الرئيسة \  مشاركات  \  حرب إقليمية لتهدئة صراع الأجنحة الإيرانية؟

حرب إقليمية لتهدئة صراع الأجنحة الإيرانية؟

16.09.2014
جهاد الرنتيسي




تقترب تناقضات صراع رؤوس النظام الإيراني، من العقدة التي تفضي الى الصدام المعلن والمباشر، وتسارع حركة الاصطفاف حول محورين، تنتهي في العادة، بتخلص المرشد الأعلى، الممسك بأطراف خيوط اللعبة، من رئيس الجمهورية الساعي الى مزيد من الصلاحيات، في أول انتخابات رئاسية، إذا حالت الظروف دون تقليم أظافره.
 
الملابسات التي رافقت استجواب البرلمان لوزير العلوم رضا فرجي، لم تكن غير بداية لذوبان رأس جبل الجليد الذي يغطي في العادة السنة الأولى من ولاية الرؤساء الإيرانيين، ونهاية ما كان يعتقد بأنه شهر عسل بين المرشد والرئيس، ودافعاً للتوقف عن المراهنة، على تغيرات جوهرية مفترضة، في بنية النظام، تفضي الى انفتاحه، على الإيرانيين والعالم.
 
تباين الرؤية بأن مهام ودور رئيس الجمهورية، وانتقال الجدل، الى وسائل الإعلام، بعض مؤشرات انزلاق الصراع، بين الطرفين، الى المربع الذي يصعب فيه، إبقاء اللعبة ضمن إطار تفاهمات، تحول دون انتقال التحشيد الى الشارع.
 
فمن ناحيته، حدد الرئيس حسن روحاني، فهمه لدوره، بأنه يتجاوز رئاسة الجهاز التنفيذي، ليتركز في تنفيذ الدستور، من دون أن يخلو الأمر من إشارة، الى تمثيله لإرادة الناخبين، الذين صوتوا ليتولى تنفيذ مهمته.
 
تصريحات روحاني الغاضبة، مست العصب العاري للعلاقة الشائكة، بين الولي الفقيه والرئيس المنتخب، في النظام الإيراني، مما دفع المرشد الأعلى الى رد سريع، عبر ذراعه الإعلامية صحيفة «كيهان» التي أعادت تذكير الرئيس برمزية منصبه، كرئيس لجهاز تنفيذي، من دون سلطة.
 
الصدام الأول من نوعه، بين خامنئي وروحاني، يقود بشكل تلقائي، الى مقارنات مع صدامات مماثلة، جرت بين الولي الفقيه ورؤساء سابقين، آخرهم أحمدي نجاد.
 
بين الفوارق، التي توقفت عندها القوى السياسية الإيرانية، في الداخل والخارج الإيرانيين، أن الصدام بين خامنئي ونجاد، جاء بعد أربع سنوات من حكم الرئيس السابق، فيما وقع الصدام، بين المرشد والرئيس الحالي، بعد مرور عام، على تولي الأخير صلاحياته، كما يظهر روحاني صلابة افتقر اليها سلفه، في المواجهة مع الولي الفقيه، وأذرعه الممتدة في مراكز القوى، ومؤسسات صنع القرار.
 
هذه الفوارق لا تخلو من دلالات، تحرص الأطراف الإيرانية على قراءتها بدقة، فهي توحي بأن فترات التعايش، بين الولي الفقيه والرئيس، آخذة في التقلص، مع تزايد أزمات النظام، الداخلية والخارجية، وأن تراجعاً يطرأ على موقع ونفوذ الولي الفقيه.
 
منعرجات الخط البياني للأزمات الإيرانية، المؤثرة في العلاقة، بين المرشد والرئيس، تتوزع على أبعاد داخلية، مرتبطة بجوهر النظام، وأخرى خارجية، على تماس مع فهمه للعلاقة مع الآخر، الإقليمي والدولي.
 
وطبيعة الأزمات المزمنة، التي باتت بعض تفاصيل المشهد السياسي الإيراني، وملامحه الفارقة، تملي تداخلاً، يحول دون تفكيكها، وعزلها عن بعضها بعضاً، توطئة للبحث عن حلول.
 
أزمة الملف النووي، وتداعياتها في الداخل الإيراني، وعلى العلاقة مع المحيط والمجتمع الدولي، أبرز عقبات التعايش بين المرشد الأعلى والرئيس، حيث يواجه خامنئي، صعوبات داخلية، في الموافقة على تقديم تنازلات للمجتمع الدولي، ويعي في الوقت ذاته، أن خروج النظام من عنق الزجاجة، يتطلب التجاوب، مع الإرادة الدولية، فيما يرى روحاني، أن الخروج من الأزمة، يقتضي قرارات شبيهة بالقرار الذي اتخذه آية الله الخميني، حين وافق على إنهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، بعد معارك استمرت ثماني سنوات، واعتبره بمثابة تجرع للسم.
 
ظلال الإفرازات الداخلية، لانحشار نظام الولي الفقيه، في عنق الزجاجة، تمتد نحو علاقاته الإقليمية والدولية، لا سيما وأنها تمس مصداقيته، أمام المجتمع الدولي، بأطرافه المشاركة في مفاوضات الملف النووي، والأطراف التي تتابع المفاوضات بقلق.
 
فقد أظهرت العقوبات الأميركية الأخيرة على إيران، اعتقاد صانع القرار الأميركي، بغياب الجدية الإيرانية، في التوصل الى اتفاق، وقناعته، بضرورة الضغط على طهران، لتقديم تنازلات في جولات المفاوضات المقبلة.
 
وسجلت التطورات العراقية، التي أعقبت اتساع نفوذ «داعش» تراجعاً في النفوذ الإيراني، يكشف في بعض تجلياته، عن قناعة أميركية، بسلبية الدور الذي لعبته السياسة الإيرانية في العراق.
 
حضور خصوم طهران الإقليميين، بالشكل الذي يفوق الحضور الإيراني، في الاستعدادات الدولية والإقليمية للتصعيد ضد «داعش» ورفض إعطاء دور للنظام السوري في هذه الحرب، يظهر جانباً آخر، من جوانب غياب ثقة المجتمع الدولي، بنظام ولاية الفقيه.
 
مؤشرات الفقر والبطالة في إيران، تكشف عن آثار واضحة، لأزمات النظام الإيراني مع المجتمع الدولي، على معيشة شرائح واسعة من الإيرانيين، الأمر الذي يثير الشكوك، حول إنجازات روحاني، منذ وصوله الى السلطة، ويدفع المتشددين الى محاولة تصدير الأزمة، ويوفر تفسيرات لتهديدات قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، بالدخول في حروب مع دول عربية، وعودته للتلويح بتصدير الثورة، الى العواصم العربية.
 
بقاء النظام الإيراني على مفترق طرق، يتركه نهباً لأزمات تلد أخرى، وقبوله بشروط المجتمع الدولي، لحل أزمة الملف النووي، يقوده الى تحولات، يواجه صعوبات في تمريرها، من دون المساس بمراكز قوى، مستفيدة من هيمنة الولي الفقيه على القرار، مما يرجح بحث المتشددين عن متنفس، قد يوقعهم في حروب إقليمية مع دول الجوار.
 
() كاتب من الأردن