعى هذا الاهتمام الأخير إلى تأكيد الصعوبات التي واجهها اليهود في تلك المجتمعات.
كما أنه يبرر سياسات إسرائيل، في الداخل والخارج على حد سواء، تجاه الدول العربية وتجاه الفلسطينيين في إسرائيل نفسها والضفة الغربية وغزة.
وتتيح لنا المقارنة مع البحث الأكاديمي الذي نشأ خلال العقد الماضي خارج إسرائيل تحدي بعض الافتراضات المتأصلة في السرد الذي تروج له دولة إسرائيل.
وإضافة إلى ذلك، نود أن نقدم بديلًا بحثيًا أكثر شمولاً ينظر فيما وراء نموذج السردية المتباكية.
في الحقيقة، لا تأخذ سردية هجرة اليهود من البلدان المسلمة بعين الاعتبار الظروف المحلية المرتبطة بالإمبريالية والاحتلال والصهيونية والخصوصيات الوطنية.
ولا يتم التذكير بتورط المؤسسات الصهيونية -معلنا كان أو سريا- التي كانت تشتغل بتسريع الهجرة من البلدان المسلمة، كما تشهد بذلك ممارسات جهاز “الموساد: في بغداد أو عملية “سوزانا” في مصر(1).
وتربط المقاربة المهيمنة رحيل اليهود بالصهيونية الدينية، وبالكره العميق الذي تكنه لهم شعوب المنطقة. كما يؤيد هذه السرديات قانون حول ذكرى الهجرة والترحيل من البلدان العربية وإيران، وتعززها مشاريع تتبناها الوزارات الإسرائيلية ومؤتمرات وندوات أكاديمية وشبه أكاديمية، ناهيك عن الجدل الذي ما يزال متواصلاً حول ممتلكات اليهود في الدول الإسلامية(2).
هذه السرديات غير الدقيقة والتبسيطية إلى حد مبالغ فيه، تريد الإيهام بأن المنطقة خلت من اليهود بحلول العام 1948 أو بعيد هذا التاريخ.
وهي تتجاهل حقيقة مكوث مجتمعات يهودية بعد هذا التاريخ، بل وتواجدها حتى اليوم -حتى وإن قل عددها- في المغرب وتونس وتركيا.
ولم يقتصر الأمر على أن المجتمعات اليهودية واصلت العيش هناك بعد العام 1948، بل إنها تطورت كذلك بعد الهجرة الإقليمية ليهود سورية والعراق، كما كان الحال في لبنان وإيران.
ولم يتراجع عدد اليهود في هذين البلدين الأخيرين إلا في السبعينيات، بسبب الحرب الأهلية في لبنان والثورة الإسلامية الإيرانية.
هكذا تطمس هذه السرديات تاريخ اليهود الذين اختاروا المكوث في بلدانهم، مثل الثلاثة آلاف يمني الذين رفضوا الرحيل، حتى بعد هجرة طائفتهم إلى إسرائيل في العام 1948.
في العام 2019، أسهم معرض نظمه متحف “أرض إسرائيل” في تل أبيب بعنوان “رحلة بلا عودة” في فبركة سردية بصرية خطية تبسيطية، وهو ما جعلها تحظى بشعبية كبيرة. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، نشرنا مقالاً في ملحق آخر الأسبوع لصحيفة “هآرتس” اليومية الإسرائيلية، تساءلنا فيه عما إذا كان هذا المعرض يقدم نصف الحقيقة فقط، وهو أسوأ من الكذب.
وقد درسنا سرديات تربط بين أحداث وأيديولوجيات لا علاقة لها ببعضها بعضا، هدفها الوحيد هو أن تقدم للزائر استنتاجات سياسية منطوية على مغالطات.
ويتحدث “رحلة بلا عودة” عن صدمة حقيقية، خاصة بالنسبة لليهود العراقيين، لكن السياق مهم جداً لفهم هذا الموضوع والتمكن من السبل الصحيحة للتعرف على هذه الذاكرة وتحليلها ومواجهتها.
أهمية السياق الاستعماري
كانت حالة اليهود المصريين مشابهة، ولكنها ليست متطابقة. لم يكن اليهود المصريون عمومًا يحملون الجنسية المصرية، وكان طردهم من مصر جزءًا من سياسة أوسع لطرد جميع غير المواطنين، بما في ذلك عدد لا يحصى من المقيمين اليونانيين والإيطاليين.
وتبقى حالة اليهود الجزائريين قابلة للمقارنة إلى حد ما، لكن الفروقات أكبر من التشابها بسبب السياق الوطني والاستعماري.
وهذا صحيح أيضاً في حالات المغرب وتونس واليمن. ولدى إيران علاقة فضفاضة للغاية مع الحالات الأخرى، ولكنها دخلت في مزيج من التطورات السياسية الحديثة للغاية.
