الرئيسة \  مشاركات  \  حزب البعث السوري والصعود إلى الصفر

حزب البعث السوري والصعود إلى الصفر

03.03.2016
د. محمد أحمد الزعبي




استعرت من الكاتب الفلسطيني فيصل حوراني عنوان كتابه "الصعود إلى الصفر" والذي تدور وقائعه أيضا حول الوضع السوري . هذا ويقف وراء اختياري لهذا العنوان سببان ، الأول ، هو تلك المسرحيات الهزلية والمضحكة لبشار الأسد وأعني بها مسرحيات الانتخابات الرئاسية !! ( ماي 2014 ) والانتخابات البرلمانية !! التي أعلن عن موعدها ( أفريل 2016 ) ، والثاني ،هو الأوضاع والمستجدات السياسية والاجتماعية والميدانية المؤلمة ،التي تحصد فيها أسلحة بشار الأسد وشبيحته ، وسوخوي بوتن ، وعمائم ولي الفقيه وحسن نصر الله ، كل يوم بل وكل ساعة أرواح عشرات المواطنين السوريين (من 60 إلى 80 قتيلاً يومياً / قبل وقف الأعمال العدائية /حسب ما قاله ديمستورا اليوم ) الذين كانوا كلهم من المدنيين ، وأكثر من نصفهم من الأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وطالبوا ( فقط ) بحقهم في الحرية والكرامة .
 
