الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حساب "حزب الله"

حساب "حزب الله"

23.02.2015
ماجد كيالي



المستقبل
الاحد 22-2-2015
لا تكمن المشكلة مع حزب الله في كونه حزباً دينياً، أو شيعياً، في مرجعياته الفكرية، وتكوينه المجتمعي، وإنما هي تكمن في كونه حزباً طائفياَ، يلعب على العصبية الطائفية، في الممارسة السياسية، وفي كونه حزباً يستخدم القوة العسكرية لفرض هيمنته، وكونه مجرد ذراع إقليمية للسياسة الإيرانية في المنطقة.
منذ قيامه، مطلع الثمانينيات، بالقرار والرعاية والدعم الإيراني، بات هذه الحزب مجرد امتداد للسياسة الإيرانية في لبنان، وهو استطاع، بفضل الأموال المتدفقة عليه، انشاء شبكة من الخدمات الاجتماعية، تمكّن من خلالها استقطاب قطاعات واسعة من طائفة "المحرومين"، بحيث باتت، مع ميليشيا الحزب، بمثابة دولة داخل دولة، وبحيث بتنا إزاء "دولة حزب الله"، بتعبير المفكر اللبناني وضاح شرارة.
لم يتوقف هذا الحزب عند تحويل جمهور "الشيعة" لصالح التبعية السياسية لإيران، وإنما وصل الى حد تحويلهم للتبعية الفقهية لقم، بدلا من النجف، ولاسيما مع تبني عقيدة "الولي الفقيه" التي ابتدعتها الجمهورية الإسلامية في عهد الإمام الخميني، وقد ترتب على ذلك تهميش رجال الدين الشيعة اللبنانيين، من مثل الراحلين آية الله محمد حسين فضل الله والإمام محمد مهدي شمس الدين، الى السيد محمد حسن الأمين والسيد علي الأمين والسيد هاني فحص وغيرهم.
في بداية ظهوره اصطدم حزب الله مع ثلاث ظواهر في البيئة الشعبية والسياسية اللبنانية، كان ينبغي له تصفية الحساب معها، وإزاحتها، أولها، ظاهرة المقاومة الوطنية، وهو في هذا السياق اشتغل على إزاحة كل القوى التي تنشط في العمل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي، في سعيه لاحتكار القرار، وهذا شمل إزاحة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمول"، وضمنه إزاحة حتى الحزب السوري القومي الاجتماعي. وبديهي ان هذا شمل منع المقاومة الفلسطينية من التواجد، أو القيام بأي نشاط ينطلق من جنوب لبنان. وثانيتها، تهميش المثقفين اللبنانيين في بيئته "الشيعية"، كي يتسنى له التحكم بالرأي العام في الطائفة، الأمر الذي تم بجملة اغتيالات ذهب ضحيتها مفكرون من وزن حسين مروة ومهدي عامل وسهيل طويلة، وغيرهم، من المحسوبين على الحزب الشيوعي اللبناني. اغتيالات تم السكوت عليها، أو لم يكشف النقاب عنها، حتى الآن. وثالثتها، احتكار تمثيل الطائفة "الشيعية"، والهيمنة عليها. وفي هذا الإطار خاض الحزب معارك شرسة مع حركة "أمل"، التي كانت مسيطرة تقريبا في الفترة السابقة، وقد ذهب ضحية هذا الصراع المئات، إلى حين تم ترتيب تقاسم السيطرة بمداخلات سورية وإيرانية، وإن حسمت الامر بعدها لصالح حزب الله.
لا نجادل هنا بشأن دور حزب الله في مقاومة إسرائيل، فهي موضع تقدير، لاسيما للتضحيات التي بذلها لبنانيون، بيد ان الحديث هنا يدور بالضبط عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوبي لبنان، إذ لم يعرف عن الحزب ابان فترة المقاومة، أي منذ تأسيسه في النصف الأول من الثمانينات إلى حين انسحاب إسرائيل الأحادي من الجنوب، أي عملية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي ان مقاومته كانت محسوبة في هذا الإطار، او في هذه الحدود، فقط، وهذا هو معنى ان العملية الأخيرة استهدفت دورية في مزارع شبعا، رغم كل الادعاءات الأخرى.
هكذا، قبل الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب (عام 2000) لم يسمح حزب الله لأي حزب لبناني او فلسطيني بأي نشاط يتعلق بمقاومة إسرائيل، وبالنسبة له فقد ادار معركته، او مقاومته، بطريقة محسوبة تماما، رغم الأثمان الباهظة التي تكبدها شعب لبنان، جراء الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية، لاسيما في حقبة التسعينيات. وللعلم فإن مجمل الخسائر البشرية الإسرائيلية نتيجة عمليات حزب الله بلغت حوالى 860 جنديا وضابطا، في 17 عاما، بمعدل قدره 50 إسرائيليا في السنة، او أقل من خمسة شهريا!
