الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حزب الله وثقافة المقاومة بين سوريا وإسرائيل

حزب الله وثقافة المقاومة بين سوريا وإسرائيل

12.02.2015
ريما شري



القدس العربي
الاربعاء 11-2-2015
لم يعد استشهاد شبان لبنانيين بفعل اعتداء إسرائيلي يلقى تعاطفا واسعا مع المقاومة، كما كان عليه الأمر في السابق. حتى أن سقوط دم عربي بنيران إسرائيلية، على أرض عربية، لم يعد يعتبر، عند البعض، استشهاداً.
هم قتلى لا شهداء، هكذا قررت بعض الصحف العربية وصف ”المعتدى عليهم” في تعاملها مع خبر قتل إسرائيل ستة مقاتلين من "حزب الله" في غارة القنيطرة، عند الحدود السورية الفلسطينية في 18 يناير. قد يعلل القيمون على هذه الصحف ومن يوافقهم الرأي من عامة الشعب هذا الاعتبار بالقول: ”هذا ما جناه "حزب الله" على نفسه بعد مشاركته في القتال في سوريا لدعم نظام بشار الأسد”. فقد برر كثيرون هذا الاعتداء الإسرائيلي بسؤال واحد: ”ما الذي كان يفعله حزب الله في الأراضي السورية”؟ الجواب المنتظر يحمل موقفا سياسيا صرفا يعتقد طارحه أنه واضح ومؤكد. لكن السؤال الأهم هو: هل يعلل الجواب مباركة الاعتداء الإسرائيلي على عناصر لبنانية؟
ليس هذا كل شيء، هناك موقف آخر ذهب فيه آخرون إلى أبعد من ذلك، عندما رد "حزب الله" على الاعتداء المذكور بعملية استهدفت قافلة عسكرية اسرائيلية في منطقة مزارع شبعا الحدودية بين لبنان واسرائيل قتل اثرها جنديان اسرائيليان، وربما أكثر، كان هناك من رفض اعتبار هذا الرد حقاً مشروعاً أو تصنيفه كفعل مقاوم، رغم أن المعركة كانت مع إسرائيل. فرحة المحتفلين بالعملية اصطدمت بعدة نظريات أفسدت عليها شعوراً كان يفترض أن يكون موحداً. يقولون إن "حزب الله" لا يمكن أن يكون مقاوماً ضد إسرائيل، وفي الوقت نفسه يشارك في قتل المدنيين في سوريا. فمفهوم المقاومة لا يتجزأ، ومن يعتقد أنه من الضروري الفصل بين ما يجري في سوريا ومواجهة إسرائيل عليه مراجعة نفسه. انها مسألة أخلاق لا شعارات. وفلسطين ليست شماعة لأي أحد. المسائل التي تطرحها هذه التحفظات تبرز الجانب الإنساني والأخلاقي من موقف "حزب الله" في سوريا لكنها تتناسى جرائم الحرب اللانسانية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني واللبناني. يمكنك ألا تتعاطف مع مقتل عناصر من "حزب الله" في الاشتباكات الدائرة في سوريا، لكن من غير الطبيعي أن نحتفل بمقتلهم على أيدي إسرائيل. موجع جداً أن نزج إسرائيل في قلب معادلة كهذه، ومن المؤسف ألا تكبر قلوبنا بمشاهدة قافلة اسرائيلية تدمر وتحترق.
الموقف الذي اتخذه "حزب الله" تجاه ما يجري في سوريا يثير العديد من الأسئلة المشروعة. كما أنه ليس من العدل أن نربط هذا التدخل بمشروع إقليمي واستراتيجي لا يحل ولم يحل مشكلات حقيقية تتعلق بالفساد والقمع والإصلاحات السياسية والحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وهي أمور طالب فيها مواطنون سوريون بشكل سلمي، في بداية الانتفاضة السورية، ليجدوا انفسم أمام نظام يستخدم الحلول الأمنية لردع أي حراك شعبي، مبرراً موقفه بالحديث عن إرهابيين ومؤامرة خارجية لم تكن لتحدث لو قام بهذه الإصلاحات قبل أن تصل رياح الربيع العربي إلى سوريا. السيد حسن نصر الله تحدث بعد إعلانه عن تدخل "حزب الله" في سوريا عن خطر "المتطرفين" الذين يحاولون الإطاحة بالاسد، مدعيا انهم يمثلون خطرا على لبنان، وان سوريا الاسد هي العمود الفقري لـ"حزب الله" "ولا يمكن للمقاومة ان تقف مكتوفة الايدي بينما ينكسر عمودها". إلا إنه من الصعوبة إقناع أشخاص فقدوا اقرباء لهم جراء هذا المشروع ودفعوا ثمنه، بدون أن يملكوا حق اختيار هذه التضحية، خاصة في الاوساط التي لا تنتمي الى ثقافة المقاومة. لا يمكن أن نسأل السوريين الذين أحبوا نصرالله حين كانت نيرانه موجهة نحو العدو الإسرائيلي، لماذا تغير موقفهم عندما أصبحت المواجهة في قلب سوريا. لا شك أن ما كانت تحظى به المقاومة خلال فترة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وصولا الى حرب تموز 2006 تراجع في الوجدان الجماعي للبنانيين والعرب. أشياء كثيرة سمحت بهذا التراجع لكنها لا تفسر تراجع كرهنا لإسرائيل.
