الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "حزب الله" على لائحة الإرهاب .. ماذا بعد؟

"حزب الله" على لائحة الإرهاب .. ماذا بعد؟

06.08.2013
د. سعود المولى

المستقبل
الثلاثاء 6/8/2013
قامت دول الاتحاد الأوروبي (بعد دول مجلس التعاون الخليجي) بإعلان "الجناح العسكري" لحزب الله منظمة إرهابية. وبغض النظر عن موقفنا الخاص من حزب الله، وعن تقويمنا السلبي له على المستوى الديني الإسلامي كما المذهبي الشيعي، وبغض النظر عن موقفنا المعارض لسياساته منذ العام 1988، مع استمرار دعمنا السياسي الوطني لجانب من جوانب دوره في لبنان كطرف أساسي في مقاومة أجبرت الاحتلال الصهيوني على الانسحاب محققة أحد أعظم الانتصارات العربية في التاريخ المعاصر، وبغض النظر عن موقفنا من الإرهاب الصهيوني والامبريالي على امتداد تاريخنا العربي الحديث، وعن معنى مقولة الإرهاب التي تتبناها بعض المنظمات الدولية بضغط من أميركا والتي لا تميّز بين الإرهاب وبين المقاومة الوطنية المشروعة.. بغض النظر عن كل ما سبق فإن ما جرى الإعلان عنه هو بحد ذاته تطور خطير!
ذلك أن مجرد طرح الأمر على جدول أعمال هذه التجمعات الإقليمية والدولية الكبرى، ومجرد تبنيه في هذه المحافل، ولو معدلاً من قبل الاتحاد الأوروبي، وكاملاً من قبل مجلس التعاون الخليجي، هو أولاً جرس إنذار أخلاقي خطير، وهو ثانياً جرس تنبيه سياسي أخطر.. وهو ثالثاً مؤشر على مرحلة سياسية جديدة لا يستطيع حزب الله الاستمرار في تجاهل تفاصيلها ودلالاتها.. كما أن هذا التطور الخطير يكشف لنا بوضوح ما بعده وضوح عن تدهور كبير في الوضع العربي من جهة، وعن انهيار أكبر في العلاقات السنية الشيعية والخليجية الإيرانية واللبنانية-اللبنانية من جهة ثانية، الأمر الذي سمح باستفراد حزب الله ووضعه ضمن معادلة جديدة تتطلب منه اجتراح رؤى جديدة والمبادرة إلى سياسات جديدة..
نحن إذاً أمام مفترق طرق لا تكفي معه التصريحات العنترية ولا دفن الرأس في الرمال ولا النوم على حرير التاريخ النضالي.. وهذا يستدعي منا جميعاً المسارعة في اقتراح سبل الخروج بأقل الخسائر..
وعلى مقلب آخر فإن الموضوع يطرح تساؤلات تتعلق بما صار إليه وضع حزب الله اليوم: أين كان الحزب وأين أصبح في الوطن العربي وعند الجماهير العربية؟ مما يستوجب التوقف عنده بنظرة نقدية فاحصة..
فهو تطور خطير بالنسبة لمصطلح المقاومة.. الذي يمثل لنا الكثير ويعني الكثير الكثير للبنانيين والعرب.. والذي سيضيع مع عمومية تعريف مصطلح الإرهاب الذي صارت بعض الدول العربية تتبناه.. في زمن يتمادى فيه إرهاب الدولة الصهيونية.. لا بل وإرهاب الدولة الأميركية..
وهو تطور خطير بالنسبة لعلاقات حزب الله بالعديد من الدول الأوروبية والخليجية. فهذه العلاقات حمت الحزب وحضنته خلال فترات طويلة؛ وهو واجه بواسطتها الضغوط الأميركية المستمرة لإدراجه على لائحة الإرهاب. وبعض الدول الأوروبية (وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والنروج والسويد، وغيرها) كانت لا تزال تقاوم هذا المسعى وتمنع تحقيقه، لا بل هي تحاول اليوم الالتفاف عليه من خلال الفصل بين جناحين سياسي وعسكري. كما أن دولاً خليجية كانت ستقاومه وتمنع تحقيقه لولا التطورات الأخيرة في سوريا ولولا موقف الحزب الذي لم يراعِ المصالح العربية، والخليجية منها تحديداً..
