الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب القمح في سوريا من سيدفع الثمن؟

حرب القمح في سوريا من سيدفع الثمن؟

30.09.2019
د. أحمد طرقجي


القدس العربي
الاحد 29/9/2019
فقدت سوريا خلال سنوات الحرب أكثر من 60 في المئة من قدرتها على إنتاج القمح وتحولت من دولة مكتفية ذاتياً إلى دولة غير قادرة على دفع ثمن حاجه مواطنيها من القمح. ويعتبر محصول القمح أهم المحاصيل الاستراتيجية المدعومة في سوريا وذلك لاستخدامه في إنتاج طحين الخبز، المادة الغذائية الأساسية للسكان.
خلال العقدين السابقين للحرب، وضع السوريون ملف القمح كأحد أهم الأولويات. وعملت مراكز الأبحاث الحكومية والإقليمية على تطوير أنواع مختلفة من البذور القادرة على الإنتاج العالي رغم قلة المياه، وطورت معامل الأسمدة منتجاتها مستفيدة من مخزون الفوسفات السوري الذي يعتبر ضمن الأعلى عالمياً. كما عملت البنوك الوطنية على تأمين القروض للمزارعين لدعم إنتاج وحصاد القمح.
تاريخيا، تركز إنتاج معظم القمح السوري في أراضي محافظات الشمال والشمال الشرقي من سوريا، الحسكة والرقة وحلب. وعانت المحافظات الثلاث كما عانت باقي المحافظات المنتجة للقمح في وسط وجنوب سوريا خلال سنوات الحرب الثماني من ارتفاع كلفة إنتاج القمح، وانخفاض القدرة على تصريف المحاصيل، وصعوبة توفير مياه الري، والتدمير والتهجير الناتج عن الحرب.
وساهم دخول “داعش” للمناطق الشمالية الشرقية في تعميق أزمة إنتاج القمح رغم وقوع مدينتي الحسكة والرقة على ضفاف نهر الفرات حيث باتت قدرة المزارعين في الحصول على بذور القمح والسماد من النظام محدودة جداً. لكن بالمقارنة، تم التوصل مثلاً لتفاهمات تتعلق بتوريد المشتقات النفطية بين المناطق السورية كما تبين لاحقاً.
تراجع مياه الري
لم تكن حقول إنتاج القمح غرب الفرات في حلب وإدلب وحماه أكثر حظاً.
فقد أثر القصف المستمر والتهجير على قدرة الفلاحين على رعاية أراضيهم طوال العام، وتناقصت قدراتهم الزراعية بسبب تراجع مياه الري وزيادة الاعتماد على مياه الأمطار القليلة أصلاً، حيث تعاني سوريا من أزمات جفاف متكررة.
ووصل الإنتاج السنوي للقمح لعام 2010 لحوالي 4 ملايين طن
كانت كافية لسدّ حاجة 22 مليون سوري مع بعض الفائض للتصدير. ولكن بحلول عام 2018 تراجع إنتاج القمح ليصل إلى 1.2 مليون طن. هذه الكمية لا تكفي لسدّ نصف الحاجة السنوية للسكان رغم انخفاض عدد سكان سوريا إلى 16 مليون مواطن بسبب الحرب والهجرة.
استورد النظام مليون طن من القمح الروسي عام 2016 لتغطية النقص في الإنتاج المحلي، ولكن قدرته على الاستيراد انخفضت مع مرور الوقت.
على الجانب الآخر، واجه مزارعو القمح تحدياً أساسياً لتمويل زراعتهم وتصريف منتجاتهم. في السنوات الأخيرة أصبحت أسعار شراء القمح من قبل النظام، رغم محدودية كميات الشراء، أعلى من أسعار التجار المحليين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بنسبة 10 في المئة مما أخل بتوازن الأسواق. لجأ بعض تجار القمح في جميع المناطق خلال السنوات الماضية لبيع محصولهم لتجار في دول الجوار، حيث وفرت لهم أسواق الجوار مردوداً أعلى واستقراراً أكثر.
وطورت مؤسسة الحبوب المحلية ووحدة تنسيق الدعم “ACU” واللتان تعملان في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، برامج لدعم زراعة وتسويق القمح مما حسن أسعار شراء القمح في المناطق الشمالية الغربية ومكن المزارعين من الاستمرار في زراعة القمح. كما عملت مؤسسة البذار المحلية في هذه المناطق على مشاريع بحثية للحفاظ على هذه الحبوب وميزاتها الزراعية.
ساعدت زيادة الأمطار في تحسين إنتاج القمح لعام 2019 وخاصة في منطقة الجزيرة السورية.
في هذا العام، خصصت الحكومة السورية حوالي 650 مليون دولار (400 مليار ليرة سورية تقريباً و10 في المئة من الموازنة العامة الحكومة السورية) لشراء القمح بما فيه شراء القمح من المزارعين السوريين بشكل مباشر بأسعار مرتفعة، أعلى من أسعار استيراد القمح الروسي. بينما خصصت الإدارة الذاتية الحاكمة للشمال الشرقي في سوريا مبلغ 200 مليون دولار لمحاولة شراء كامل قمح الجزيرة السورية، ولو بسعر أقل بحوالي 10 في المئة من سعر حكومة النظام، مع العلم ان الكمية تزيد عن حاجة سكان منطقة الشمال الشرقي.
في الشمال الغربي، كان سعر القمح أقل بـ 30 في المئة من السعر المحدد من الحكومة السورية.
حرائق الأراضي
أثار تغيير طبيعة تنافس الأسعار وحرائق الأراضي المتعددة حفيظة المزارعين. فقد أتت الحرائق المتعددة قبل بدء الحصاد على ما يقارب 10 في المئة من الأراضي السورية المزروعة بالقمح (تقوم بعض المرجعيات الدولية حالياً بإعادة تقييم المساحات المتضررة باستخدام صور الأقمار الصناعية). ورغم صعوبة تفسير اندلاع أكثر من 70 حريقا في حقول القمح في خلال أسبوعين في الجزيرة السورية على سبيل المثال، إلا أن غياب الجهود الفعالة لإطفاء هذه الحرائق كان أكثر غموضاً.
مع تسييس المنافسة على سوق القمح السوري هذا العام، ولد تخوف عام لدى المزارعين السوريين وواجهوا صعوبة لتحديد الطرف الأنسب لشراء محصولهم، حيث لا يبدو سعر الشراء على أنه العامل الأهم في هذا القرار هذا العام، فالقدرة على الحصول على البذور والسماد للموسم القادم، وحماية الأراضي من الحرائق، والعامل الأمني لعائلات المزارعين قد يكونوا أكثر أهمية. ستتوضح نتائج حرب القمح بعد بضعة أشهر بعد انتهاء تسويق المحصول وبدء التخطيط للعام المقبل.
في المقابل، يبقى المواطن السوري هو من يدفع الثمن الأكبر للحصول على خبزه الذي يُحتكر ولحماية حقوله التي تُحرق.