ويبقى السياق الاستعماري ذا أهمية كبيرة لأنه يساعد على تفسير الاختلافات في الوضع القانوني لليهود والمسلمين، وتقاليد التعليم واللغة المختلفة، والمواقف والعلاقات مع العاصمة، وما إلى ذلك، لكن كل حالة تبقى فريدة من نوعها.
على سبيل المثال، كان هناك يهود في الجزائر حصلوا على الجنسية الفرنسية في أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر، مثل بعض جيرانهم المسلمين، كجزء من مرسوم “كريمو” للعام 1870، ولكن كان هناك عدد غير قليل ممن رفضوا الجنسية الفرنسية، كما تظهر الدراسات الحديثة (2).
طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من المؤرخ بنجامين ستورا مؤخرا إعداداً لوضع خريطة طريق من أجل “المصالحة” التاريخية بين فرنسا والجزائر.
لكن الأستاذة أريالا عائشة أزولاي نشرت دراسة في مجلة “بوسطن ريفيو”، بيّنت فيها أن هذا التقرير الذي يتكون من 160 صفحة يختزل وجود الطوائف العديدة التي ينتمي إليها أكثر من 140 ألف يهودي في تجربة مجموعة واحدة لم يكرس لها التقرير سوى فقرتين.
وقد تم محو جميع الاختلافات الثقافية والعرقية والقومية والسياسية. ولذلك، ليس من المدهش أن هذا التقرير لم يسفر عن أي ردة فعل في إسرائيل، على الرغم من وجود مئات آلاف اليهود هناك ممن وُلدوا في شمال أفريقيا في الفترة الاستعمارية، ويُفترض أن يهمهم تقرير كهذا.
عودة أقلية مهاجرة
“رحلة بلا عودة” كان أيضًا عنوان المؤتمر الذي عُقد بمناسبة ذكرى رحيل وتهجير يهود البلدان العربية وإيران، الذي انعقد في جامعة بار غيلان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وتواصل عقده افتراضيا في العام 2020.
وقد أصبحت هذه السردية المتجانسة أقوى في الأعوام الأخيرة. ومنذ مقالنا في جريدة “هآرتس” (2 كانون الأول/ ديسمبر 2019)، تعززت سردية الرحلة بلا عودة في المجتمع الإسرائيلي، التي يتوسطها التأكيد أن اليهود طُردوا رُغما عنهم ليصبحوا لاجئين، وأنهم لم يستطيعوا أبدًا العودة إلى بلدانهم الأصلية.
ولكن، هل صحيح أنهم لم يعودوا إلى العالم الإسلامي؟ يعلم خبراء الهجرة جيدا أن مثل هذه الحركة لا تكون أبدًا في اتجاه واحد، وأن أقلية من المهاجرين تعود دائمًا إلى بلدانها الأصلية.
وقد بينت بعض الدراسات أن يهودًا ألمان عادوا إلى وطنهم على الرغم من هول المحرقة، وأن ناجين بولنديين حاولوا العودة إلى قراهم.
وفي بعض هذه الحالات، أسفرت هذه المحاولات على مذابح وهجمات عنيفة.
ما نزال في انتظار معلومات أدق حول وجود توجهات مماثلة في الشرق الأوسط، لكن الدراسات والشهادات التي حصلنا عليها حتى الآن تمككنا من التأكيد أن عددًا من اليهود العراقيين والإيرانيين -وحتى اليمنيين- عادوا إلى أوطانهم خلال العقود الأخيرة.
وحتى وإن لم يعد أغلب اليهود إلى بلدانهم الأصلية، فقد حافظ عدد كبير منهم على علاقات هناك وجددوا علاقتهم الثقافية واللغوية مع الشرق، من خلال العودة إلى اللغة العربية أو الفارسية أو اللهجات اليهودية العربية، أو من خلال المحافظة على التراث الموسيقي والتواصل مع أصدقاء قدامى.
يوجد بلا شك في إسرائيل اهتمام فكري كبير بالبحوث حول التاريخ المنسي. وقد أطلقت وزارة العدالة الاجتماعية مشروعًا للتوثيق الصوتي تتبناه الحكومة بعنوان “رؤية الصوت”.
وتمكّن ساعات من الحوارات المسجلة مع يهود شرقيين يعيشون في إسرائيل من اكتشاف طيف واسع نسبيًا من التجارب اليهودية منذ منتصف القرن العشرين.
وهذا يعرفنا أكثر على حياتهم في المنطقة وتجربة الهجرة إلى إسرائيل. لكن سردية “رحلة بلا عودة” تبقى ببساطة هي المحبذة في دوائر السلطة.
