الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "حزب الله" في مرحلة ما بعد أحداث عبرا: الخصم في حال ارتباك ولا حكومة أمر واقع

"حزب الله" في مرحلة ما بعد أحداث عبرا: الخصم في حال ارتباك ولا حكومة أمر واقع

11.07.2013
ابراهيم بيرم

النهار
الخميس 11-7-2013
لا تخفي دوائر القرار في "حزب الله" للمتصلين بها قراءة عميقة جوهرها ان الحزب نجح في استيعاب الحملة الشرسة التي نفِّذت ضده في اعقاب معركة القصير في ريف حمص والتي رمت الى أمرين:
- تدفيعه ثمن الدور المهم والحاسم الذي أداه في الساحة السورية.
- العمل على محاصرته للحيلولة دون مضيه قدماً في المشاركة في معارك اخرى في العمق السوري.
وعليه عاش الحزب فترة وهو يرصد حملات التهويل والترهيب التي تشن عليه من الخارج والداخل، والتي اتخذت اشكالاً وألواناً متعددة. ففي الخارج كانت الحملة المنظمة لدول وأنظمة عربية بلغت حد التهديد الصريح بإبعاد كل الشيعة الموجودين في هذه الدول بذريعة انتمائهم الى الحزب او انضوائهم في بعض مؤسساته المحسوبة عليه.
وترافق ذلك مع ملاحقة رموز ومجموعات في دول افريقية كما حصل في نيجيريا وسواها، اضافة الى تحريك مسألة إدراج الحزب على اللوائح الاوروبية للمنظمات الارهابية.
وبذا صار الحزب "نجم" كل التصريحات والبيانات والتحليلات لوسائل اعلام عربية ودولية مدى اسابيع عدة، في نطاق حملة سياسية – اعلامية لم يسبق ان تعرض لها تنظيم سياسي من قبل.
هذا الوضع كان بامكان الحزب تحمل تداعياته وآثاره، فهو بالنسبة اليه عبارة عن رسائل معروفة الأهداف ومكشوفة الحدود، وبالتالي فالحزب مطمئن الى أنه لا يملك اية شبكات تمويل او تدريب او تسليح او خلايا نائمة او مستيقظة يمكن ضبطه متلبساً بها على نحو يجعله تحت رحمة خصومه او المتربصين به، فضلاً عن انه منذ البداية كان مطمئناً الى عدم جرأة سلطات اي دولة على ابعاد اي لبناني من دول الخليج بشبهة الانتماء اليه، ادراكاً منه للتداعيات السياسية والقانونية لمثل هذا الفعل غير المبرر عالمياً. لكن الأمر الذي يشكل هاجساً للحزب كان على مستوى الداخل وبالتحديد من خلال مستجدين فرضا نفسهما خلال وقت واحد، الأول امني والثاني سياسي.
المستوى الأمني تجسد في منطقتين، الاولى البقاع الشمالي والثانية في صيدا. وفي وقت قصير تمكن الحزب بحسب دوائره من استيعاب الهجمة على معقله الاساسي في البقاع عموماً، اذ نجح في توجيه رسائل الى عرسال اعاد من خلالها "تطبيع" العلاقة نسبيا أو خفض منسوب الاحتقان والتوتر الى ادنى مستوياته، خصوصاً بعد حادثة مقتل الشبان الاربعة في جرود البلدة. واستطراداً يعتبر الحزب أنه استوعب بوسائل عدة ترهيبية وترغيبية محاولات خصومه في فتح جرح نازف له في قلب منطقة طالما كانت معقلاً آمناً وحليفاً له، لا سيما بعدما نجح في ابعاد صواريخ المجموعات السورية المسلحة.
