الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حزب الله من مشروع المقاومة إلى الحلف الامبراطوري!

حزب الله من مشروع المقاومة إلى الحلف الامبراطوري!

05.08.2015
هشام منوّر



القدس العربي
الثلاثاء 4/8/2015
غيرت الثورة السورية من سلوك حزب الله بشكل كبير. فبعد أن انحسرت مناوراته السياسية داخل لبنان وتوقف الحرب مع إسرائيل، بات الحزب لاعبًا إقليميًا منخرطًا في حرب بعيدة عن منطقة عملياته التاريخية، وذلك بالتعاون مع إيران. شمل هذا التغير قيام الحزب بنقل شخصيات بارزة من مواقعها السابقة قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى مركز القيادة السورية الجديد، بل وحتى إلى مناطق أبعد في العراق واليمن.
في البداية، قاوم حسن نصر الله فكرة إرسال مقاتليه لدعم الأسد، وذلك على الرغم من الطلبات المتكررة من القيادة الإيرانية، وخاصة من قبل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وخشي نصر الله، حاله كحال قادة آخرين في الحزب، من أن انخراط الحزب في الحرب السورية سيقوض موقفه في لبنان بربط الحزب بحكومة حليفة لإيران تقوم بذبح الشعب ذي الغالبية السنية. إلا أن نصر الله وافق بعد ذلك إثر تلقيه التماسًا من خامنئي. ونتيجة لذلك، أدى تغير أرض العمليات إلى سوريا وغيرها من المناطق إلى تحول الحزب من طرف لبناني يركز على السياسة الداخلية إلى قوة طائفية إقليمية تعمل لصالح إيران عبر الشرق الأوسط.
أقوى مؤشر على حدوث تحول في حزب الله هو مؤشر هيكلي. فمنذ العام 2013، أضاف الحزب قيادتين جديدتين، الأولى على الحدود اللبنانية السورية والثانية داخل سوريا نفسها، إلى قواعده القائمة جنوب وشرق لبنان. وتشير خطوة إعادة التنظيم المفاجئة هذه إلى التزام الحزب بالحروب التي تتجاوز الحدود اللبنانية.
وفي سبيل تدشين وجوده الجديد في سوريا، نقل حزب الله شخصيات بارزة من مقر قيادته الجنوبي التقليدي، الواقع قرب حدود لبنان مع إسرائيل. مصطفى بدر الدين، رئيس عمليات حزب الله الإرهابية في الخارج، بدأ تنسيق أنشطة الحزب داخل سوريا في العام 2012، ويتولى الآن قيادة الحزب في سوريا. يعتبر بدر الدين أحد مقاتلي حزب الله المخضرمين والذي اتهم في العام 1983 بالمسؤولية عن تفجير الثكنات العسكرية الأمريكية في بيروت، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وتفجيرات إرهابية في الكويت، بالإضافة إلى هجمات أخرى. ويمثل تعيينه أقوى إشارة يمكن للحزب أن يعطيها للتأكيد على التزامه بالمشاركة في الحرب ضد الشعب السوري. وشملت التكليفات الأخرى أبو علي الطبطبائي، وهو قائد مخضرم في الحزب. وقد جرى نقله من موقعه في جنوب لبنان إلى مقر قيادة الحزب في سوريا، حيث خدم كضابط بارز لدى بدر الدين، وأشرف على العديد من القوات عالية التدريب سابقًا في لبنان. واليوم، ينشط ما بين 6000 إلى 8000 عنصر من الحزب داخل سوريا.
انخراط الحزب في الحرب إلى جانب نظام الاسد لم يأتِ دون مخاطر، فقد عانى حزب الله من خسائر جسيمة بين أفراده في كل من لبنان وسوريا. إذ تم اغتيال حسن اللاقس، مسؤول المشتريات العسكرية في الحزب، في بيروت في كانون الأول/ديسمبر في 2013. كما نقلت تقارير عدة نبأ مقتل فوزي أيوب، العضو المخضرم في جناح العمليات الإرهابية الخارجية في الحزب، خلال معارك في سوريا، وبنهاية النصف الأول من العام 2015، عانى حزب الله من مقتل ما بين 60 إلى 80 من عناصره أسبوعيًا في منطقة القلمون السورية وحدها. ويشير مقتل عناصر حزب الله من ذوي الرتب العالية، إلى جانب العدد الهائل من القتلى والجرحى في صفوف مقاتليه، إلى جدية الحزب في الدفاع عن نظام الأسد. ولكن من ناحية أخرى، يظهر تحمله لمثل تلك الخسائر بأن الحزب ينظر إلى الصراع السوري باعتباره صراعًا وجوديًا، وذلك بالنسبة لموقفه الداخلي في لبنان من جهة، ولموقف القوى الشيعية من جهة أخرى.
حتى مع قيامه بتوسيع نطاق أنشطته داخل سوريا، يواصل حزب الله دعم الميليشيات الشيعية في العراق، حيث أرسل عددًا قليلاً من مدربيه المحترفين لقتال تنظيم الدولة الإسلامية والدفاع عن المراقد الشيعية هناك. ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، فقد استثمر الحزب أيضًا في منظمات ذات واجهة تجارية لدعم عملياته في العراق. وقد كشف عضو الحزب أدهم دباجا، الذي يملك أغلبية أسهم شركة العقارات والبناء اللبنانية "مجموعة الإنماء لأنشطة السياحة" الشركات العراقية التابعة لشركته المخصصة لتمويل حزب الله، بمساعدة قياديين آخرين في الحزب.
ومثلما فعل في العراق، فقد أرسل حزب الله عددًا صغيرًا من مدربيه ومقاتليه المحترفين إلى اليمن. ولكن بالنسبة لسوريا، يشير نوع الرتب البارزة التي أرسلها الحزب إلى هناك الأهمية التي يوليها الحزب هناك. خليل حرب، وهو قائد سابق للعمليات الخاصة في الحزب ومستشار مقرب من نصر الله، هو الذي يشرف على أنشطة الحزب في اليمن، ويدير عملية نقل الأموال إلى الحزب داخل البلاد، ويسافر باستمرار إلى طهران لتنسيق أنشطة الحزب مع المسؤولين الإيرانيين. وبالنظر إلى خبرته في العمل مع تنظيمات إرهابية أخرى، وعلاقاته الوطيدة مع القادة الإيرانيين وقادة الحزب، وخبرته في مجال العمليات الخاصة والتدريب، فقد مثل تكليف حرب بالعمل في اليمن قدرًا كبيرًا من المنطق بالنسبة لحزب الله.
ربما يكون انخراط حزب الله في سوريا قد انصب على دعم نظام الأسد، لكن الحزب أضحى ينظر إلى الحرب الآن باعتبارها معركة وجودية لمستقبل المنطقة، ولموقع حزب الله فيها. ونتيجة لذلك، فإن تركيز الحزب الإقليمي على الأرجح سيتواصل في المستقبل المنظور. وبمساعدة الميليشيا الأخرى المدعومة من إيران، سيواصل حزب الله قيادة الفيلق الشيعي الخارجي الذي يعمل على الدفاع عن المجتمعات الشيعية وتوسيع نفوذ إيران في المنطقة، ليتحول حزب الله رسميا من مشروع المقاومة الذي صدع رؤوس العرب والمسلمين به إبان ظهوره على الساحة اللبنانية، إلى مجرد مقاول في حلف الارتزاق الداعم لمشروع إيران الامبراطوري في المنطقة!
٭ كاتب وباحث فلسطيني