وبما أن لحزب البعث "حصة الأسد" ! فيما وصلت إليه الأوضاع المفزعة والمؤلمة في سورية ، بغض النظر عن نوع وعن حجم هذه الحصة ، فقد وجدت أن من واجبي كعارف بدواخل هذا الحزب ، بل وكشريك سياسي في مرحلة ما من مراحل هذا الصعود إلى الصفر ، أن أقول شيئاً حول هذا الموضوع ، وبالتحديد حول المحطات الرئيسية في هذه المسيرة المأساوية للحزب ، ولاسيما في بلد المنشأ ( سورية ) ، والتي سمحت للشعب السوري بإدانة مسيرة حزب البعث منذ 1963 وحتى اليوم ، جملة وتفصيلاً ، دون التوقف عند مايطرحه البعض من عدم علاقة هذا الحزب بنظام عائلة الأسد ، وبالتالي بكل ماجرى ويجري في سورية .
إن ماأرغب توكيده هنا هو أنه :
إذا كان عام 1947 ، يعتبر عام الانطلاق الرسمي لـ " حزب البعث العربي " وعام 1953 هو عام الإندماج بين البعث العربي والعربي الإشتراكي وبالتالي تشكيل " حزب البعث العربي الإشتراكي " ،فإن عام 1958 ، يمثل بنظري ، عام بداية النهاية لهذا الحزب ، في بلد المنشأ " سورية " حيث تم حل كافة الأحزاب في سورية عام 1958، ومنها حزب البعث ، وذلك في إطار ج ع م . وعندما استأنف الحزب نشاطه التنظيمي والسياسي في سورية ، جزئياً في مرحة الإنفصال ( 1961 ــ 1963 ) ، وكلياً بعد الثامن من آذار 1963 ، وضع مجموعة معروفة من الضباط البعثيين (!!) يدهم على السلطة في سورية ، وبات كلٌّ من الحزب والجيش والحكم رهن فوهات بنادقهم ، وهو ما مثّل عملياً بداية النهاية لدور الحزب في سوريا ، والذي توقف جزئياً عام 1963 ، وكلّياً عام 1970 . وتعتبر أبرز المحطات في مرحلة صعود حزب البعث إلى الصفر هي :
1. تراجع الحزب عن الوحدة مع مصر ( ج ع م ) ، بل ودعمه الإنفصال عام 1961 سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وبغض النظر عن التفاوت في مواقف قادته الثلاثة ( ميشيل عفلق ، صلاح الدين البيطار، أكرم الحوراني ) من هذا الإنفصال. هذا مع العلم أن هذا التراجع عن الوحدة مع مصر ، قد أخذ داخل الحزب صورة صراع حول مسألة الأولوية في ثلاثية ( الوحدة والحرية والاشتراكية ) ، وهل هي للوحدة أم للحرية أم للاشتراكية ؟ وأدّى بالتالي إلى انقسام الحزب وتفتته ( بين ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار ، وأكرم الحوراني ، وجمال عبد الناصر ، ولاحقاً صدام حسين وصلاح جديد وحافظ الأسد ، وبعث اليمن الجنوبي ) . إن مايعرفه القاصي والداني أن ثورة الثامن من آذار 1963 ،قامت بالتحالف بين الضباط البعثيين وزملائهم الضباط الناصريين في الجيش من أجل إنهاء الإنفصال وإعادة الوحدة ، وكانت النتيجة أن حزب البعث السوري بجناحيه العسكري والمدني قد انقلب على كل من الوحدة والناصريين معاُ ، ولا سيما بعد فشل محاولة جاسم علوان الإنقلابية في 18 تموز 1963 . والتي جرى استغلالها لتسريح مئات الضباط الناصريين من الجيش ،
2. تراجع الحزب عن شعار الحرية ، بعد الثامن من آذار 1963 ، حيث تم التخلي عن الديموقراطية لصالح نظام حكم الحزب الواحد ( الحكم الشمولي ) ، ولصالح استمرار العمل بقانون الطوارئ الذي سبق أن سنّه الإنفصاليون عام 1962 ،
3. استخدامه قانون الطوارئ في قمع " الرأي الآخر " ، والذي تجلى في أوضح صوره في طريقة تعامل الحزب مع أحداث حماه الأولى 1964 ، ومع إضراب تجار دمشق في تلك الفترة ، وأيضاً مع بعض اليساريين الذين انتقدوا تلك الممارسات ، مثل الدكتور المرحوم ( جورج حبش ) ،
4. انقلاب القيادة القطرية العسكري – نصف الطائفي ــ ، على القيادة القومية ، في 23 شباط عام 1966 ،والذي قاده اللواء صلاح جديد ، تحت ذريعة ادعاء الصراع بين اليمين واليسار في الحزب ( !! ) ، مستغلاًّ الميول اليسارية عند بعض الحزبيين الشباب ، وتجنيدهم ، ضد القيادة التاريخية للحزب ، ولا سيما ضد الأستاذ ميشيل عقلق
5. انقلاب حافظ الأسد العسكري ــ الطائفي ــ على شركائه في حركة 23 شباط 1966 في ( 16.11.1970 )وزجه معظم اعضاء القيادتين القومية والقطرية الشباطيتين في السجن ، أكثر من عقدين من الزمن ، دونما سؤال أو جواب ، ( كنت من جهتي قد غادرت سفينة الحزب( استقلت)قبل حركة حافظ " التصحيحية !!"ولذلك لم أكن بين من سجنهم ) .
6. تصفية حافظ الأسد لكل من اللواء محمد عمران ، واللواء صلاح جديد ، لكي يظل ( وهذا من وجهة نظري الخاصة ) هو المرجع الوحيد للطائفة العلوية مدنياً وعسكرياً ،
7. محاولة حافظ الأسد ، المزج بين " اليسار " و " الطائفية " ،والذي كان عبارة خلطة سياسية عجيبة وغير مسبوقة أدت إلى تذويب اليسار السوري ، ولا سيما الحزب الشيوعي (خالد بكداش ويوسف الفيصل ) وجزء من الناصريين في أتون نظام عائلة الأسد الديكتاتوري ، في إطار ماسمي " الجبهة الوطنية التقدمية !! " ،
8. هزيمة حرب حزيران 1967 ، والتي انتهت باحتلال إسرائيل لهضبة الجولان ، ولعاصمتها مدينة القنيطرة ، والتي أعلنت " إسرائيل " رسمياً ضمها رسمياً إلى كيانها عام 1981 ،
9. البلاغ العسكري المشبوه رقم 66 الشهير الذي أعلن عن سقوط مدينة القنيطرة بيد إسرائل قبل سقوطها الفعلي ، ( أنظر محمد أحمد الزعبي ، خواطر شاهد عيان ، الخاطرة الثالثة ، الحوار المتمدن 22.08.2011 ) و(الخاطرة الثانية ، حول موقف المرحوم زكي الأرسوزي من هزيمة النظام السوري عام 1967 ، نفس المرجع ) ،
10. اعتراف نظام البعث في سوريا باسرائيل والمتضمن في القرار 242 ، الصادر عن مجلس الأمن الدولي ، بتاريخ 22.11.67 ، وأيضاً في القرار 338 تاريخ 22.10.1973 واللذان ينطويان بصورة لالبس فيها على هذا الإعتراف تحت مسمى " الأرض مقابل السلام " ، ولعل هذا هو مايمثل السبب الرئيسي ـ حسب تقديرنا ـ لصمت النظام على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان والمستمر منذ 1967 ( كان حافظ وزيراً للدفاع ) وحتى اليوم ، ( تاريخ هذه المقالة )
 
