الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حزب الله.. من الله إلى الطاغوت

حزب الله.. من الله إلى الطاغوت

27.05.2013
فايز الفايز


فايز الفايز
الشرق
الاثنين 27/5/2013
مشكلة الشعوب العربية تاريخيا وحتى اليوم هي أن غالبيتها تفكر بعواطفها التي تميل مع الهوى، ولا تفكر بعقولها التي تحلل الوقائع لتستشرف الواقع المستقبلي لها بناء على ما تحب وتكره، ولأن عهدنا بالدول المستقلة فكريا وعسكريا وسياسيا عهد حديث، فلنا أن نرى كم هو الاضطراب والتقلب في التأييد الفوري لأي ظاهرة بطولية يغلب عليها الكلام لا الفعل، دون تمحيص ولا تحليل لواقع تلك الظاهرة، لذلك مرت تجارب كثيرة علينا لأحزاب وصلت إلى الحكم كحزب البعث الذي أصبح له امتدادات في الدول العربية دون أن يحقق طموحات الشعوب الحقيقية، ومثله ظاهرة الناصرية، وكذلك الشيوعية، ومع هذا لم يحقق أي منهم نصرا كاملا على عدو ومازال الكثيرون يتغنون بالأمجاد الخطابية دون إنجاز يذكر.
من هذه الظواهر كان حزب الله اللبناني الهوية، الإيراني الهوى والارتباط والعقائدية والتسليح، الذي خاض مناوشات متقطعة مع إسرائيل خلال عقدين مضيا، ومعركتين عامي 2000 و2006 كانتا له نصرا داخليا لا نصرا على القوة الإسرائيلية الغاشمة، التي دخلت إلى الأراضي اللبنانية وحققت أهدافها في الثمانينيات في ظل وجود الجيش السوري الكامل في لبنان، وخرجت منها، ثم عادت واجتاحت الجنوب وخرجت مرة أخرى، لدوافع إستراتيجية عسكرية بحتة، لم يكن لقوة حزب الله الغلبة لإخراجها، بل إن الدعاية الكبرى والتطبيل الإعلامي لم يكن مختلفا عن حاله بعد هزيمة يونيو 1967و منح النظام الناصري صك البراءة العاطفي.
قوة حزب الله " الشيعي " ظهرت بناء على ضعف القوى اللبنانية خصوصا الجيش الذي لم يبن على أسس قوية بعد خروج لبنان من حربه الأهلية الطويلة، فالحرب الأهلية استنزفت لبنان وأهله بمختلف طوائفهم، والتدخلات العربية والغربية أنهكته ومزقته، والنصف الأخير من زمن الحرب اللبنانية، كانت إيران في حربها مع العراق، فوجدت لها موضع قدم في لبنان وهو حزب الله البديل لحركة أمل اللبنانية، كل هذا والدول العربية الكبرى والغنية بالمال والسلاح مشغولة بنفسها، وتركت الساحة اللبنانية ممزقة سياسيا والقوة الوحيدة فيها هي قوة إيرانية بحتة ممثلة بحزب "حسن نصر الله"، يأتيه الأمر والنهي والقرار والرؤية من طهران، وحربه دائما لحساب إيران لا لحساب لبنان.
إذا من المعروف أن حزب الله فصيل عسكري قاتل معلنا أنه من الله ولله، ليحارب العدو الإسرائيلي المحتل لفلسطين العربية، ولكنه اليوم ترك الله وما لله وأصبح يقاتل صفا واحدا مع الطاغوت الذي يحكم في سوريا، ضد الشعب السوري على الأرض السورية، لا ضد العدو الصهيوني على الأرض الفلسطينية، ومليشياته هي أول من فتك بالمواطنين السوريين في درعا بداية حرب النظام ضد الشعب السوري، وهو من فتح الطريق لدخول المقاتلين العرب الذين لم يتركوا ساحة " للجهاد " إلا وذهبوا لها من أفغانستان شرقا حتى البلقان غربا دفاعا عن المسلمين المضطهدين الذين يسامون أصناف العذاب والقتل والتشريد بناء على اختلافات دينية وأيديولوجية ومذهبية.
لذلك فإن حزب الله قد سقطت عنه تلك العباءة العربية المزعومة، وبقي معتمرا عمامة الحوزة الإيرانية، وظهر جليا أنه فصيل إيراني يحقق لطهران شروط أفضل في التفاوض على قضاياها الدولية، ومهما كانت تصريحات زعيمه حسن نصر الله فهي لا تغدو عن كونها جزءا من الحرب الكلامية التي سمعناها وسمعتها الأجيال السابقة من كثير ممن حكموا وتحكموا في مصائر الشعوب العربية، فما أسهل الكلام وما أسهل تفنيده! خصوصا عندما يتعلق بالمقاومة وسندها والمواجهة مع إسرائيل التي أشيع أن النظام العلوي في سوريا هو بطلها الذي لم يحرر شبرا واحدا من أراضي الجولان السورية.
إن معركة القصير التي تدور رحاها بين المقاتلين السوريين ومن معهم من المقاتلين العرب والمسلمين في مواجهة جيش النظام السوري المدجج بالأسلحة الثقيلة والمدرعة والطائرات، أثبتت أن العقيدة القتالية للجيش النظامي منهارة، وأن الحرب أصبحت بين مليشيات إيرانية تحاول عبثا إرغام قوى النظام للبقاء على قيد الحياة في المثلث السني الذي يعتبر شريانا لدعم الثوار هناك، وبين المقاتلين الذين لا يهمهم المناصب السياسية ولا كراسي الحكم، بل القتال ضد الطاغوت الذي طغى وتجبر.
حزب الله يكشف قناعه بفضل زعيمه الذي لم يخف خوفه من سقوط نظام الأسد، فسقوط النظام السوري يعني انتهاء مفعوله على الأرض اللبنانية، ويعني انقطاع المدد الذي يأتيه من إيران عبر العراق فالأراضي السورية، لذلك خرج على أنصاره في محاولة لرفع معنوياتهم والتأكيد على أن "النصر" سيكون من نصيب الأسد.
لذا على الدول العربية التي لا تزال تنتظر اجتماعات المعارضة في الخارج أن تدعم فورا ودون إبطاء فصائل الثوار والجيش الحرّ على الأرض في سوريا، لإنهاء أمد هذه الحرب التي طالت وهي تحصد أرواح الأبرياء أيضا، ولقطع الطريق على ترسيخ الهلال الشيعي الذي سيخدم في النهاية المشروع الإيراني في السيطرة على إقليم الخليج العربي، لا كما يدعّي بأنه يواجه العدو الإسرائيلي، فالسوريون ليسوا الجيش الإسرائيلي، وسوريا ليست فلسطين.