الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "حزب الله" في الجنوب السّوري... ساحة اختبار إيرانيّة للمواجهة؟ 

"حزب الله" في الجنوب السّوري... ساحة اختبار إيرانيّة للمواجهة؟ 

29.11.2020
إبراهيم حيدر


النهار العربي 
السبت 28/11/2020  
ما عاد خافياً أن المنطقة، خصوصاً بين سوريا ولبنان والعراق، تسلك منعطفات مصيرية. أجواء التوتر تخيّم على مناطق الجنوب السوري ومنطقة الجولان، فيما إسرائيل تنفّذ ضربات عسكرية ضد مراكز سورية وإيرانية وأخرى لـ"حزب الله" في العمق السوري وفي دمشق وفي المناطق المتاخمة للحدود، حيث تزداد المخاوف من نشوب حرب بدا واضحاً أن الجميع يستعد لها تحسباً للاحتمالات في الفترة الفاصلة عن تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم من الرئيس دونالد ترامب، وما إذا كانت إسرائيل ستنفّذ ضربات كبيرة على أهداف جديدة، من إيران إلى الجنوب اللبناني والجنوب السوري، وهو ما قد يشعل المنطقة قبل أن تنتهي مفاعيل الاضطرابات التي تحدث في الولايات المتحدة حول التسليم بنتائج الانتخابات. 
لا تترك إسرائيل مناسبة إلا وتلفت إلى أن "حزب الله" يتمركز في المناطق السورية المحاذية للجولان ويحصّن مواقعه بالعتاد والعديد والسلاح، خصوصاً الصواريخ، وهو أمر لا ينفيه الحزب، انطلاقاً من انخراطه في المعارك السورية وتورطه بقرار إيراني لمساندة النظام. وهو دخل الى مناطق الجنوب السوري، خصوصاً المتاخمة للجولان منذ عام 2015، ثم تمركز في عام 2018 في المنطقة بعد هزيمة المعارضة المسلحة من التشكيلات الإسلامية، فكانت البصمات الإيرانية واضحة في القلب السوري، ومنها التي ساهمت في دور رئيسي في المعركة السورية عبر مغامرة "حزب الله" الذي يواصل تدخله في المنطقة لحسابات إيرانية، وهو يقف اليوم أمام تحولات تحدث في الساحة السورية، فعمل لأن يكون له موطئ قدم على جبهة الجولان تتصل بجبهة الجنوب اللبناني. 
لم يكتب بداية لهذا الرّهان الذي انطلق قبل سنوات خلال الحرب السورية مع محاولات تشكيل نواة مقاومة سورية، النجاح، وباءت جهوده بالفشل، عندما أمسك النظام رسمياً بأرض الجولان أو الجزء غير المحتل منه ووضع الحزب أمام خيار وحيد هو الابتعاد من المنطقة، وهو أمر ظهر في الإشراف الروسي على حسم معركة درعا قبل نحو سنتين ونصف سنة، محدداً الخطوط الجديدة بسقوف لا يمكن تجاوزها، وأخذت بالاعتبار مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى. لم ينجح الحزب بتجربته في منطقة الجولان السوري لإنشاء مقاومة في المنطقة كقاعدة شبيهة بالجنوب، إذ حصلت اختراقات كثيرة أدت بداية الى اغتيال إسرائيل كوادر من الحزب، ثم اغتيال سمير القنطار وأحد قياديي المقاومة السورية التي كان يعدها "حزب الله" لاستنساخ تجربة المقاومة في الجنوب، خصوصاً أن الساحة ليست ساحته ولا هو يستطيع أن يقاتل هناك الى ما لا نهاية، إضافة الى أن النظام السوري الذي كان منشغلاً بوضعه الداخلي لم يوافق على إعطاء الضوء الأخضر للحزب للقيام بهذه المهمة، خصوصاً أن أي تسوية سياسية محتملة بين المكوّنات السورية برعاية دولية لن تعطي الحزب ولن تفتح له الطريق في الجولان، إذا كان للنظام من مصالح في هذا السياق.  
لكن الأمور تغيّرت خلال السنتين الأخيرتين، إذ إن "حزب الله" ركز مجدداً على منطقة الجولان كخط اتصال بالجنوب اللبناني يفصلهما منطقة مزراع شبعا، وتصرّف انطلاقاً من حسابات إقليمية لا لبنانية، متجاوزاً رأي أكثرية اللبنانيين الرافضين لمغامراته وتدخلاته الإقليمية التي تصبّ ضد مصلحة البلد، فعمل على إعادة تشكيل مجموعات بعنوان "المقاومة السورية" أدخل فيها بعض عناصر ميليشيات سورية بدأت تنشط في الجنوب السوري، إضافة إلى رفدها بمقاتلين من قواته، وباتت له بنية تحتية ومراكز سرية مجهزة بصواريخ وعتاد وأسلحة. وفي المقابل، أعادت إسرائيل تمركز قواتها في الجولان المحتل وعززت ألويتها ونفذت مناورات امتدت حتى الجهة الشمالية المقابلة للجنوب اللبناني، كما قامت بمناورات خاصة كمحاكاة لحرب مع "حزب الله".  
لكن أي حرب إذا اشتعلت نيرانها لن تقتصر على منطقة الجولان ولا على الجنوب اللبناني، بل قد تشمل المنطقة بأسرها، ولن يكون لبنان المنهار والمفلس والمنقسم بمنأى عنها، فإذا كانت إيران تراهن على تغيير أميركي مع بايدن، فإنها لن تستخدم أوراقها وتحرّك أذرعها في هذه الفترة المفصلية، على رغم أن إسرائيل تنفذ ضربات جوية متتالية ضد قوات إيرانية في سوريا، بلا أي رد من "محور الممانعة"، حتى أن "حزب الله" الذي تعهّد أمينه العام السيد حسن نصر الله برد على مقتل أحد عناصره قبل نحو سنة، لم ينفذ رده تحسباً لاحتمالات نشوب حرب واسعة قد لا تصبّ في مصلحة إيران أو قوى ما يسمى بـ"محور المقاومة"، علماً أن الحزب باتت له قواعد خلفية عسكرية في سوريا، من القلمون على امتداد الحدود اللبنانية السورية وريف حمص والزبداني ومضايا ووادي بردى، إضافة إلى جنوب دمشق. 
ومع استمرار مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية، باتت لديه قوة إقليمية ممتدة من منطقة جنوب لبنان التي أعاد إليها قوات النخبة، إلى القصير على الحدود اللبنانية، وهي منطقة امتداداً نحو القلمون باتت جزءاً من استراتيجية الحزب ومكمن قوته، وصولاً الى حلب ثم دير الزور والرقة والبوكمال على الحدود العراقية، وهو كان قد شارك في معارك حلب التي حسمها النظام بدعم روسي وإيراني قبل سنوات. ويعني ذلك أن أي حرب لن تقتصر على الجنوب اللبناني ولا الجنوب السوري بل تتعداها الى مناطق أوسع، وتهز المنطقة كلها، لكن يبقى لبنان الحلقة الأضعف وهو الضحية الأولى لأي حرب قد تكون حساباتها إقليمية، إذا قرر الحزب أن يأخذ هذا البلد الى مصير أسود في ظل العقوبات الدولية، وما نراه من استعدادات من إسرائيل التي تعزز قواتها البرية والبحرية والجوية على طول الخطوط المتاخمة للبنان، إلى "حزب الله"، تنذر بالحرب وتنبئ بأخطار قد لا ينجو لبنان منها...