الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب روسيا المقدسة

حرب روسيا المقدسة

06.10.2015
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الاثنين  5/10/2015
العالم العربي وفي مقدمته سوريا ينزلق إلى حرب إقليمية ودولية كبيرة مع دخول روسيا طرفا عسكريا مباشرا في المستنقع السوري، مما وضع من روسيا وإيران والعراق ومصر السيسي ونظام الأسد وحزب الله في مربع واحد، مما يؤسس لتحالف جديد في مواجهة الشعب السوري الذي يقاتل نظام الأسد الإرهابي منذ 5 سنوات في حرب أدت إلى استشهاد 300 ألف سوري وجرح نصف مليون شخص وتحول 12 مليون سوري إلى لاجئين ونازحين، يشكلون نصف الشعب السوري.
أخطر ما في الحرب الروسية ضد الشعب السوري هو إعلان الكنيسة الأرثوذكسية الروسية دعمها للرئيس فلاديمير بوتن لأن روسيا تخوض "حربا مقدسة" في الأرض القديمة "سوريا"، وهي الحرب التي سارعت إيران ومعها العراق وحزب الله إلى الترحيب بها فورا.
الحرب المقدسة أعلنها صراحة وبدون مواربة رئيس قسم الشؤون العامة في الكنيسة الأرثوذكسية فسيفولود تشابلن الذي قال إن "القتال ضد الإرهاب هو معركة مقدسة اليوم، وربما تكون بلادنا هي القوة الأنشط في العالم التي تقاتله"، وأعلن أن الكنيسة تدعم هذا القرار لأنه "ينسجم مع القانون الدولي وعقلية شعبنا والدور الخاص الذي تلعبه بلادنا دائما في الشرق الأوسط".
أما بطريرك الكنيسة الروسية كيريل فقد قال في بيان رسمي "لقد اتخذت روسيا قرارا مسؤولا باستخدام القوة العسكرية لحماية الشعب السوري من المعاناة التي يلحقها بهم الإرهابيون"، وأضاف: "إن المسيحيين ورجال الدين منهم يتعرضون في المنطقة للخطف وتدمير كنائسهم"، مما يبرر الحرب الروسية "المقدسة" في سوريا.
إعلان الكنيسة الروسية يعيد إلى الأذهان استعمار فلسطين من قبل فرنسا وبريطانيا التي فرضت حمايتها على الأقليات المسيحية هناك، وفرضت على الدولة العثمانية الضعيفة تقديم تنازلات إلى درجة التخلي عن الولاية عن المسيحيين في فلسطين وسوريا وغيرها من المناطق، مما مهد الطريق لاستعمار العالم العربي وتقاسمه بينهما في اتفاقية سايكس –بيكو الشهيرة. وإسقاط الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية بعد ذلك.
اليوم تقدم الكنيسة الروسية نفس التبريرات السابقة لـ"الحرب المقدسة" التي ترقى إلى درجة إعلان حرب صليبية لحماية المسيحيين والكنائس في سوريا، وبهذا تكون سوريا والمنطقة العربية قد دخلت منعطفا جديدا.
لا شك أن سوريا هي مركز الثقل في المنطقة العربية، وهي القادرة على إنتاج التاريخ وصناعته كما قال المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي، لأنها تقع على خطوط التماس الحضارة بين الأمم، وتشكل رأس الحرب العربية الإسلامية في المواجهة الثقافية الحضارية الدينية مع الأمم الأخرى خاصة أوروبا ومعها روسيا المتربصة دائما بالأرض القديمة "سوريا"، وهذا يفتح الباب أمام صراعات الحضارات واسعا، فما يجري الآن صراع "ثقافي حضاري ديني" إلى جانب المصالح السياسية والإستراتيجية والاقتصادية.
دعوة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إلى "حرب مقدسة" في سوريا، يستدعي مباشرة الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا يعني أن سوريا سوف تتحول إلى مغناطيس لتجميع كل المجاهدين المسلمين من جميع أنحاء العالم لمواجهة "حرب الدب الروسي المقدسة"، كما حدث في أفغانستان، بل إن أفغانستان أقل أهمية بكثير من سوريا، حضاريا واستراتيجيا ودينيا وموقعا، مما سيجعل من الحرب هناك أكثر عنفا وشراسة، وكما هزم الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وتفكك واختفى بعد هزيمته هناك، فإن طموحات روسيا الإمبراطورية سوف تدفن في سوريا، وسوف يتفكك الاتحاد الروسي، وستدخل روسيا في حرب طويلة الأمد مع الإسلام والمسلمين، وهي حرب تشمل حلفاءها في العراق وإيران.
يغيب عن بال موسكو أن "الدب الروسي" يعيش في المناطق الباردة، ويحتاج إلى الثلج الذي هزم نابليون وهتلر، وعندما ينتقل هذا الدب إلى "سوريا الساخنة" فسوف يموت حتما، لأنه يجازف بالدخول إلى بيئة لا تتوفر فيها معايير "البرودة القطبية"، فحرارة القتال في الشام أكبر بكثير من قدرة الدب الروسي على التحمل.
ستنقلب الحرب وبالا على روسيا وإيران، وسوف تتحول سوريا إلى "ثقب أسود" سوف يبتلع الجيش الروسي واقتصاد روسيا المنهك، والعدد القليل من الشباب الروسي، المعرض للانقراض بسبب قلة الولادات. وستكون الورطة الروسية هناك مفصلا يغير تاريخ الكرة الأرضية، حتى لو اطمأن الروس إلى صفقتهم مع أمريكا لتقاسم سوريا والعالم العربي مجددا.
التاريخ لن يعيد نفسه يا موسكو، والتاريخ لن يستدير إلى الوراء، لقد تعلم العرب دروس الماضي، ولن يسمحوا بارتكاب نفس الأخطاء التي حدثت خلال القرن الماضي، ولن يستقر لأي نظام عربي يدعم الاحتلال الروسي – الأمريكي قرار في العالم العربي.