الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب "الممرات " في سوريا

حرب "الممرات " في سوريا

06.06.2017
عبد الحميد المجالي


الدستور
الاثنين 5/6/2017
انتقلت الحرب في سوريا الى الشرق ...، الى البادية الممتدة عمقا استراتيجيا يربط بين عدة دول محاذية لسوريا، التي باتت خارطة النزاع فيها متداخلة ومناطق السيطرة والنفوذ فيها غير محددة المعالم . واغلب الظن ان نتائج حرب البادية الجارية حاليا ستعطي بعضا من الوضوح لهذه الخارطة على المدى القريب والمتوسط .
حرب البادية هي جزء من السباق العسكري على الارض لاقتسام تركة تنظيم داعش الذي بات مهزوما عسكريا ومعنويا في العراق وسوريا، وتتمزق دولته “الاسلامية “ الى شظايا غير مترابطة لايمكن الدفاع عنها او الاحتفاظ بها طويلا، وخاصة بعد ان ارتكب التنظيم خطأ استراتيجيا قاتلا، وهو انه راهن على الاحتفاظ بالموصل وحشد فيها معظم قوته، لكنه فقدها كلها، وهاهو يلفظ انفاسه الاخيرة فيها . اما ما تبقى من مناطق يسيطر عليها فهي ساقطة عسكريا من الناحية الفعلية ولم يبق لهذا التنظيم المتوحش الغريب الاطوار الا ان ينتحر فيها غير مأسوف عليه لينضم الى سطور الصفحات السوداء في تاريخ هذه الامة عبر العصور، كما كان مصير الخوارج والحشاشين من قبل .
البادية السورية ترسم على رمالها الان خطوطا استراتيجية مهمة وحيوية تشارك فيها الاطراف ذاتها التي تحارب في سوريا منذ عدة سنوات، اما بالوكالة او مباشرة، وهي بالاسم، الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول وقليل من الميليشيات المدعومة منها كطرف، اما الطرف الثاني فهو روسيا وايران مع مليشياتها الطائفية، بالاضافة الى النظام السوري الذي يسير خلف كل هؤلاء .
معبر النتف على الحدود العراقية السورية الاردنية هو بيت القصيد في حرب البادية الجديدة . ففي المعبر ترابط قوات امريكية وبريطانية مهمتها المعلنة تدريب ميليشيات سورية لمحاربة داعش، غير ان المهمة الحقيقية هي السيطرة على هذا المعبر لمنع التقاء ميليشيات الحشد الشعبي في الجانب العراقي المدعومة من ايران مع اخرى مماثلة لها في الجانب السوري، تحاول كلاهما ربط مناطق السيطرة في العراق مع مثيلتها في سوريا، ـ اي سيطرة ايران ـ على هذا الممر الحيوي حيث طريق بغداد دمشق الذي تفتح السيطرة عليه لايران التمدد بعد ذلك الى حيث تشاء .
المعلومات المتوفرة لجميع الدول المعنية والغارقة في الازمة السورية، تتحدث بثقة عن ان ايران تريد وصل ماقطعته داعش من الهلال الشيعي ليصبح طريق طهران العراق سوريا لبنان الى البحر المتوسط سالكا لها طائفيا وسياسيا ونفوذا دفعت ولا تزال من اجله الكثير من التضحيات البشرية والمالية والسياسية منذ بدء سنوات الازمة السورية وحتى ما قبلها .
الولايات المتحدة تعرف تماما هذا المخطط الايراني، وهي بادارتها الجديدة برئاسة ترمب والتي تعهدت بمواجهة التمدد الايراني تسعى لاحباط هذا المخطط على الارض، حيث هددت باستخدام القوة العسكرية ضد اي محاولة من الميليشيات الايرانية او قوات النظام السوري للسيطرة على ممر النتف . وقد وجهت ضربة تحذيرية لمحاولة عنيدة مختلطة من قوات النظام وهذه الميليشيات، لتثبت جديتها في مواصلة قطع الطريق على المخطط الايراني .
روسيا تقف في الجانب الاخر، ولم تترك الامر يسير دون ان ترسل رسائلها العسكرية المحملة بحمولة سياسية الى واشنطن، حيث وجهت ضربة صاروخية للمعارضة السورية التي تؤيدها واشنطن في اطراف البادية، زاعمة ان الضربة كانت لقوات من داعش هاربة من الرقة . كما واصلت القصف الجوي للمعارضة التي كانت تشن هجوما معاكسا لاسترداد مناطق سيطر عليها النظام في الفترة الاخيرة في البادية الشرقية .
الرسائل الروسية قيل انها وجهت لواشنطن في الوقت الذي كان فيه الطرفان يتفاوضان على انشاء منطقة آمنة تشمل الجنوب السوري كله من القنيطرة حتى الحدود العراقية مرورا بدرعا، حيث ترغب واشنطن ان تكون هذه المنطقة التي تسعى لتوسيعها الى حدود دير الزور ومناطق تواجد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة امريكيا خالية تماما من المليشيات الموالية لايران .
المشكلة الرئيسية التي تحير حلفاء واشنطن في سوريا هي ان استراتيجية الادارة الامريكية الجديدة في سوريا لاتزال غير واضحة، و ما تقوم به لايختلف حتى الان عن ما كانت تقوم به الادارة السابقة، في الوقت الذي تمارس فيه موسكو سياسة واضحة المعالم يمكن فهم ابعادها دون عناء .
التنافس الامريكي الروسي، ليس بعيدا عما يجري في البادية السورية بما فيها مناطق حقول النفط والغاز. وايران من جانبها تحاول وصل ما انقطع من مشروعها للوصول الى لبنان والبحر المتوسط عبر ممرات امنة لها عابرة للحدود بين العراق وسوريا ولبنان بمساعدة الحليف الروسي . واذا خسرت طهران معركة البادية الجنوبية، فانها تكون قد خسرت معركة الربط بين اجزاء هلال نفوذها ، بعد ان تخلت عن محاولتها للسيطرة على مناطق الشمال، حيث ممر تلعفر، لان الجانب السوري فيه تحت سيطرة الاكراد والامريكيين .
كل هذه التناقضات في المصالح والسجالات المعلنة وغير المعلنة التي قد تأخذ منحى الاستخدام الاكثر كثافة للسلاح في وقت قريب، هي ما يجعل من حرب البادية السورية للسيطرة على الممرات الاستراتيجية فيها،الاكثر اهمية في تحديد خرائط مستقبل نفوذ الكبار في سوريا .