الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حزب الله إذ يرد في المكان والوقت المناسبين

حزب الله إذ يرد في المكان والوقت المناسبين

02.02.2015
حسن شامي



الحياة
الاحد 1-2-2015
الحرب سجال. ينطبق هذا التوصيف على حال المواجهة الدورية بين "حزب الله" اللبناني ذي التموضع الإقليمي المعلن وبين الدولة العبرية. لا حاجة للقول إن هذه المواجهة تحفل بكافة تلوينات ودرجات الوضعيات الحربية وحركيتها المتصلة حتى في فترات البرودة أو الفتور.
فبعد عشرة أيام على العملية الإسرائيلية التي استهدفت في القنيطرة السورية موكباً عسكرياً وأدّت إلى مقتل ستة من كوادر "حزب الله" إضافة إلى جنرال إيراني في الحرس الثوري، ردّ حزب الله بعملية نوعية داخل مزارع شبعا المحتلة. حصول العملية بعد عشرة أيام فقط حسم الجدل حول صدقية مقولة "الرد في الوقت والمكان المناسبين"، وهي مقولة تصلح للتندر في عرف الشامتين خصوصاً أن النظام السوري اعتاد على استخدامها، والتلطي خلفها، إثر كل عملية عسكرية إسرائيلية استهدفت مواقع داخل الأراضي السورية.
اعترفت إسرائيل حتى الآن بمقتل عسكريين اثنين أحدهما ضابط برتبة رائد وسبعة جرحى علماً أن صورة المركبتين المحترقتين ترجح الظن بأن يكون عدد المصابين أكثر من المعلن عنه. ومع أن تصريحات القادة الإسرائيليين وردود حزب الله عليها جعلت كثيرين يحبسون أنفاسهم خوفاً من تطور الأمور إلى مواجهة واسعة على غرار ما حصل في صيف 2006، فإن مؤشرات عدة برزت لترجح حظوظ احتواء العملية وإبقائها في إطار قواعد الاشتباك. في مقدم هذه المؤشرات امتناع واشنطن عن إعطاء الضوء الأخضر لحكومة نتانياهو لتوسيع المواجهة وتصعيدها. وكانت الإدارة الأميركية تلقت من إيران، بحسب ما تناقلت الصحف، تبليغاً بأن مقتل الضابط الإيراني في القنيطرة لن يمر من دون ردّ. ومعلوم أن العلاقة بين الرئيس الأميركي أوباما وبين نتانياهو ليست في أحسن أحوالها وإن كان هذا الأخير يحظى في الكونغرس بتأييد واسع إلى حد استضافته قريباً، نكاية بأوباما، لإلقاء واحدة من روائعه الخطابية التي قد تستقبل، كما في السابق، بتصفيق حار واستعراضي يفوق بكثير ما يمكن أن يلقاه جيفرسون أو ويلسون أو حتى أرسطو.
ثمة في لبنان، في بيئاته السياسية والإعلامية، من اعتاد على لغة الابتزاز والإعضال ورفعها إلى مصاف نهج قائم برأسه لمجابهة حزب المقاومة. واعتمد هذا النهج على تقنيتين خطابيتين تتصدران لغة التعبئة والنكاية والتحريض: الشماتة والتهويل. فإذا تعرض الحزب المذكور لضربة إسرائيلية ولم يرد عليها لاعتبارات يفهمها كل من يخوض في الفعل أو العمل السياسي والحربي سيقال بشماتة جاهزة إنه من طينة الأنظمة العاجزة حيال العدو الوطني أو القومي والزاعمة الثبات لفظياً على مواصلة الصراع لتبرير استبداد نخبها واحتكارها للسلطة والدولة في آن.
