الرئيسة \  مشاركات  \  حزب الله في سوريا- الترجل إلى العبث

حزب الله في سوريا- الترجل إلى العبث

12.05.2013
محمد قواص


يديرُ حزب الله بتوتر معركة الحفاظ على نفوذه في لبنان، ويكادُ نقاش كوادر الحزب والمقربين يكشف حجم الهلع من أفول حقبة تُنهي هيمنةً وتطيح بـ»أرجحية» في إدارة الشأن العام للبلد. ولا ريب أن تخبط الأداء في شأنيْ لبنان وسوريا يفسرُ عجالة استخدام كل الأوراق لتدارك انهيارٍ محتملٍ لموقع الحزب المحليّ والإقليمي.
 
مستوى الهلع ليس بالضرورة مُبرّراً، بل تخاله عذراً يُستخدم لتبرير ذهاب الحزب إلى الخيارات القصوى من حيث علانية وحجم تدخل قواته في الشأن السوري. ومستوى الهلع ليس مُبرّراً من حيث أن للحزب مكانته وشعبيته ومريديه والتي لن تتأثر في المستقبل المنظور بأي تطورٍ يلحقُ بالنظام في دمشق.
 
حظي حزب الله بأقصى ما يُمكن أن يحلم به أي فريق سياسي في لبنان. خرج من حرب 2006 بسمعة جعلت منه ظاهرة استثنائية منحته جماهيرية داخل المنطقة العربية تضاف لجماهيريته التقليدية في لبنان. وعلى الرغم من السجال الداخلي الذي اندلع محلياً حول ما أطلق عليه الحزب بـ»النصر الإلهي»، إلا أن الحدث منح الحزب مِنعةً استخدمها بسهولة للانقضاض عسكرياً (في 7 أيار/ مايو 2008 )على خصومه الذين اشتد ساعدهم منذ اغتيال رفيق الحريري، ثم سياسياً من خلال اتفاق الدوحة الذي تلا ذلك.
 
لكن حزب الله قفز فوق تلك المكتسبات اللافتة وأطاح على غفلة بأي تعايش مع أي معارضة. انقلب على حكومة سعد الحريري وتولى من خلال حكومة فريقه السياسي وحلفائه حكم البلاد دون أي تواجد لنكهات مشاكسة أو معارضة في نسيج الفريق الحاكم. باغتت الأزمة السورية حزب الله على حين غرة، وتولى التطور السوري تنغيص نعمة كان الحزب غارقا بها سيدا على لبنان في مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية وملحقاته في ميادين الأعمال والاقتصاد. كان من المفترض على من يحكم ويسود بهذه الأريحية أن يُقارب الشأن السوري بحكمة وحنكة تقيه شرور الراهن وتوفّر له الاحتفاظ بالمكتسب في مستقبل ما بعد انتهاء الأزمة، يوما ما، في سوريا. لكن ما يعلمه ويعيه حزب الله أكبر وأعمق من تخمينات المراقبين واجتهادات الخبراء. في سلوك حزب الله ما يشي أن لا مستقبل للحزب دون استمرار نظام الأسد في دمشق. صحيح أن أي تغيير يطرأ على صيغة النظام المقبلة في سوريا، سواء بالحسم أو التسوية، ستغيّر من وظيفة سوريا ووجهة أدوارها الإقليمية، إلا أن ذلك لم يكن ليهدد مكانة الحزب في ما لو أراد أن يمارس دوره كاملا كحزب سياسي لبناني. لكن ردّ فعل الحزب الدراماتيكي في الشأن السوري يعكسُ هامشية الوظيفة المحلية مقارنة بحيوية الوظيفة الإقليمية المرتبطة مباشرة بما يُملى من طهران.
 