اما في صيدا فكان الوضع مختلفاً تماماً والحسابات متحولة واكثر صعوبة، فالتحدي الذي مثّله الشيخ أحمد الأسير للحزب صار امراً لا يمكن الهروب منه او تجاوزه كما في السابق، اذ بات ضرورياً وملحاً انهاء هذه الظاهرة ومحاصرة مخاطرها لا سيما ان الحزب شعر بأن ثمة من اعطاها الضوء الاخضر لتتعدى حدود اظهار العنتريات واطلاق الشتائم والتهديدات الى حد الاستعداد لفتح ابواب المواجهة على نحو ينكأ الجرح النازف للحزب في طريقه الى معقله الآخر في عمق الجنوب. وسواء صحّت تكهنات الرئيس فؤاد السنيورة بأن الحزب استدرج الأسير الى مكمن، او انه هو من شارك الى جانب الجيش في توجيه الضربة العسكرية الساحقة لظاهرته، ام ان الامر كان مبالغة، فالثابت ان الحزب تصرف على اساس انه أنزل بخصومه اجمعين ضربة مادية ومعنوية وسياسية. فاضافة الى كون الضربة قد اجتثت هذه الظاهرة المراهن عليها، وصيّرتها حالاً خارجة على القانون مطلوبة قضائياً وعسكرياً فهي وضعت الخصم التقليدي اي تيار "المستقبل" في حال ارباك وانعدام توازن حقيقية، اضطر معه الى اطلاق مواقف وتصريحات ضد المؤسسة العسكرية جلبت عليه ردود فعل سلبية.
وبطبيعة الحال ثمة مكسب آخر، يعتقد الحزب انه تحقق له من خلال احداث عبرا الاخيرة إذ طوى رهانات البعض على امكان أن يكون الوجود الفلسطيني في محيط صيدا رافداً للحالة الأسيرية، فالقيادة الفلسطينية كما اتضح لاحقاً كانت حازمة الى أقصى الحدود في الانسحاب من الصورة التي أريد أن تكون فيها وتكرار تجارب غاية في المرارة.
وسواء صحت المعلومات الرائجة التي تقول ان الأسير ما زال حياً وموجوداً في مخيم عين الحلوة بانتظار فرصة مناسبة للعودة أم لم تصح فالمهم للحزب ان يظهر الرجل أينما يظهر باستثناء صيدا نظراً لما تمثله له.
وعلى المستوى السياسي يعتقد الحزب انه تجاوز مفاعيل "ضربة" اسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فإذا كان أمراً صحيحاً ان خصوم الحزب الداخليين والخارجيين قد نجحوا في اسقاط الحكومة التي كان هو حاضنها الاساسي، فالثابت في حسابات الحزب ان هؤلاء لم ينجحوا رغم مرور ثلاثة أشهر في تأليف حكومة لا تحظى برضا الحزب وحلفه السياسي، فالحزب سرعان ما بدد "هجمة" الرئيس المكلف تمام سلام في تشكيل حكومة امر واقع تخلو من أي تمثيل حزبي لأي طرف حتى يكون ذلك مبرراً لابعاد الحزب عن التمثل في الحكومة الجديدة، فاضطر الجميع الى مراجعة حساباتهم، وفي مقدمهم الرئيس المكلف الذي تكيّف، ولو بعد جهد، مع فكرة ان عليه عقلنة اندفاعته وكبح جماح رهاناته، فكانت وقفته أول من أمس في قصر بعبدا وقفة المدرك لاستحالة تجاوز الامر الواقع والمعادلات الثابتة، فكان تصريحه الذي ينم عن تراجعات.
والاكيد ايضاً ان الحزب ومعه شريكه الرئيس نبيه بري على ثقة من انسداد الافق امام التفكير مجدداً في حكومة أمر واقع، لأسباب ثلاثة صارت معلومة وهي:
الاول: المعارضة الشديدة للنائب وليد جنبلاط الذي يبدو من خلال مواقفه الاخيرة أنه صار على طرف نقيض من كل اداء وخطابات فريق 14 آذار وتيار "المستقبل".
الثاني: ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان أرسل أكثر من اشارة ورسالة الى من يعنيهم الامر وفي مقدمهم الرئيس بري فحواها انه ليس في وارد المضي قدماً الى درجة فتح مواجهة مع الثنائي الشيعي وقوى 8 آذار.
الثالث: شخصية الرئيس المكلف نفسه التي لا تذهب الى حد الخيارات التصادمية وادخال البلاد في أزمة جديدة.
يضاف الى ذلك سبب آخر هو ان "رعاة" التعجيل الاقليميين قد عادوا الى مقولة ترك الامور على ما هي في الساحة اللبنانية.
وهكذا يبدو جلياً ان "حزب الله" مطمئن أكثر من أي وقت مضى الى مرحلة ما بعد احداث عبرا.