وهو تطور خطير بالنسبة للطائفة الشيعية عموماً، وللبنانيين الشيعة المقيمين في دول أوروبا والخليج العربي خصوصاً، كما ولكل المتعاطفين مع الحزب أو مع أطروحة المقاومة ضد الاحتلال.. ذلك أن هؤلاء المواطنين العرب اللبنانيين الشيعة، العاملين بكدهم وعرق جبينهم والذين يساهمون في دعم عوائلهم ومجتمعهم، وحتى حزبهم، صاروا اليوم موضع تشكيك واتهام. وتتوالى فصول الطرد والترحيل وعدم تجديد الإقامات وإجازات العمل في العديد من الدول ما يشير إلى منحى يتوجب على العقلاء تداركه.
وهو تطور خطير بالنسبة للشيعة العرب المرتبطين وجدانياً وعقائدياً مع إخوانهم اللبنانيين وخصوصاً شيعة الخليج العرب الذين بدأوا يعانون من نتائج هذا الانهيار في العلاقات السنية - الشيعية عموماً والايرانية - الخليجية خصوصاً. وأهم مظاهر ذلك نجده في دولة البحرين.. وفي المنطقة الشرقية من السعودية..
وهو تطور خطير على الوضع اللبناني وتوازناته الداخلية التي تقف اليوم أصلاً على شفير هاوية فظيعة. فالدول التي تعاملت مع الحزب خلال مراحل طويلة من تاريخه، والتي أعطته في محطات كثيرة شرعية عربية ودولية، والتي حمته في محطات أخرى في مواجهة استحقاقات قاسية، هذه الدول تقف اليوم حائرة مرتبكة أمام قوة المطلب الداعي إلى التبرؤ من الحزب وتصنيفه في خانة الإرهاب مع ما لذلك من تبعات وتداعيات على علاقات الحزب والطائفة الشيعية ببقية مكونات المجتمع اللبناني. فهذه الدول ساهمت خلال سنوات ما بعد الطائف، وعبر علاقات رسمية وشبه رسمية مع الحزب، وعبر مساعدات مادية ومعنوية كبيرة لجمعيات ومؤسسات الحزب، وللمناطق والبلديات التي يسيطر عليها، ساهمت في جعل حزب الله قوة سياسية لبنانية أساسية، انطلاقاً من تاريخه المقاوم أولاً، ومن تمثيله لفئات ومصالح شيعية كبيرة لا يُستهان بها ثانياً، ومن حرصها على التوازنات اللبنانية الداخلية ومنع تهميش أي فئة، ثالثاً..
وهذه الدول لا تزال تقيم علاقات رسمية وشبه رسمية مع الحزب وممثليه في لبنان (فرنسا وايطاليا وإسبانيا أساساً، ناهيك عن النروج والسويد والدانمارك، وصولاً إلى ممثلية الاتحاد الأوروبي)، أو تدعو للفصل بين جناح سياسي وجناح عسكري (بريطانيا خصوصاً، وذلك على مقاس تجربتها الإيرلندية وهي التي نجحت في فرض هذا المخرج للاتحاد الأوروبي).. أما الدول الأكثر تشدداً فهي دول أوروبا الشرقية (الشيوعية السابقة، وهي الأكثر ارتباطاً بأميركا) خصوصاً بسبب حادثة بلغاريا، التي ينفي الحزب تورطه فيها.. ودول أخرى موقفها سببه الأساسي دور مزعوم للحزب في شبكات عصابات دولية للقتل ولتبييض الأموال والمخدرات.. كل ذلك أعطى القوة لحجج المؤيدين للمسعى الأميركي في تعريف الحزب كمنظمة إرهابية دولية..
