الرئيسة \  تقارير  \  حرب بوتين على أوكرانيا تزداد تعقيداً

حرب بوتين على أوكرانيا تزداد تعقيداً

06.10.2022
عمر أنهون


عمر أنهون
الشرق الاوسط
الاربعاء 5/10/2022
فعل بوتين ما كان متوقعاً؛ حيث أُجريت استفتاءات في خيرسون، وزابوريجيا، ولوغانسك، ودونيتسك. ولا يُعرف عدد الأشخاص الذين كانوا يعيشون في هذه المناطق قبل هروبهم من الحرب، وعدد من بقوا في مدنهم، ولا عدد الأشخاص الذين شاركوا في التصويت، ولا عدد الذين قالوا “نعم” للانضمام إلى روسيا، ولا عدد الذين قالوا “لا”. على أي حال، بعد استفتاء الجمعة، وقَّع بوتين المرسوم، وأضفى الطابع الرسمي على نتائج الاستفتاء؛ حيث “صوَّت المواطنون ليكونوا مع شعبهم، مع وطنهم الأم”، على حد تعبيره.
إلى جانب شبه جزيرة القرم التي جرى ضمها مرة أخرى في عام 2014، تدَّعي روسيا الآن ملكية ما لا يقل عن 15 في المائة من أراضي أوكرانيا.
وقد عارضت غالبية الدول والمنظمات الدولية ما جرى، وعبَّرت عن احتجاجها، وتمَّ الإعلان عن عقوبات إضافية، وكررت الدول الغربية تصميمها القوي على معارضة العدوان الروسي ودعمها المستمر لأوكرانيا، وتعهدت جميعاً بعدم الاعتراف بضم الأراضي الأوكرانية.
وسارعت الولايات المتحدة وألبانيا إلى تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدين ضم شرق أوكرانيا. وصوَّت 10 من أصل 15 من أعضاء المجلس (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألبانيا، وغانا، وآيرلندا، وكينيا، والمكسيك، والنرويج، والإمارات العربية المتحدة) لصالح القرار، وامتنعت الصين والبرازيل والهند والغابون عن التصويت، بينما صوتت روسيا ضد القرار، وبالتالي، تم نقضه.
يُذكر أن سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، اشتكى من أنه “من غير المسبوق السعي لإدانة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي”؛ لكن ما حدث هو أن عضواً دائماً في المجلس قد انتهك، وبشكل صارخ، المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، المتمثلة في عدم استخدام القوة، وحرمة الحدود، واحترام وحدة الأراضي، ويشكو ممثل تلك الدولة عندما يتم انتقاد بلاده لفعل ذلك. وهذا الموقف يخبرنا الكثير عن العقلية التي تعارضها أوكرانيا.
كان أحد ردود الفعل الأولى لأوكرانيا هو تقديم طلب رسمي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكرر أمينه العام، ينس ستولتنبرغ، دعم “ناتو” لأوكرانيا؛ لكنه أوضح أن 30 من حلفاء “ناتو” يجب أن يوافقوا على انضمام الدولة للحلف. وما يقصده هو أنه لا يوجد شيء اسمه عضوية منقوصة.
القضية الرئيسية هنا -كما هو معروف جيداً- هي أن عضوية أوكرانيا في حلف “ناتو” تعني أنها ستكون دولة عضواً تتعرض للهجوم، ما يدعو إلى الدفاع الجماعي بموجب المادة الخامسة.
ويتفق الجميع تقريباً الآن على أنه عندما بدأ بوتين ما تسمى عمليته العسكرية الخاصة في فبراير (شباط)، كان يتوقع نتائج سريعة ونصراً سريعاً. وكانت أهدافه الرئيسية تأمين مناطق “عرقية روسية/ ناطقة بالروسية”، واستبدال حكومة صديقة لروسيا بحكومة زيلينسكي المناهضة لروسيا والموالية للغرب.
لم يكن هذا هو ما حدث. فأوكرانيا تقاوم، وعلى الرغم من أنها عانت كثيراً وفقدت جزءاً كبيراً جداً من أراضيها، فقد ألحقت أضراراً جسيمة بقدرة روسيا على احتلالها. ففي الآونة الأخيرة، طرد الجيش الأوكراني الروس من عدد من المناطق واستعاد أراضيه، وقتل عديداً من الجنود الروس، وأسر عدداً منهم في هذه العملية.