وإذا ردّ الحزب على الضربة سيقال إنه يجر البلد والمنطقة إلى كارثة. وإذا حقق إنجازاً سيقال إنه حصرم رأيناه. لا يعني هذا بطبيعة الحال أن الحزب المذكور يقيم فوق الشبهات وأنه خارج المساءلة والمحاسبة على أفعاله. فما يفترض أن يصح على كل الحركات والقوى الخائضة في الفعل والنشاط، أي المساءلة والمحاسبة والمراجعة النقدية، يصح على "حزب الله" وعلى أي حزب ينسب لنفسه استراتيجية عمل شامل. ويصح هذا أكثر على حزب يحتل موقعاً على حدة بالمقارنة مع الحركات الإسلامية في المنطقة، بالنظر إلى تعويله على قدر من التجريبية والمرونة في الممارسة من دون التخلي عن منظومته العقائدية. فهو طوى على ما يبدو صفحة البدايات الشمشونية التي تطلب من الواقع المعقد والمركّب وذي التكوين التعددي أن يختزل نفسه إلى مجرد حقل لتطبيق الأوامر والنواهي المتولدة من قراءة حرفية متزمتة للعقيدة الدينية والشريعة الإسلامية. وفي هذا التجريب يتكشف سوسيولوجياً مخزون حيوية مجتمع تعددي مثل المجتمع اللبناني وتمدده بطريقة رجراجة، قد لا تعجب المتشددين، إلى داخل الممارسة الحزبية الإسلامية ومقاربتها لتركيبة البلد والمجتمع والسلطة في لبنان.
هذا الجمع بين العقل والإيمان، بين الفعالية النضالية والاستلهام العقائدي، وإتاحة المجال لاستقبال ضروب مختلفة من التعاطف والتأييد هما في صلب الرأسمال الرمزي الذي حظي به "حزب الله" في طول المنطقة وعرضها. وهذا الرصيد أخذ يتآكل ويتقلص مع اندلاع الانتفاضة السورية وتحولها إلى حرب أهلية وأزمة مستعصية على الحل السياسي. وهذا التآكل لا يعود فحسب إلى مغامرة الحزب في الحرب السورية ومساندته لنظام فئوي عنيف شاءت الأقدار أن يكون حليفاً. فهناك أيضاً اعتبارات وخطط دولية وإقليمية تهدف إلى تدجينه في أفضل الأحوال وإلى تحطيمه في أسوئها ولكن ليس هنا مجال الخوض فيها. يبقى أن هذا التشخيص ضروري لفهم اختيار الحزب لمزارع شبعا المحتلة مكاناً مناسباً للرد على الضربة الإسرائيلية المؤلمة. معظم التقارير والتحليلات كان يتوقع حصول الرد في الجولان السوري. وليس مستبعداً أن تكون القيادة العسكرية الإسرائيلية نفسها قد توقعت هي أيضاً أن يكون الرد هناك أو في مكان آخر غير المزارع.
الوقائع الميدانية تشير إلى فشل إسرائيلي، استخباري وعسكري، في معرفة مكان وزمان الرد. ومن الواضح أن القافلة العسكرية فوجئت بالهجوم المركّز والمدروس بعناية. واختيار المزارع جاء على الأرجح لتفادي حرجين، الأول يخص النظام السوري والثاني يتعلق بتعقيدات المشهد اللبناني واصطفافاته وتزايد الانقسام الأهلي، الطائفي والمذهبي، ناهيك عن التوتر الأمني على خلفية الصراع بين الجيش والجماعات الجهادية المسلحة في جرود عرسال وحولها وفي مناطق أخرى.
فوضعية مزارع شبعا المتنازع عليها، وهي أرض لبنانية محتلة، تتيح للحكومة اللبنانية الالتفاف على القرار الدولي 1701. حتى يمكن لكل الذين زعموا، باسم السيادة والاستقلال اللبنانيين، أن هذه الأرض سورية بحسب فهمهم للقوانين الدولية، وأن مطالبة لبنان بها ليست سوى مسعى سوري لربط النزاع مع إسرائيل فيما هم يتطلعون إلى إقفاله وإن من طريق تنازل مجاني، نكاية بالنظام الأسدي، عن أرض يعلم القاصي والداني أنها لبنانية.
بالمناسبة، من المفيد التذكير بخبر نقلته قبل سنوات قناة فرنسية بعيدة جداً من محور الممانعة. يقول الخبر الذي مرّ مرور الطيف إن الأمم المتحدة تستعد لمطالبة إسرائيل بالانسحاب من مزارع شبعا بعد أن ثبت للجنة التحقيق الدولية الخاصة أنها لبنانية. موضوع العلاقة بين القانون والقوة حكاية أخرى.