الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حزب الله… كيف دفنت القداسة؟

حزب الله… كيف دفنت القداسة؟

13.03.2014
مهند حسن


القدس العربي
الاربعاء 12/3/2014
في الأنباء أن حزب الله زج خمسة عشر ألف مقاتل في القلمون السورية، (بعد انتقال المقامات المقدسة على ما يبدو).. وأن قياديين في غرفة العمليات المشتركة قالوا: ‘إن تعليمات أمين عام الحزب واضحة بعدم استعجال النصر والتروي في التقدم للحد من الخسائر، لأن النتيجة نفسها بغض النظر عن العامل الزمني’. ينبغي التوقف عند مسألة الاهتمام بالحد من الخسائر، لأنها تكشف ما ينبغي إخفاؤه. برزت فكرة الحد من الخسائر البشرية أولاً، بعد تضاؤل حماسة شعوب الدول الغربية بشكل خاص نحو الحروب، ومبادرة مواطنيها إلى اسقاط حكوماتهم العدوانية عبر صناديق الاقتراع.
وبدأ بعض المفكرين ينشرون دراسات تسخر من فكرة خوض الحروب بعد نزع الخطر من الذهاب إلى ميادينها، ومحاولة المعتدين ابتكار أعتى الاساليب والاختراعات من أجل إنزال أفدح الخسائر بالخصم وحماية ‘أولادنا المقاتلين’ من خطر الموت. وصل هذا المفهوم إلى منطقتنا في عاصفة الصحراء وحرب تحرير الكويت، كذلك كانت نوايا اسرائيل في يوليو/تموز 2006 إثر وقوع قيادة الحزب في كمين الحرب الوقائية الإسرائيلية بواسطة الدورية التعيسة الشهيرة. فلماذا تريد قيادة الحزب تقليد تلك الأساليب؟ ذلك أن حماسة بيئتها الحاضنة الحربية تتزايد، كما أن صناديق الاقتراع لا تتدخل في اختيار قيادات الحزب، فهؤلاء يأتون بمشيئة الله ويرحلون بمشيئته، إلا إذا حدثت تبدلات في هذا الشأن لا نعرفها. ماذا نفهم من فكرة ‘عدم استعجال النصر لأن النتيجة ستكون واحدة ‘؟ بعد أن أعلن خبراء غرفة العمليات المشتركة على غير عادتهم، أنه لم يسقط إلا تسعة شهداء وواحد وعشرون جريحاً في عشرة أيام من العمليات، في حين سقط في القصير 250 مقاتلاً بين شهيد وجريح. الواضح أن قيادة الحزب اكتشفت ضرورة تحميل بيئتها الحاضنة رغم حماستها للحرب في سوريا الخسائر البشرية تقسيطاً، لأن الخسائر الأخرى يوجد من يتحملها، ومنها ثمن دماء الشهداء وتعويضات عائلاتهم . يوم قيل لقيادة الحزب إن البيئة الحاضنة اهتزت بعنف بعد القصير، رفضت قبول تأثر معنويات البيئة سلبياً، فلماذا جاءت الأوامر بعدم استعجال النصر، إذا لم نضع في حسابنا أنه من عند الله يؤته من يشاء ومتى أراد؟
يقول خبراء عسكريون لا ينتمون إلى غرفة العمليات المشتركة، إن التريث في ميادين الوغى، إذا كنا مهاجمين يتحول إلى ما يسمى بحرب الاستنزاف، حيث يتبادل الخصمان نزيف الدم إلى ان يقضي الله أمراً تعرفه قيادة الحزب بلا ريب.
فهل من الحكمة إطالة أمر إبقاء المقاتلين في الميدان، بما يسهم في زيادة احتمال تعرضهم للخطر، وتأثر معنوياتهم ببعدهم عن عائلاتهم؟ عندنا كثير مما يقال في هذا الموضوع مما لا يسر قيادة الحزب نخفيه عامدين .
ادرك خبراء غرفة العمليات اصحاب تكتيك النزف البطيء في يبرود، بديلاً للنزف السريع في القصير، قمة في الفن العسكري عندما أضافوا:’ان حزب الله يستخدم تكتيكات جديدة في بقعة جغرافية واسعة ومعقدة، لتكون مثالاً حاضراً في المستقبل في أي عمل قتالي ضد العدو الإسرائيلي والأعداء المفترضين من تكفيريين وغيرهم ..’. هنا صاح المريب خذوني رجاء وغلوني كي لا أتفوه بحماقات، لأنني افترضت أن كفاءة التكفيريين وسوية تدريبهم ونوعية تسليحهم تكسب مقاتلي الحزب خبرات نادرة تفيدهم في قتالهم ضد عسكر إسرائيل اللاهين بالعاب الفيديو. وهذا ناجم عن يقين المحازبين بأنهم يقاتلون جنوداً إسرائيليين موهوا أنفسهم بهيئة التكفيريين.
نحب أن نلفت نظر هؤلاء الخبراء الى أن طبيعة أرض منطقة القلمون تختلف عن طبيعة الجليل الذي يعلن قائد الحزب أنه سيجتاحه قريباً، إلا إذا قرر تحرير النقب، لأن بعض مناطقه تشبه القلمون السوري.. بعضها لا كلها. فكثافة السكان والساتر النباتي وطرق المواصلات وعناصر البنية التحتية الأخرى، لا تشبه نهائياً طبيعة القلمون السوري.
