الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حسابات المشهد السوري قبل المفاوضات (المفترضة)

حسابات المشهد السوري قبل المفاوضات (المفترضة)

11.01.2016
وائل مرزا



المدينة
الاحد 10/1/2016
حسابات المشهد السوري قبل المفاوضات (المفترضة) (التفكير الرغائبي) خطيرٌ في الفكر السياسي. فتحليل الأحداث وُفق الأمنيات والرغبة بما يجب أن تكون عليه، مدخلٌ للأخطاء في فهم الواقع ثم في البحث عن سبل التعامل معه.
لكن الغرق في السلبية، والغفلة عن رؤية مالديك من أوراق، ومساحة الحركة الممكنة، وتأثير المتغيرات المستمرة في فعالية أوراق الطرف الآخر، كل هذا خطيرٌ بنفس الدرجة. وهو مدخلٌ لتقزيم النفس واستصغارها، يقتلُ الإبداع في العمل السياسي، ويُحاصر أصحابه نفسياً وفكرياً وعملياً في زاويةٍ وهمية، تُسيطر فيها مشاعر العجز والاستعصاء.
هذه إحدى المقدمات التي يجب أن يُذكِّرَ السوريون بشكلٍ عام، ومعارضتهم تحديداً، بها أنفسهم في كل حين. وهذا مهمٌ خاصةً في هذه المرحلة الحساسة.
لننظر إلى بعض أحداث الأسبوع الماضي ونقرأ دلالاتها العملية. في الجانب الروسي، ينقل رائد جبر في الزميلة (الحياة) تقريراً عن المشهد الروسي من الداخل بعد مضي فترة المائة يوم التي كان الحديث عنها شائعاً في أوساط القيادة الروسية، على أساس كونها الفترة المطلوبة لإنجاز مهمةٍ محددة في سوريا. تقول الوقائع أن هذا لم يحصل بطبيعة الحال، لكن ثمة مغزىً في كيفية تقديم التقرير عن هذا الموضوع للشعب الروسي، حيث يذكر الزميل تفاصيلَ تُظهر طريقةً (أسطورية) في التعامل مع الحقائق ليست مؤشراً على طريقة تفكير (دولة) فضلاً عن أن تكون (دولةً عُظمى). وهي، بالحسابات، مؤشرٌ إلى أن الأمور ليست على مايرام على المدى المتوسط والبعيد بالنسبة للروس. والطرح الروسي الرسمي أعلاه يدل على الحاجة إلى تقديم (إنجازات) لشعبه، وليس بعيداً عن أن يكون تمهيداً لإعادة النظر في الوجود الروسي في سوريا بدعوى قُرب انتهاء المهمة، مع مثل تلك الإنجازات.
في المحصلة، تريد القيادة الروسية شراء مايمكن من وقت، مع تسريع العملية السياسية في سوريا بشكلٍ يحفظها من غرقٍ كامل في (مُستنقع)، واستنزافٍ طويل المدى تبدو ملامحهُ واضحةً يوماً بعد يوم. وقد يتأكد هذا حين يقترن بالشعور إلى الحاجة لإعادة (توظيف الدين) من قِبَل تلك القيادة، عبر تصريحات جديدة لبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية يقول فيها أن العمليات الروسية في سوريا هي "دفاعٌ عن الوطن".
بالمقابل، تبدو ترتيبات المعارضة السورية في التحضير لعملية المفاوضات أكثر قرباً لقواعد المنهجية في العمل السياسي من أي فترةٍ سابقة. فبعيداً عن (التفكير الرغائبي) وعن رفع سقف التوقعات، تشير الوقائع إلى أن الهيئة العليا للمفاوضات تثابر بقوة للجمع بين ثلاثة أمور: الثبات على المواقف المبدئية؛ وأن يكون هذا من خلال توظيف القرارات الدولية، وليس بالطريقة الشعاراتية؛ مع ضبط محددات وهياكل العمل الإداري والتنظيمي بشكلٍ متقدم. وهذا مالاحظه المبعوث الدولي دي ميستورا نفسه في اجتماعاته الأخيرة في الرياض مع الهيئة. وهو بالتأكيد مادفعه إلى تأجيل سفره وعقد أكثر من اجتماع مع الهيئة، في سياقٍ عامٍ ظهرت فيه مشاعر (المفاجأة) من موقفها وطريقة عملها. وبقدرِ مايبدو هذا (إنجازاً) للمعارضة السورية، غير أنه في الحقيقة يرفع سقف مسؤوليتها في تجاوز أي ملابسات داخلية، والاستمرار في رفع مستوى أدائها، وهذا أمرٌ ممكنٌ على الدوام. من الواضح أيضاً أن موقف الدول الداعمة للسوريين، بقيادة السعودية، عنصرٌ أساسي في حسابات المشهد قبل المفاوضات التي (يُفترض) حصولها نهاية هذا الشهر. وأحداث الأسبوع الفائت تُظهر عمل السياسة السعودية على الجمع، بمهارة، أيضاً بين ثلاثة أمور: إصرارها على سيادتها الوطنية فيما يتعلق بالتصرفات الإيرانية؛ وتوظيف رعونة الإيرانيين لتحييد دورهم في سوريا والمنطقة؛ مع الالتزام بدعم موقف المعارضة السورية والشعب السوري. وكان لافتاً في هذا الإطار المضمونُ والطريقة لتصريح الوزير الجبير بعد لقائه دي ميستورا حين أعاد، بالإنجليزية، ماقاله بالعربية قبلَها، موجهاً الخطاب إلى الرجل مباشرةً، وقائلاً: "أود التأكيد على ماسبق أن تناولتهُ في اجتماعنا، وهو أن المملكة العربية السعودية ملتزمةٌ بدعم الشعب السوري لنيل حقوقه وحريته، وجلب التغيير الذي يطمحون إليه في بلدهم. وسنواصل تقديم أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي كافةً للشعب السوري. وسنواصل العمل معكم ومع المجتمع الدولي على أمل بلوغ الحل السياسي للأزمة السورية والمبني على مبادىء جنيف 1 ومحادثات فيينا ونيويورك الأخيرة، التي تسعى إلى بلوغ الهدف ذاته"