بعد العام 2000، أي منذ عقد ونصف، تخلى حزب الله من الناحية العملية عن المقاومة، مع انه ظل عليها من الناحية النظرية، ومن ناحية تركيبته، واعداده لذاته، وبدلا منها فقد اتجه لتصريف طاقته في الداخل اللبناني، لتعزيز مواقعه في تقرير أحوال لبنان، على أساس طائفي/مذهبي، وفي إطار تعزيز السياسة الإيرانية في المنطقة. فقط تخلل هذه الفترة، أي الـ 15 عاما، بضعة عمليات من ضمنها عملية 2006، التي نجم عنها مصرع عدة جنود إسرائيليين وخطف اثنين، والتي استجرت حربا إسرائيلية مدمرة على لبنان، والعملية التي تمت مؤخرا في مزارع شبعا، ردا على اغتيال إسرائيل لمجموعة من حزب الله، وقائد عسكري إيراني، في جبهة الجولان السورية.
العملية الأولى جاءت بعد ستة أعوام من وقف المقاومة، في حين ان العملية الأخيرة في الجولان جاءت بعد عقد ونصف، او بعد تسعة أعوام من العملية التي سبقتها، وبديهي فإن حركة مقاومة تقوم بعملية كل عدة أعوام لا يمكن اعتبارها كذلك، كما لا يمكن لها بداهة ان تدعي ذلك. طبعا يدعي نصر الله، الأمين العام للحزب، انه تم كسر قواعد الاشتباك في حين ان العملية في مزارع شبعا، وكل المراسلات والتطمينات التي اتبعتها، اكدت التزام الحزب بقواعد الاشتباك تلك مع إسرائيل. ولعله يجدر بنا التذكير هنا ان إسرائيل شنت ثلاث حروب وحشية على قطاع غزة (2008 و2012 و2014) إلا ان حزب الله لم يتحرك قط، كما انه لم يتحرك البتة ابان الانتفاضة الثانية التي كانت استمرت أربعة أعوام (2000ـ 2004) والتي كانت انتفاضة مسلحة، وشهدت اعنف مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسقط حينها حوالي 1040 إسرائيليا، بمعدل 260 إسرائيليا في السنة، او 22 شهريا، أي اكثر بكثير ممن سقطوا في عمليات حزب الله في 17 عاما.
المشكلة لا تتعلق فقط بوقف حزب الله مقاومته لإسرائيل، وهي مبرر وجوده، وتوجهه لفرض هيمنته على لبنان، وانما وصلت حد مشاركة هذا الحزب بالقتال دفاعا عن نظام الأسد في سوريا. وتبين في ذلك أنه حزب يشتغل كأداة إيرانية، وكحزب غاشم يستخدم "الشيعة" كوقود في هذه اللعبة، والأنكى ان ذلك يتم في سبيل الدفاع عن طاغية يقتل شعبه للحفاظ على سلطة عاشت خمسة عقود على الفساد والاستبداد. وفي الحقيقة، فقد تكشف ذلك عن ذروة الانحطاط السياسي والأخلاقي لهذا الحزب، الذي تجرأ على الله وانتحل اسمه. والمشكلة أن قيادة هذا الحزب، تفسر قرارها حينا بحماية المراقد الشيعية، وحينا آخر بمحاربة الإرهاب، وأحيانا بالدفاع عن المقاومة، في حين انها تشارك في مقتلة فظيعة للسوريين الذين طالما احتضنوا الحزب تقديرا لمقاومته إسرائيل، من دون أي حساب لتكوينه ولا لأيديولوجيته.
لم يكن هذا هو الانحطاط الأول لحزب الله، فهو ابان الغزو الأميركي للعراق لم يقل ولا كلمة عن الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران، والتي جاءت على دبابة أميركية لتتسيّد على العراق، وتبعاً لذلك لم يكن هذا الحزب مع المقاومة العراقية، بل انه كان مؤيدا لسياسات المالكي الطائفية، التي تكشفت عن سياسات خرقاء قائمة على الفساد، وتخريب الدولة والمجتمع العراقيين، وهي بالذات التي أدت الى وقوعه فريسة لـ"داعش".
بالمحصلة ينبغي ان نأخذ الأمور في عواقبها، ذلك ان مقاومة حزب الله لإسرائيل، قبل عقد ونصف لا تعطيه صكاً على بياض في السياسات التي ينتهجها في لبنان وسوريا، ولا تبيض صفحته في المشاركة في قتل السوريين، أو في التبعية للسياسات الإيرانية، التي اشتغلت تخريبا في المشرق العربي. ومعلوم أن إيران بالذات هي المسؤولة عن تصدع المجتمعات العربية، إذ انها نجحت في ما لم تنجح به إسرائيل منذ قيامها، أي في اثارة النعرات الطائفية /المذهبية في العالم العربي، وهذه أكبر خدمة يمكن أن تقدمها دولة لإسرائيل، بغض النظر عن ادعاءاتها.