عناصر المقاومة قاتلت إسرائيل وقاومتها في عدة مواجهات: في الضاحية الجنوبية وصيدا والجبل والجنوب. من غير العدل أن يتهاوى كل هذا في سوريا التي صارت مقصدا للجهاديين من مختلف أنحاء العالم. قد يرفض البعض وإن كان يرى في "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من الجماعات المسلحة أعداء لهم، العمل بمقولة عدو عدوي صديقي في موقفه من "حزب الله". لكن ما نعرفه أن إسرائيل تعمل به في تعاملها مع جبهة النصرة التي تنتمي لتنظيم "القاعدة" في سوريا. القناة الإسرائيلية الأولى، أشارت في تعليقها على التطورات على الحدود إلى وجود جهتين عملتا على إسقاط معبر القنيطرة والمنطقة المحيطة به: الجيش السوري الحر، وجبهة النصرة. و"صحيح أن كليهما غير صهاينة، لكنهما غير معنيين بالعمل ضد إسرائيل. ما يعنيهما فقط هو (الرئيس السوري بشار) الأسد، وهذه هي النقطة المهمة والاستراتيجية في كل هذه المسألة". ألم تشر صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية إلى تقرير الأمم المتحدة الذي أكد علاقة إسرائيل بفرع تنظيم "القاعدة" في سوريا في مرتفعات الجولان بالجزء السوري، كاشفة عن اتصالات بين المليشيات الإسلامية المتمردة والجيش الإسرائيلي في مارس عام 2013، واعترفت إسرائيل بنقل المتمردين المصابين لتلقي العلاج، ونقل 10 عناصر مسلحة من المعارضة عبر خط وقف إطلاق النار لجيش الدفاع الإسرائيلي. حتى أن معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة، ألون بن ديفيد، طمأن بدوره الإسرائيليين عندما اعترف بوجود علاقات تجمع الجيش الإسرائيلي و"المتمردين"، وهي بحسب تعبيره ليست "جداراً طيباً"، لكنها علاقات آخذة بالتطور، وليس فقط مع التنظيمات "العلمانية"، بل أيضاً مع التنظيمات المتطرفة، بما يشمل "جبهة النصرة التي سلمت إسرائيل أسيراً أمريكياً كان موجوداً في قبضتها". وهل ننسى القيادي في المعارضة السورية كمال اللبواني، حين أكد في شهر مايو الماضي ضرورة وجوب التحالف مع الكيان الصهيوني "لهزيمة النظام السوري وإقامة منطقة عازلة". وإذا كان هناك أشخاص يؤيدون هذا المنطق، فلماذا لا يساندون "حزب الله" في مواجهته مع إسرائيل، إذا كانت مواجهة العدو، أي عدو، لا تقف عند أي حدود. وإذا كان هؤلاء مستعدون للوقوف مع إسرائيل و"داعش" للقضاء على النظام السوري و"حزب الله" فليطبقوا هذه النظرية، على الأقل، عندما تكون المعركة ضد إسرائيل، أم أن عداءنا لـ"حزب الله" اصبح أكبر من عدائنا لإسرائيل؟ ثم لماذا لا نستنكر قتل طيران التحالف للمدنيين السوريين بالحدة ذاتها التي نكون عليها عندما نتحدث عن "حزب الله"؟ على الأقل هذا الأخير حقق انجازات كبيرة في مقاومته للاحتلال الإسرائيلي، أما البلدان المشاركة في هذا التحالف العسكري فهي نفسها التي تساهم في شرعنته ودعم وبقاء هذا الاحتلال.
حاولت دائما أن اتفادى الكتابة عن تدخل "حزب الله" في سوريا. الموقف الذي لطالما عارضته ورفضت ربطه في خدمة مشروع المقاومة في المنطقة. فأي تبرير يتجاهل الجانب الإنساني والأخلاقي لأي شعب لا يعول عليه. إلا أن البيئة التي نشأت فيها لم تسعفني في انتقاد رجال قاوموا الاحتلال وحرروا الجنوب اللبناني وأنا بنت الجنوب. إنه موقف أناني مبني، ربما، على تجربة شخصية سببتها الحرب وفرضتها ثقافة المقاومة. فمشاهد مجزرة قانا لم تغب عن ذاكرتي أبدا، بل انها تجتاح حاضري كلما حاولت التفكير في الازدواجية التي يمارسها "حزب الله" في تطبيقه لثقافة المقاومة في سوريا. لقد عشت الحرب في 1996 و2006 ومن قدم لنا النصر والأمان في الحربين كان هو نفسه "حزب الله". صعب أن يفهم هذا من لم يعش الحرب، أي ما قد يعنيه من وفر الأمان للشخص الذي كان بأمس الحاجة إليه. قد لا يبرر أفعال أخرى في معارك أخرى وزمن آخر، لكنه حتما سيصعب مهمة انتقاده في العلن. الا نخفي نحن عن الآخرين أخطاء من نحبهم علما باننا نعاتبهم وبقسوة في خلوتنا.
 
٭ كاتبة لبنانية