الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حروب التقسيم في الشرق الأوسط

حروب التقسيم في الشرق الأوسط

01.12.2015
داود البصري



الشرق القطرية
الاثنين 30/11/2015
حينما يتحدث الساسة البريطانيون في شؤون وشجون المنطقة، فعلى الجميع الإنصات والتحلي بالصبر، ومراقبة الموقف، وتوقع مختلف السيناريوهات الكارثية، فحقائق الإستراتيجيا والتاريخ وحتى السوسيالوجيا تعطي للبريطانيين الأسبقية والأهمية في تقرير شؤون المنطقة، ومعرفة طبيعة السيناريوهات المخفية أو المكشوفة أو التي في طور الإعداد في مطبخ السياسة الدولية، لقد كان لبريطانيا رغم انحسار قوتها العسكرية وسطوتها السياسية ولا يزال دور مركزي وجوهري وتاريخي في صناعة ورسم الشرق الأوسط خلال وبعد الحرب الكونية الأولى التي أفرزت عالما وحدودا ودولا وكيانات قدر لبعضها أن تلعب أدوارا إستراتيجية متميزة في تاريخ العالم، وكانت لبريطانيا اليد الطولى في تقرير الحدود وصناعة الممالك والدول، فالعراق مثلا صناعة بريطانية محضة منذ أن قرر مؤتمر القاهرة عام 1921 قيام الدول المستقلة ووضعها تحت الانتداب والتي كانت من أملاك الدولة العثمانية التي تهاوت بالكامل بعد الحرب، وكان لاتفاقية سايكس/بيكو الشهيرة لعام 1916 فعل السحر في رسم شرق أوسط قامت به دول وممالك على أنقاض التركة العثمانية، لقد كانت تلك الاتفاقية (الجنتلمان) بين ممثلي الاستعمار البريطاني والفرنسي من أشهر الاتفاقيات التي رسمت وبالدماء الحدود بين شعوب كانت لقرون طويلة لا تعرف الحدود والسدود فيما بينها وتعيش في فضاءات مفتوحة تحت ظل إمبراطوريات نال منها الزمان وغربت شمسها، واليوم وفي ظل التحولات السياسية والتاريخية الكبرى في المنطقة، ومع ازدياد وتيرة التوتر بسبب المشاريع السياسية المختلفة والمتناقضة وتصاعد الحروب المتنقلة في المنطقة وحالات التشابك بين الأفكار والرؤى والتطلعات، خرج البريطانيون عن صمتهم من خلال الإشارات الواضحة التي أطلقها وزير الخارجية البريطانية السابق وليم هيج حول عدم قدسية اتفاقية سايكس/بيكو ووصولها لمرحلة التلاشي في ظل الحرب الكونية المعلنة على الإرهاب ومواجهة تمدد (تنظيم الدولة الإسلامية)، وهو العنوان الذي كان مدخلا لتدخل أوروبي/أمريكي واسع النطاق في الشرق العربي الإسلامي الذي يغلي بنيران الثورة واستبداد الدكتاتورية وحيث أفرزت الثورة السورية المندلعة منذ خمسة أعوام واقعا مأساويا تمثل في تمكن النظام من استمرار حملات الإبادة ضد شعبه، مدعوما بقوى إقليمية ودولية كإيران وروسيا تحاربان من أجل مصالحهما الخاصة على حساب الدماء السورية، حتى تحولت الأرض والسماء السورية اليوم لساحة معركة دولية تهدد بانتشار النزاع على مستوى كوني.
وبعيدا عن الإغراق في التفاصيل والمنعطفات التاريخية، فإن إعلان الدبلوماسي البريطاني السابق (هيج) الصريح عن نهاية سايكس/بيكو يعني في المحصلة العملية إعادة رسم خرائط للدول المركزية في المنطقة وبما قد يخلخل كل قواعد التوازن السياسي الإقليمي الذي تعزز بعد الحرب العالمية الثانية وأنتج الواقع السائد حاليا، دون شك، فإن النظام الإرهابي السوري وبرعاية روسية إيرانية يعمل جاهدا من أجل تقسيم سوريا وإطلاق دولة الساحل التي لطالما سعى لها البعض في أوقات سابقة، إضافة لحالة التقسيم الواقعية وغير المعلنة التي يعيشها العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 والذي أنتج عملية سياسية فاشلة وكسيحة وأتاح المجال لاندلاع حرب أهلية طائفية منذ عام 2005 لم تزل مستمرة حتى اليوم وبشكل مروع جعل من العراق حالة فشل رهيبة لأحزاب طائفية رثة نشأت في لجة الفشل والفوضى، فالعراق اليوم هو المرشح الأول والبارز لتقسيم وتغيير الخرائط، والحروب الطائفية الدائرة فيه قد رسمت للأسف حدودا بالدم لشعب كان ذات يوم يقود مسيرة التحضر في المنطقة، فإذا به اليوم قد انقسم شيعا وطوائف وعشائر متصارعة وبلا هدف حقيقي سوى الضياع التام.
أما الحالة السورية فهي لا تختلف عن العراقية، ولكن الأخطر في ملفات حروب التقسيم هو الإعلان الواضح عن احتمال تدخل قوات غربية في حرب برية واسعة المدى تحت شعار مكافحة الإرهاب تكون الأساس في فرض خريطة تقسيمية جديدة لن تنجو منها جميع دول المنطقة!.
الشرق القديم يقف اليوم على أعتاب منعطف هو الأخطر في تاريخه المعاصر، فحروب التقسيم قد أطلت بقرونها، وكل الاحتمالات متاحة وممكنة... وكارثية أيضا