كما ينبغي تذكير خبراء غرفة العمليات المشتركة، أن إسرائيل لا تجلس مكتوفة اليدين في انتظار تشريفهم. هل تناسوا كم مرة أعلنت إسرائيل، ردا على تهديدات قائد الحزب، أن كل حرب جديدة لن تشبه سابقاتها؟ وأظنهم فهموا المقصود فانضبطوا بعد كمين 2006، صاروا يبادرون إلى التبرؤ من كل صاروخ يطلقه عملاء حليفهم المعروف على الأراضى المحتلة. حتى أن إسرائيل كانت تسارع إلى تبرئه الحزب من المسؤوليه قبل أن يعلنها هو نفسه. مع ذلك فنحن نتمنى قدوم اليوم الذي يغادر فيه الحزب أرض سوريا ، بعد اكتساب خبرات قتالية ستصيب اسرائيل بالندم على وجودها هنا.
تدعو بيانات حزب الله كلها إلى الارتياح لأنها تكشف ما لا يريد. ومن هذا القبيل ما نُشر نقلاً عنه بشأن غارة جوية إسرائيلية ليل الاثنين الرابع والعشرين من فبراير/شباط، على جرود جنتا والنبي شيت. يدعو ما قرأناه إلى العجب لأسباب منها:
أولاً قالت المصادر القريبة من حزب الله، ‘في الساعات الأولى التي أعقبت الغارتين حصل استنفار عام على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لاعتقاد الحزب أن إسرائيل تتدخل لمصلحة المعارضة السورية، منعاً لانهيارها في جبهة القلمون، وأن الهدف بدا للوهلة الأولى محاولة إسرائيلية لإعادة التعادل في موازين القوى في سوريا’. نفهم من هذه الصراحة أن الحزب الذي أرسل اكثر رجاله عدداً وأفضلهم تدريباً إلى سوريا، لابد له من أن يُضعِف جبهته مع ‘العدو التاريخي’. ويقضي المنطق العسكري أن تكون القوات الباقية هنا على أهبة الاستعداد الدائم، تحسباً لأية مفاجأة، فإذا بها في حالة عادية، ولم تستنفر إلا بعد الضربة الإسرائيلية في الشرق، لاطمئنان القيادة إلى أن إسرائيل لن تهاجم هنا، طوال قتاله هناك، لأنه يقوم بمهمة تخدم استراتيجيتها، لمنع انهيار النظام لا المعارضة. أليس هذا هو السبب الأول لبقاء النظام؟ واسألوا أوباما وبوتين إذا كنتم لا تؤمنون..
فكم مرة قالا للدنيا كلها إن أمن إسرائيل يأتي قبل الأهداف الأخرى لكل منهما. فهل كانا صَبرا ثلاث سنوات على تهديد أمن قاعدتهما المشتركة في بلادنا؟
ثانياً – أضافت المصادر القريبة من الحزب: ‘ الظاهر أن الهدف من الغارتين لم يكن مساعدة الثوار في القلمون، بل ضرب أهداف ما زالت مجهولة’.
هل يعقل هذا الكلام الصادر عن قيادة كهنوتية عسكرية لحزب مسلح ومقاتل، فيقال بعد ساعات من تعرض بعض مواقعها لقصف، أن الأهداف مازالت مجهولة؟ لن يصدق أحد هذا التجاهل ولا هذه المجهولية، فالواضح أن العمائم واللحى لما تعسكرت راحت تمارس التضليل على عادة إعلام العسكريتاريا العربية منذ أكثر من نصف قرن.
ثالثاً أشارت الأوساط نفسها إلى ‘أن الحزب تصرف في تعاطيه مع هذا التطور من موقع تحذيري بأن القوات التي تشارك في سوريا مختلفة تماماً عن القوات الموجودة في لبنان ‘ما هو هذا الاختلاف؟ هل هو في الشكل أم في الموضوع ؟ ألم يقل قياديو غرفة العمليات المشتركة بالأمس ان الحزب يستخدم تكتيكات جديدة في القلمون، لتكون مثالاً حاضراً في المستقبل إذا قاتل إسرائيل؟ فهل نفهم أن رجال الحزب في لبنان اليوم غير مدربين على قتال الإسرائيليين، إلا بعد مشاركتهم في العدوان على سوريا؟
لنفترض أن إسرائيل كما ظنت قيادة الحزب أثناء الغارة كانت تتدخل لمنع انهيار المعارضة السورية ، فماذا كان بوسع الحزب القيام به؟ هل كان سيطلق رشقات من الصواريخ على أهداف في إسرائيل، أم كان سيأمر قواته باقتحام الجليل؟.. ربما كان سيهاجم ليحرر الجولان. من هنا نعرف أن الحزب لديه خَيارات متنوعة يقف متردداً أمام تفضيل هذا الخَيار أو ذاك. ولما كان تكتيكه الجديد ‘التريث وعدم استعجال النصر والتروي للحد من الخسائر لأن النتيجة ستكون واحدة مهما طال الزمن’، ألا يكون من الأفضل التركيز على جبهة البيان الوزاري، بتفجير الأضحوكة الثلاثية ‘الشعب والجيش والمقاومة’، أو اجتراح الحق في مقاومة إسرائيل، وهو سخرية جديدة تبرهن على أن الكاهن إذا تعسكر، كالضابط إذا تكهن، فالنتيجة واحدة في الحالين .
هل هنالك جدوى من توجيه هذا السؤال إليهم: لماذا لا ترتاحون وتريحون وتنصرفون إلى تجارتكم الرابحة في الوساطة بين الناس والله.. الذي صادرتم اسمه ظلماً وعدواناً.
‘ كاتب سوري