11. لقد وضع المؤتمر القومي السادس 1963 بتبنيه ل "بعض المنطلقات النظرية " (التي صاغها شخصان غير بعثيين هما المرحومين الياس مرقص وياسين الحافظ) كبديل أيديولوجي ل "دستور عام 1947" العفلقي ، حجر الأساس لإلباس الصراع الحزبي ثوب اليمين واليسار ، وبالتالي ل" حركة 23 شباط 1966 "، التي وضعت بدورها حجر الأساس ل "الحركة التصحيحية "الانقلابية التي نفذها حافظ الأسد عام 1970. أي لانتصار العسكريين بقيادة حافظ الأسد على المدنيين بقيادة نور الدين الأتاسي ويوسف زعين وصلاح جديد ( إضافة إلى عدد كبير من أعضاء قيادتي حزب حركة 23 شباط القومية والقطرية )، وزجهم في سجن المزة العسكري قرابة ربع قرن دون سؤال أو جواب ، بل والتصفية الجسدية لكل من نور الدين الأتاسي وصلاح جديد داخل السجن ، إضافة إلى اللواء أحمد سويداني الذي توفي بعد بضعة أشهر من خروجه من السجن . هذا مع العلم أن حافظ الأسد كان من أبرز المخططين والمنفذين لحركة 23 شباط عام 1966 .
12. تعتبر حرب حزيران عام 1967 إذن ، الحلقة الأخيرة التي كانت تربط بين حافظ الأسد وحزب البعث ، حيث بدأ الصراع الحزبي العلني بين المدنيين والعسكريين في سباق الصعود إلى الصفر ،والذي أدى إلى انتحار عبد الكريم الجندي ، وانتهى أخيراً بانقلاب حافظ الأسد العسكري الطائفي عام 1970 ، وإنهاء دور الحزب بصورة كاملة وتقع مسؤولية الاستمرار في المآسي والمصائب التي شهدتها وتشهدها سورية ، بعد هذه المرحلة ، على عاتق نظام الأسدين ( الأب ثم الإبن ) بصورة أساسية . بيد أن الكثيرين ، ظلوا يحسبونها عملياً على حزب البعث ككل معتبرين إيّاه المسؤول ( بالتكافل والتضامن ) عن كل ما ألمّ بسوريا منذ 1963 وحتى يومنا هذا من مصائب وكوارث ، ولا سيما أن حركة حافظ الأسد التصحيحية عام 1970 ، كانت بنظر هذا الشعب الإبن الشرعي لمرحلة الحمل التي سبقتها ، بين 1963و1970 (أ نظر محمد الزعبي ، بين الخديعة والخطيئة خيط رفيع ،الحوارالمتمدن 8/4/2015
13. وتعتبر مسرحية " الانتخابات " التي ،يمثلها بشار 2014 فوق خرائب ماسلم من براميل طائراته ومن صواريخه ومن قتله السجناء المعارضين تحت التعذيب ، والتي أعطته حتى اليوم لقب " الرئيس الشرعي !! " الخطوة الأكبر والأقذر في هذه المسيرة الدموية المؤلمة التي شهدتها وتشهدها سورية منذ ستينات القرن الماضي وحتى هذه الساعة ، ولعله من حق كل من يسمع بأمر هذه المسخرة الإنتخابية ، (الإنتخابات الرئاسية !! التي جرت في سورية 2014 ، والبرلمانية !! التي يمكن أن تجري في أبريل 2016 ) أن يفغر فاه ويصيح : يالوقاحة هذا الرجل ،الذي يؤكد بسلوكه القذر هذا صحة المثل الشعبي القائل " الولد سر أبيه " !!.، ولست أدري فيما إذا كان بشار سيعيد عام 2016 مسخرة عام 2014 منفرداً ، أم مدفوعاً من قبل الآخرين ؟؟ . أعترف للقارئ الكريم ، أن تساؤلي هنا ليس بريئاً !!.
 
14. إن ما يمكن توكيده في ختام هذه المقالة ،هو أن حزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا ، قد وصل في صعوده إلى الصفر ، أي أنه لم يعد موجوداً في سوريا بعد عام 1970 ، والموجود هو نظام عسكري طائفي ديكتاتوري ، مرجعيته في طهران وليست في دمشق أو بغداد . الفكر القومي العربي لابد وأن يظل حياً ، ولا بد أن يعيد بناء نفسه من جديد ، وعلى أيدي شباب الربيع العربي ، شباب ثورة آذار 2011 الذين تقع عليهم اليوم مسؤولية إحياء نشيد آبائهم ، وملؤه بالمضمون القومي الحقيقي :
 بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان .
 ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان