الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حزب الله يُسقط "لبنان أولاً" بشعار "إيران أولاً وأخيراً"

حزب الله يُسقط "لبنان أولاً" بشعار "إيران أولاً وأخيراً"

05.05.2015
أوّاب المصري



الشرق القطرية
الاثنين 4-5-2015
رؤيتان متناقضتان، شكّلتا اللبنة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية، وكانت وقود اشتعال معظم محطاتها. الرؤية الأولى، قوامها أن لبنان جزء لايتجزأ من محيطه العربي والإسلامي، وأنه معني بلعب دور فاعل في الأحداث التي تجري من حوله، ليكون مساهماً في تحقيق المصلحة العربية والإسلامية. وبما أن القضية الفلسطينية هي القضية الأهم في المنطقة، والاحتلال الإسرائيلي يربض على الحدود اللبنانية، فقد كان لزاماً أن يكون السعي لتحرير فلسطين والتعاطف مع أهلها أولوية تتقدم على جميع القضايا اللبنانية الداخلية الأخرى وإهمالها.
الرؤية المقابلة، تقوم على أن لبنان ليس بلداً إسلامياً ولاينتمي لمحيطه العربي بل "ذو وجه" عربي، وأن التنوع الطائفي الذي يتشكل منه المجتمع اللبناني والثقافات الغربية التي يسعى كثير من أبنائه للانتماء إليها، تجعله بعيداً عن هموم محيطه العربي والإسلامي وقضاياه. أصحاب هذه الرؤية سعوا لفصل لبنان عما حوله وعزله عن تاريخه وثقافته ومحيطه الجغرافي، في مسعى لتجنب الغرق في البحر العربي والإسلامي الذي يحيط به من المحيط إلى الخليج.
استمر التناقض بين هاتين الرؤيتين بعد الحرب الأهلية، وصولاً إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، والجيش السوري عام 2005. لتبدأ مرحلة جديدة من استقلال القرار اللبناني، بعيداً عن أي وصاية، والبحث عن تسوية بين اللبنانيين، للوصول إلى رؤية توافقية تتوفر فيها الحد الأدنى من النقاط المشتركة. فكان المخرج برؤية مبنية على شعار "لبنان أولاً"، قوامها تقديم مصلحة لبنان على المصالح الأخرى أياً كانت عناوين تلك المصالح وأهميتها، مع بناء أفضل العلاقات مع المحيط العربي والإسلامي. فاللبنانيون أدركوا أن عوامل الفرقة بينهم كثيرة ومتعددة، وهم ليسوا في وارد استيراد عوامل فرقة من الخارج، فلكل لبناني أن يتعاطف مع من يريد، وأن يؤيد من يريد، وأن يعارض ما يريد، شرط أن لايُترجم موقفه باستفزاز بقية اللبنانيين وافتعال خلافات معهم.
معظم اللبنانيين غير مقتنعين بصوابية هذه الرؤية. فليس من المنطقي فصل لبنان عن محيطه، والتعامل وكأنه جزيرة معزولة. خاصة أن تداخل القضايا الخارجية بالداخل اللبناني كثيرة ومتشعبة ويستحيل فصلها وتحييدها عن مجريات الأحداث الداخلية. لكن اللبنانيين ارتضوا بهذه التسوية وتمسكوا بها، طالما أنها تساهم في طمأنة فريق منهم، وتساهم في استقرار لبنان، وتماسك اللبنانيين.
حلقات هذه التسوية ظلت صامدة على مدى سنوات، إلى أن بدأت بالتراخي بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية، بعدما لاحت في الأفق رغبة من حزب الله بالتدخل فيها، بعيداً عن أي مصلحة لبنانية. حزب الله حرص في البداية على تغطية مساندته للنظام السوري لبنانياً، بالادعاء أن تدخله يهدف –فقط- للدفاع عن المواطنين اللبنانيين الذين يقطنون في قرى سورية، لينتقل سريعاً إلى تغطية غرقه بدماء الشعب السوري تحت عنوان ديني، هو الدفاع عن مقام السيدة زينب في دمشق، قبل أن يخلع في وقت لاحق كل الأغطية والأقنعة ويعلن على الملأ مشاركته النظام في قتل الشعب السوري بذريعة مواجهة "التكفيريين"، ليتبين سريعاً أن تدخله في الأزمة السورية هو استكمال للمشروع الإيراني بالسعي للهيمنة على المنطقة. حزب الله بتدخله هذا فرّط بآخر حلقات التسوية التوافقية بين اللبنانيين، وجر معه لبنان إلى أتون صراع مشتعل، انعكس توتيراً وانقساماً داخلياً، بين مؤيد للثورة السورية ومساند لشعبها، في مقابل مؤيد لوأدها وقمعها والتنكيل بأهلها.
إطاحة حزب الله بالتفاهم الداخلي لم يقتصر على تدخله في الملف السوري، بل تعداه إلى ملفات أخرى لاعلاقة له بها لامن قريب ولا من بعيد، فصار يُبدي مواقف تجاه ما يجري في العراق واليمن والبحرين والسعودية، وتجرأ أمينه العام على أن يهدد ويتوعد دولاً وأنظمة طالما وقفت إلى جانب لبنان، وساهمت في دعمه واستقراره، انسجاماً مع المواقف الإيرانية وخدمة لها.
إطاحة حزب الله بالتسوية الداخلية، تبعتها خروقات من جهات أخرى. فالمسيحيون تناسوا همومهم ومصائبهم الداخلية، وأهملوا شغور سدة الرئاسة التي تعد الموقع المسيحي الأول في الدولة، وحملوا لواء الدفاع عن مسيحيي الشرق في المنطقة، ليلحق بهم الدروز الذين حملوا لواء حماية الدروز في المنطقة... فقط المسلمون في لبنان عليهم الاهتمام بشؤونهم الداخلية، والانعزال عما يجري حولهم، وإغماض أعينهم وآذانهم عن المجازر التي تُرتكب بحق أشقائهم في سوريا وفلسطين والعراق ومصر وليبيا.. أما إذا تحركت نخوتهم وأرادوا التعاطف مع مأساة هؤلاء ومحاولة مساندتهم والوقوف إلى جانبهم، تكون تهمة "دعم الإرهاب" بانتظارهم.