الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حروب التقسيم في الشرق القديم؟

حروب التقسيم في الشرق القديم؟

18.02.2016
داود البصري



الشرق القطرية
الاربعاء 17/2/2016
وسط غبار المعارك الدائرة في الساحتين العراقية والسورية، وفي خضم تلاحم وتشابك مختلف الأطراف المتصارعة في المنطقة، تدور معركة شرسة لتقرير المستقبل الجيوسياسي للمنطقة، عمادها وأساسها تغيير الخرائط والحدود وحتى الدول في فرصة تاريخية يعتبرها بعض الأطراف سانحة ولن تتكرر كثيرا إن أفلت منهم الزمام!، ولعل في حركة الجيوش في المنطقة وزحام المعارك، وشدة المناورات ما يدعم بأن قوة الزخم القائمة حاليا هي تعبير عن شكل شرس من حروب الإرادة الجارية في المنطقة.
لقد طرأت تغييرات جمة على النظام السياسي العربي في المرحلة التي أعقبت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 والتي كانت آخر حرب توحيدية تجمعت فيها جيوش العرب المركزية في معركة واحدة تمت إدارة مراحلها الأولى بنجاح قبل أن تتغير الموازين، وتتشابك أوراق الصراع بعد الدخول في عمليات تسوية سياسية كرست الانقسام العربي مع ما رافق ذلك من تفعيل لسيناريوهات الحروب الأهلية الداخلية والتي بدأت مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في إبريل 1975 والتي امتدت لخمسة عشر عاما مرت خلالها كثير من الدماء والمياه تحت كل الجسور، وتغير معها شكل العالم العربي بعد التورط في حروب إقليمية كبرى كالحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988) والتي أعقبتها مباشرة مأساة غزو دولة الكويت عام 1990 والتي كانت البوابة الكبرى لانبثاق ما كان يسمى حينذاك بـ "النظام العالمي الجديد" الذي نتج عنه انهيار المعسكر الاشتراكي بالكامل وانقسامه وبروز الدول المستقلة مع ما صاحب ذلك من متغيرات وقيام أوروبا الجديدة بعد انهيار سور برلين وتوحيد الألمانيتين. اليوم من الشمال العراقي بدأت حروب الخنادق العميقة الممهدة لتطورات مستقبلية كبرى!، فقد حفرت حكومة إقليم كردستان العراق خندقا كبيرا على امتداد 400 كلم وبعرض مترين وبعمق ثلاثة أمتار لعزل كردستان العراق تحت ذريعة الحماية الأمنية من هجمات تنظيم الدولة!، وبنفس المبرر السابق بنت حكومة بغداد أسوارا تعزل العاصمة العراقية عن حزامها وتتمدد نحو مناطق مجاورة! في خطوات عزل وتقسيم طائفية واضحة المباني والمعاني!، يترافق ذلك كله مع الدعوات الصاخبة في الساحة العراقية لإقامة الأقاليم ودعوة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني المنتهية ولايته الدستورية الموجهة للأكراد لاستفتاء لتقرير المصير، وهو الإجراء الذي عارضه الاتحاد الأوروبي صراحة لكونه سيعجل حتما بتقسيم العراق وتفتيته في مرحلة هو أحوج ما يكون فيها للتوحد لمواجهة متطلبات الحرب ضد الإرهاب!، وهي حرب متحولة طويلة وشرسة! تحمل معها مفاجآت كبرى، وفي الساحة السورية وبعد توضح أبعاد الحلف "الفاشي- الروسي- الإيراني" يبدو جليا أن إدارة معركة بقاء نظام بشار قد دخلت في مرحلة حرجة بعد زيادة التورط الروسي في حرب إبادة السوريين، وبعد النسبة الهائلة من الخسائر البشرية التي تكبدتها الآلة العسكرية الإيرانية في مهامها "الاستشارية"!! كما تقول في المدن السورية، وأخيرا تورط جماعات كردية مسلحة سورية يعتمد عليها النظام في الداخل في استدراج الجانب التركي والذي يعتبر تحرك الأكراد في سوريا بمثابة خط أحمر وخطير لمنهجية الأمن القومي التركي، وهو ما أكده رئيس الحكومة التركية داود أوغلو من أنهم سيتحركون في سوريا كما تحركوا سابقا في العراق، وهو يقصد الدخول التركي في شمال العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي لقتال حزب العمال الكردي المحظور . أما الدخول العربي الخليجي على خط الأزمة لمحاولة مساعدة الشعب السوري وحمايته من الإبادة الروسية تحديدا فهو مؤشر قوي على سعي الخليجيين لحماية الوحدة الوطنية السورية من مغامرات قذرة وسيئة وتقسيمية يمهد ويعد لها النظام السوري كحل نهائي قبل سقوطه الحتمي! وهو عمله الحثيث لتقسيم سوريا وإقامة الكيان العلوي المحمي روسيا وإيرانيا في الساحل السوري!!، وهو احتمال قوي باتت مؤشرات النظام المهزوم تتجه نحوه كبديل عن الهزيمة الكاملة في دمشق!.
المنطقة اليوم أضحت كقطعة الحلوى معرضة لسكاكين التقسيم ولتغيير الخرائط بشكل مرعب، وسعي المخلصين من أبناء الأمة لنصرة قوى الحرية والتقدم والسلام هو ما سيضمن إجهاض كل المخططات التقسيمية السوداء.