الانتكاسات في ميدان الحرب جعلت بوتين يلجأ إلى إجراءات صارمة على نحو متزايد. فعلى سبيل المثال، قامت روسيا باستخدام غازها الطبيعي كسلاح. وبخلاف التقليص والحظر في صادرات النفط والغاز إلى الغرب، جرى استهداف خطوط أنابيب “نورد ستريم”. ويشتبه في أن روسيا قامت بتخريب الخط الذي ينقل الغاز. وأصدر حلف شمال الأطلسي بياناً وصف فيه ما جرى بأنه “نتيجة أعمال تخريب متعمدة ومتهورة وغير مسؤولة”. وإذا كان الأمر كذلك، من الناحية الفنية، فهي حالة هجوم مباشر على البنية التحتية لعضو في “ناتو”، وتدعو إلى نوع من العمل الدفاعي الجماعي.
وأثار إعلان الرئيس بوتين عن التعبئة الجزئية ضجة كبيرة؛ حيث قامت مظاهرات ضد الدعوة للحرب في أوكرانيا. وقد تابعنا أنباء مغادرة آلاف الروس بلادهم ليكونوا بمنأى عن آلة الحرب الروسية. ولكن بعد ذلك، استجاب عدد كبير من الروس للنداء، سواء طواعية أو مرغمين.
وأكثر التطورات إثارة للقلق كانت تصريحات بوتين وتحذيراته بشأن الأسلحة النووية؛ حيث قال إنه إذا تعرضت وحدة أراضي روسيا للتهديد، فسوف تستخدم روسيا جميع الوسائل المتاحة لحماية نفسها. وكما صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإن الأراضي المكتسبة حديثاً تخضع لمظلة الحماية هذه.
وتضع العقيدة النووية الروسية المتعلقة بتنفيذ هكذا تهديدات، شروط استخدام الأسلحة النووية. فاستخدام هذه الأسلحة ضد الأسلحة التقليدية، وكذلك “الاستخدام الأول” لأسلحة نووية جديدة، أمر ممكن بموجب هذه العقيدة.
ويقارن الخبراء عدد الأسلحة النووية ووسائل إيصالها التي يمتلكها كل جانب، وعقائدهم العسكرية؛ لكن التفوق العددي لا يحدد من سيكون المنتصر. فاللجوء للأسلحة النووية سيكون كارثة للجميع، والجميع سيخسر.
وقد دعا بوتين إلى إنهاء الصراع. ويبدو أنه يشعر بأنه قد حقق أهدافه، وهو الآن جاهز لتسوية الأمر. ودعوة بوتين يمكن تفسيرها كما يلي: قبول ضم شبه جزيرة القرم، والقبول بنتائج الاستفتاء الأخير، والتعايش مع احتفاظ روسيا بـ15 في المائة من أراضي أوكرانيا، وهنا يمكننا إنهاء الأمر.
دعونا نفكر للحظة أن دعوته تجد استجابة ورداً إيجابياً. هذا يعني أن روسيا (أو أي دولة أخرى في هذا الشأن)، يمكنها التصرف بالطريقة نفسها في المستقبل. في حالة روسيا، كيف يمكن أن تشعر مولدوفا أو كازاخستان ودول أخرى بالأمان؟ هل سيأتي الدور على البلقان؟ كيف ستكون التداعيات في سوريا وفي أماكن أخرى؟
حتى الدول التي يُفترض أنها قريبة من روسيا ليست راضية عن التطورات. فعلى الرغم من امتناع الصين والهند عن التصويت في مجلس الأمن، فإنهما ليستا راضيتين. وقد أوضح البَلَدان ذلك خلال قمة سمرقند الأخيرة لـ”مجلس شنغهاي للتعاون”.
وصرح رئيس كازاخستان، قاسم توكاييف، بأن وحدة أراضي الدول يجب أن تكون مصونة، وبأن كازاخستان لن تعترف بالاستفتاءات في الأراضي الأوكرانية المحتلة (يبلغ عدد سكان كازاخستان من أصل روسي حوالي 3.5 مليون نسمة، ويشترك البلدان في حدود مشتركة تبلغ 7644 كيلومتراً).
لقد تجرعت كازاخستان بالفعل الكأس المرة لـ”التدخل الروسي” في الماضي. ولذلك لديها سبب للقلق، وهي تدرك تماماً ما تتحدث عنه.
ويبدو أن بوتين مستعد للذهاب إلى أبعد مدى من أجل شق طريقه للنهاية؛ لكن احتمال أن يكون هذا الأمر تكتيكياً وخداعاً يظل مسألة قابلة للنقاش.
لكن، هل سيتبعه مواطنوه حتى النهاية المريرة؟ هذا سؤال آخر. فقد استند بوتين في أفعاله إلى فرضية أن روسيا والروس يتعرضون للهجوم. فالدفاع عن الوطن الأم، ومحاربة العدو الذي يسعى لتدمير روسيا، أو استعادة ما يسمى مجد روسيا السابق، أو أي دافع قومي... جميعها أسباب تجعل أنصاره يقفون إلى جانبه.
من ناحية أخرى، يواجه بوتين أيضاً معارضة داخلية؛ حيث يعتقد كثير من الروس أن ما يحدث هو جنون وسيؤذي روسيا. فقد أظهروا معارضتهم بعدة طرق، من بينها النزول إلى الشوارع؛ لكنهم لم يتمكنوا من إيقاف ما يجري أو تغييره.
لقد نجح بوتين وأجهزته في إبقاء الأمور تحت السيطرة. فمعارضوه لا يملكون القوة للتغلب عليه، أو لنقل إن هذا ما تبدو عليه الحال حتى الآن.