إيران تعلن (على لسان نائب قائد قوات الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي) أنها وسعت حدودها الأمنية لتشمل شرق المتوسط. حزب الله يوالي إيران ولا يستحي من ذلك ولا يخفيه. الارتباط بالولي الفقيه أمر معلن ممارس يفتخر به الحزب وأمينه العام. أما وظيفة الحزب وأدواره، فتقررها المصلحة الإيرانية، سواء بأشكالها المحلية (استخدام السلاح في الداخل، غارات «القمصان السود»، الإطاحة بالحريري، حكومة ميقاتي… إلخ) أو الإقليمية (خطف جنود اسرائيليين، إرسال طائرة أيوب إلى إسرائيل، التدخل العسكري في سوريا … إلخ). في كل تلك الحالات يسهر حزب الله على حماية النفوذ الإيراني في المنطقة (من اليمن والبحرين مرورا بالعراق وسوريا ولبنان). تتولى الآلة الإعلامية للحزب رفد الحوثيين في اليمن ودعم المعارضة الشيعية في البحرين والدفاع عن نظام الأسد في سوريا…، متسقة في ذلك مع الشبكة الإعلامية الإيرانية. على أن أساليب السياسة والإعلام في المسألة السورية لم تعد كافية لمقاربة نظام قيد الانهيار. تولى الحزب التكامل مباشرة مع الجهد العسكري الإيراني المباشر للنظام في سوريا. لم يعد باستطاعته تسويق مسوغ الدفاع عن قرى لبنانية شيعية من اعتداءات «الإرهابيين»، أو الاكتفاء بزعم الدفاع عن مقام السيدة زينب من هجمات «الأصوليين»، فإنتقل، متوائما مع الصيغة التي خرج بها «المرشد» في إيران، إلى ترديد مقولته أن الدفاع عن سوريا (النظام) دفاع عن منظومة المقاومة.
 
سقط الحرج، ومن يسقط اليوم قتيلا في صفوف حزب الله المقاتل في سوريا هو «شهيد» في سبيل تلك المقاومة طالما أن المقاومة لن تسمح «بسقوط سوريا عسكريا»، على ما أفاد أمين عام الحزب. يذهب كوادر الحزب إلى الكشف عن أن الحزب ذاهب إلى فتح المعركة مع إسرائيل في حال فشلت مغامرته في الدفاع عن نظام دمشق، ويروح بعضهم إلى التلويح باحتمالات اقتحام الجليل.
 
اي تأمل مواقف حزب الله وأدائه الراهن يلحظ المراقب بسهولة متابعة عقلانية عملانية من جهة، ونزوع نحو الاستغراق بضباب الغرور. لكن اللافت هو ذلك الهروب إلى الأمام والانزلاق من درك إلى درك بما يشبه مقامرة قد تطيح بكل الأصول من أجل انقاذ الفروع. الغارات الإسرائيلية ضد سوريا ستساعد الحزب على تسويق رؤاه (من حيث أن الحدث السوري مؤامرة خارجية)، لكنها ستربك الحزب في تبرير سكوته عنها. الحزب متلعثم محرج أمام جمهوره. تعجز خطب أمينه العام واجتهادات قياداته عن توفير غطاء أخلاقي يبرر انخراط الشيعة في معركة تعاكس نموذجهم المقاوم القريب ويتناقض مع تاريخهم العاشورائي البعيد.
 
يدعم «جمهور» الحزب مغامرته في سوريا وما زال يبتلع (رغم الامتعاض المبطن) تشييع جثامين القتلى العائدين من «الغزوات» هناك. نجح الحزب في اقناع الغالبية الكبرى من الشيعة في لبنان أن أمن الطائفة من أمن النظام في سوريا. يقلق الحزب وجمهوره من أنباء تتواتر ترجح دعما أميركيا للمعارضة أو من تلميحات واشنطن حول تورط نظام دمشق في استخدام الأسلحة الكيمياوية. فأمر الربح والخسارة في المقامرة التي وضع حزب الله جمهوره فيها يحددها مزاج واشنطن الذي -للمفارقة- ما زال يغري المقامرين على مزيد من القمار.
 
يمعن حزب الله في الذهاب بعيدا دفاعا عن النظام في دمشق، في كرّه وفرّه ووجوه قتلاه تفاصيل إقدامه العسكري من أجل حسم أقله تسوية ترجح كفة فريق الأسد في التسوية العتيدة. بانتظار جلاء غبار معارك ما وراء الحدود يعكف حزب الله على التقليل من الخسائر داخل الحدود عقب انهيار حكومته برئاسة نجيب ميقاتي.
 
في خارطة الطريق صوب ذلك، الدفع باتجاه قانون انتخابات يأتيه بالأغلبية. وفي تعذر ذلك، توجه نحو التمديد لبرلمان يعرفه دفعا لبرلمان وليد لا يسيطر على مقاليده. في خارطة الطريق أن يعود وفريقه للتحكم بتوازن حكومة تمام سلام المقبلة وهو الذي لم يعد بمقدوره حكم البلد وفق التقليعة السابقة. ومن أجل خرائط الطريق تلك يترنح الحزب ويفقد زمام المبادرة التي ميزته فيرتجل المواقف ترميما وترقيعا ممنيا النفس بثوب يجهد في حياكته في القصير وحمص وإدلب ودمشق وأنحاء سوريا الأخرى.