وهنا يستعيد اللبنانيون دور الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والرؤساء فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي، ونبيه بري، والزعيم وليد جنبلاط، والإمام محمد مهدي شمس الدين، والبطريرك مار نصر الله بطرس صفير، ولقاء قرنة شهوان، واللقاء اللبناني للحوار، وكل اللبنانيين الشرفاء، في حماية حزب الله في محطات كثيرة كانوا فيها يقفون إلى جانبه ويعلنون تأييدهم لمقاومته ويرفضون الاعتداء عليه من أي طرف كان، حتى ولو أدى بهم ذلك للتضحية ببعض مقومات السيادة أو براحة اللبنانيين وبحبوحتهم الاقتصادية. وكلنا يذكر دور فرنسا والرئيس جاك شيراك ومعها رفيق الحريري في صنع تفاهم نيسان 1996 الذي أعطى الشرعية العربية والدولية للمقاومة في جنوب لبنان. وكلنا يذكر دور تركيا وقطر ودول الخليج العربي في الدعم المادي والمعنوي والسياسي في أيام الاعتداءات الصهيونية القاسية على امتداد سنوات 1998-2006، ودور هذه الدول وعلى رأسها قطر وتركيا، في حرب تموز 2006، وما بعد حرب تموز، وفي حرب غزة، وفي أسطول الحرية، ناهيك عن وقوفها إلى جانب حزب الله في إسقاطه لحكومة الرئيس سعد الحريري مطلع عام 2011.
اليوم جاءت الاستحقاقات ليقف حزب الله وحيداً أعزل من أي دعم أو عطف رسمي، عربي أو دولي.. بعد أن فقد الكثير من العطف الشعبي، اللبناني والعربي على السواء.. والحال أن الحزب يرفض الاعتراف بكل تاريخ الاحتضان والدعم، العربي والدولي للمقاومة. ويتصرف وكأن التاريخ يبدأ مع الحزب وينتهي به.. ويرفض الاعتراف بأخطائه لا بل خطاياه المميتة والقاتلة..
اليوم نحن أمام منحدر خطير.. وعلى حزب الله أن يتوقف ويتأمل في ما وصل إليه وفي ما أوصل الشيعة ولبنان إليه، منذ التمديد للرئيس إميل لحود في 2004، إلى الاغتيالات في 2005 وما بعد 2005، وصولاً إلى غزوة أيار 2008، وما تلاها من تصعيد للتوتر المذهبي، فإلى الحرب في سوريا منذ مطلع عام 2013.. وكل ذلك وضع حزب الله في مواجهة مع الغالبية الكبرى من اللبنانيين ثم من العرب.
وبالمقابل فإن على الأطراف اللبنانية كافة مساعدة الحزب على الخروج من هذا الوضع بطرح تصوّر ومشروع للحوار والتضامن قائم على الثوابت الأساسية للميثاق والدستور، ولمعنى المقاومة اليوم في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية الكثيرة وأبرزها موافقة حزب الله على القرار 1701. والمطلوب طرح مشروع لمعنى الاستراتيجية الدفاعية التي عرضها رئيس الجمهورية، ولدور الحزب السياسي في المرحلة المقبلة.. فلا يجوز أن يبقى الحزب الذي يمثل شريحة واسعة من المجتمع اللبناني أسير رهانات إيرانية وسورية مناقضة لمصالح شيعة لبنان والشيعة العرب، ناهيك عن تعارضها مع الدين والأخلاق والإنسانية والوطنية.
وعلى اللبنانيين جميعاً أن يتذكروا أيضاً بأنه لا أحد يربح في أي صراع طائفي داخلي في لبنان ومهما كان حجم وقوة الاستقواء الخارجي.. فالدول تتغير والموازين الدولية تتبدل.. وأما ما يبقى (بالمعنى الوضعي المادي، وبعد وجه الله ذي الجلال والإكرام) فهو هذا الشعب وهذا الوطن.. فهل من يسمع جرس الإنذار؟