جيل جديد من الباحثين
في الوقت نفسه، نلاحظ أن البحوث الأكاديمية التي تجري خارج إسرائيل وبعيدًا عن تأثيراتها الثقافية، تتمكن من التطرق إلى التاريخ بكامل تعقيداته -أو على الأقل مع مراعاة معقولة لسياق الأحداث.
ولم يعد مركز ثقل الكتابات التاريخية حول اليهود في الفضاء المسلم الحديث في إسرائيل، وإنما يتواجد في الجامعات الأميركية والأوروبية.
وقد التحق بهذا العمل الحساس طلاب كثيرون. ويثير جيل جديد من الباحثين ذوي السلطة الكبيرة في مجال العلوم الإنسانية الأميركية اهتمامًا متزايدًا بالعالم اليهودي في البلدان المسلمة، وبتاريخه وبدراسة الأجيال الحديثة.
في العام 1928، عاب المؤرخ سالو بارون من جامعة كولومبيا على زملائه في الجامعة العبرية في القدس تأويلهم لذاكرة الماضي اليهودي وفق “مقاربة متباكية”.
وفي مقال تأسيسي (3)، طالب بارون بإعادة وضع التاريخ اليهودي في سياقه، لأن اليهود لم يعيشوا أبدًا في معزل تام عن الآخرين.
ولم يكن التعامل مع المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه جيدًا بصفة حصرية، أو سيئًا بصفة حصرية، لكن هذا التعامل يظل حقيقة تاريخية أزلية.
في المجتمعات التي تحتضن عديد الأقليات، يكون نسيج العلاقات أكثر تعقيدًا، فنجد من جهة علاقة اليهود بالأغلبية، ومن جهة أخرى علاقتهم بالأقليات الأخرى، من دون أن ننسى أن الأهمية والسلطة تخضع لتسلسل هرمي بين الأقليات.
وفي المقابل، تعرض المؤرخون الأميركيون المختصون في دراسة العالم اليهودي إلى انتقادات بسبب تركيزهم في أبحاثهم على اندماج اليهود في عصر التحرر، وعن اختراع ماض رومانسي أسفر عن حياة متناغمة في الشتات.
وفي الحقيقة كانت هذه المقاربة تخدم وتترجم حقيقة والرغبة في إدماج اليهود الأميركيين داخل المجتمع الأميركي الليبرالي.
يبدو أن أحد أسباب الفرق الذي نلاحظه بين المؤرخين الأميركيين والإسرائيليين هو طريقة تدريبهم وتكليفهم. فالباحثون الأميركيون يعملون ضمن أقسام التاريخ أو دراسات الشرق الأوسط، بينما ينتمي زملاؤهم الإسرائيليون عادة إلى أقسام التاريخ اليهودي، ما يفسر تطرقهم إلى الموضوع من منطلق يهودي بحت.
وعادة ما يعتبر الأميركيون اليهود مجموعة من ضمن العديد من المجموعات التي تكوِّن نسيج المجتمع الشرقي، إلى جانب المسيحيين والزرادشتيين والبهائيين والأيزيديين والأقليات العرقية مثل الأكراد.
ولذلك، عادة ما تكون دور النشر غير الإسرائيلية هي التي تنشر أهم الكتب حول تاريخ يهود الشرق.
وتوجد كذلك بعض النقائص فيما يتعلق بالكتابة الحاخامية، وطريقة عمل المؤسسات الدينية (مثل المحاكم الشرعية)،
وأنواع الأوامر الدينية، وإمكانية المقارنة مع التاريخ اليهودي غير الشرقي.
ولكن، بالعمل مع مجتمع الباحثين والتعاون مع أولئك الذين كرسوا جهودهم لدراسة النصوص اليهودية، والدراسات الدينية، والمنشورات الحاخامية، يمكن سد هذه الفجوات.
أما فجوات المعسكر المقابل، فتبدو أعمق بكثير، بسبب لغة الأبحاث، وخاصة بسبب منهجيات البحث.
تغير جذري في المنهجيات
شهدنا خلال السنوات الأخيرة تغيرا جذريا في طريقة وضع العديد من برامج الدراسات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية.
فقد تميز هذا المجال لمدة عقود بتركيز أبحاثه حول اليهود الأوروبيين والأميركيين.
أما اليوم، فقد أصبح منفتحًا على مجالات بحث جديدة، وهو يعتبر أن تاريخ اليهود في الشرق الأوسط سيثري أدواته المنهجية.
ونلاحظ في المؤتمر السنوي لجمعية الدراسات اليهودية ارتفاعا متواصلا لعدد لجان الخبراء والدورات حول هذه المواضيع.
ينتمي كاتبا هذا المقال بدورهما إلى مشروع تعاون واسع، مع أوريت باسكين من جامعة شيكاغو، وميشال كامبوس من جامعة بين ستايت، وأوريت واكنين ييكوتيالي من جامعة بن غوريون، هدفه تأليف كتاب جماعي حول التاريخ اليهودي الحديث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط آسيا، من منطلق تاريخي وأنثروبولوجي، وثقافي، واقتصادي.
ويمكّننا هذا التعاون من أن نأخذ بعين الاعتبار تطورًا آخر طرأ في مجال الأبحاث في السنوات الأخيرة، حيث التحق بهذا المجال عدد من الباحثين غير اليهود، بعضهم من أصل شرقي، وتقدم أبحاثهم رؤى قيمة حول المنطقة.
وقد أطلقنا نداء وتلقينا مقترحات عديدة، وهو ما حثنا على التواضع.
كما مكن ذلك من تثمين العمل الذي يجري في أوروبا والذي لا يمكن للناطقين باللغة الإنجليزية عموما الوصول إليه.
ويفرض علينا تكوين مجموعة مثالية من المعرفة تضمين بعض الأبحاث التي تم إجراؤها في إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة حول السرديات.
لذلك، نقترح تبني موقف مختلف عن ذلك الذي شاع في إسرائيل، وننادي بالترويج لفهم تاريخي يجمع بين كل إمكانيات الفضاء الإقليمي في النقاش حول يهود الشرق. ليس دور التاريخ أن يبرر موقف القارئ وأن يطمئنه حول صحة مساره. إن دوره هو أن يطرح الأسئلة وأن يدفع بالقارئ إلى مراجعة آرائه.
الأبحاث في العالم الإسلامي
أخيرًا، من المهم أن نتوقف عند الفضاء الثالث الذي تتطور فيه عملية الذكرى وإحياء الموروث اليهودي في الفضاء الإسلامي؛ أي داخل البلدان المسلمة.
خلال العقد الأخير، تم تنفيذ مشاريع متسقة ومستنيرة بمساندة حكومات عدد من البلدان المسلمة، بهدف الحفاظ على الماضي المشترك بين اليهود والمسلمين وإحيائه، والحفاظ كذلك على التراث اليهودي المجيد لهذه البلدان.
هذه البرامج المختلفة لا تحظى فقط بمساندة الحكومات، بل كذلك بمساندة منظمات غير ربحية. وتُترجم في الفضاء الثقافي، من خلال المسلسلات التلفزيونية، والأدب، والسينما.
وهو واقع الحال أيضاً بالنسبة لحفظ وتوثيق المعابد اليهودية في مصر ولبنان، وبالنسبة لصناعة السينما في لبنان والإمارات العربية المتحدة، والمهرجانات الموسيقية والجمعيات في المغرب، وغيرها من الأمثلة.
نظرًا للهوة اللغوية والثقافية التي تفصل بين مختلف سجلات السرد والبحث حول يهود الشرق (بين الفضاء الناطق بالإنجليزية، والبلدان المسلمة، وإسرائيل، وأوروبا)، ونحن نطالب بتقارب وبتقاطع أبحاثنا ورؤانا للعالم.
وسيمكن هذا التعاون من إنتاج أبحاث أكثر دقة لا تشوبها الأحكام السياسية المسبقة.
وكباحثَين حول تاريخ اليهود في الفضاء الإسلامي، نتمنى تبني رؤية أوسع وأكثر شمولية تسمح لنا بمقاربة ماضينا بطريقة أكثر صحة وعمقاً، وبتقديم مشهد كامل ودقيق لحاضر ومستقبل هذا الفضاء المشترك الذي نعيش فيه.
*ليور ب. ستيرنفيلد: أستاذ مساعد في التاريخ والدراسات اليهودية بجامعة ولاية بنسلفانيا. ماناش أنزي: محاضر في قسم التاريخ اليهودي بجامعة بن غوريون وأستاذ كرسي “عائلة روزن” في الدراسات اليهودية. تشمل اهتماماته البحثية تاريخ اليهود في العراق واليمن.
*نشر هذا المقال بالإنجليزية تحت عنوان: Memory War in Israel on Arab and Iranian Jews. ترجمته إلى العربية عن الفرنسية سارة قريرة.
هوامش:
(1) عملية سوزانا: عملية قامت بها المخابرات العسكرية الإسرائيلية، تمثلت في سلسلة من التفجيرات قامت بها في القاهرة سنة 1954 مجموعة مكونة من يهود مصريين، تم إعدام عنصرين منهم.
سرّع هذا الحدث هجرة اليهود المصريين، وأسفر عن أزمة في إسرائيل عُرفت باسم “ملف لافون”.
(2) أي حول الممتلكات التي تركها يهود البلدان العربية وإيران خلفهم عند رحيلهم.
(3) “الغيتو والانعتاق” Ghetto and Emancipation