الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حسن نصر الله و المعايير المزدوجة

حسن نصر الله و المعايير المزدوجة

23.04.2015
د. رحيل محمد غرايبة



الدستور
الاربعاء 22-4-2015
رصد عدد من المراقبين خطاب حسن نصر الله مؤخراً بشأن إعلان موقفه السياسي مما يجري في اليمن، ووقفوا على مجموعة تناقضات واضحة بشأن موقفه السياسي مما يجري في أقطار عربية أخرى، ووقفوا في خطابه على استخدام المعايير المزدوجة، التي تشكل انتقاداً صارخاً لكل من يستخدمها، لأنها تمثل هدماً للقيم والمبادئ التي ينبغي أن تبقَ سليمة من الانهيار، رغم الاختلاف والتباين في المواقف السياسية، ورغم الاختلاف والتناقض في المصالح والميول الدينية والمذهبية.
وجّه حسن نصر الله انتقاداً لاذعاً للمملكة العربية السعودية بشأن عاصفة الحزم التي استهدفت جماعات الحوثيين في اليمن، وانتقد بشدة استمرار العاصفة لليوم الثاني والعشرين على التوالي، قصفاً وتدميراً وقتلاً وتشريداً، واستغرب بشدة دخول عاصفة الحزم في أسبوعها الرابع من أجل إعادة الرئيس "عبد ربه منصور هادي" إلى الرئاسة، حيث يقول: وهذا ما لا يصدقه عاقل في الدنيا، فكل هذه الحرب وهذا الدمار وهذه الغارات من أجل إعادة الرئيس أم من أجل مصلحة اليمن والشعب اليمني؟!
وجه الاستغراب من قبل المراقبين السياسيين أن حسن نصر الله لم يستغرب امتداد الحرب في سوريا لمدة أربعة أعوام وليس أربعة أسابيع من أجل بقاء الرئيس، حيث قال بكل وضوح: الرئيس السوري خط أحمر، بمعنى مهما كانت الخسائر ومهما كان حجم التدمير ومهما كان عدد القتلى والجرحى والمشردين في سوريا، كل ذلك يصدقه العقل من أجل بقاء الرئيس السوري رئيساً.
والأشد غرابة أن عدد القتلى السوريين وصل (4/1) مليون قتيل وعدد المشردين زاد على (10) ملايين، وتم تدمير كل المدن والمؤسسات والمساجد والقلاع والمناطق والطرق ولم يبق حجر على حجر، ومع ذلك كل ذلك يهون من أجل بقاء الرئيس، إذا عقدنا مقارنة مع حجم الخسائر وحجم التدمير في اليمن!
أما التناقض الآخر فكان عبر الإصرار على وصف الجيوش المشتركة في الحرب بالمستأجرة والمرتزقة، واستهجانه الكبير لموضوع دخول قوات عربية إلى دولة عربية وإلى أرض عربية، وتقاتل شعباً عربياً، لأن الأثر يتعدى إلى (24) مليون يمني، فلماذا لم يعمد إلى رؤية الصورة نفسها بالمقياس نفسه والمعيار نفسه الذي يمنع دخول قوات عربية إلى أرض سورية العربية، وقد أعلن بكل وضوح دخول مليشيات حزب الله إلى سوريا لتقاتل داخل دولة عربية ، وعلى أرض عربية وتمس شعباً عربياً يزيد عدده على العشرين مليون متضرر، وهو أيضا يتكلّم العربية، وسحنته عربية وأصوله عربية.
في هذه المقالة لا انتقد موقفه السياسي فهذا حقه، ولا  أدافع عن موقف سياسي هنا، ولا أقر موقفاً سياسياً هناك، فلكل حزب أوجماعة الحق أن يعلن رأيه السياسي بوضوح وجرأة، فهذا مكفول شرعاً وعقلاً، وليس هذا محل الحوار والانتقاد، وإنما كانت الإشارة فقط إلى استخدام المعايير المزدوجة، فإذا كان المعيار عدم جواز التدخل في شؤون الشعوب العربية، فيجب أن يكون ذلك لكل الشعوب بلا استثناء، وإذا كان المعيار الآخر المعتمد بعدم جواز إرسال قوات لتقاتل على أرض عربية لصالح طرف ضد طرف في مسألة داخلية لشعب عربي؛ فليكن ذلك في اليمن وسوريا والعراق أيضاً، وينبغي تطبيق المعيار نفسه في استنكار تدخل قوات إيرانية إلى سورية بنفس درجة تدخل قوات سعودية إلى اليمن، مع العلم أن سوريا ليست دولة حدودية مع إيران.
وإذا كان المعيار الثالث يتعلق بحماية الرئيس الشرعي الموجود، فالرئيس عبد ربه منصور رئيس شرعي منتخب لليمن كذلك، وشرعيته أعلى وأقوى من شرعية بشار، فلماذا الكيل بمكيالين، أو عدة مكاييل!.
وإذا أردنا أن نعترف جميعاً في الحقيقة  فإننا جميعاً نستنكر على أمريكا والدول الغربية المستعمرة استخدام المعايير المزدوجة بشأن القضية الفلسطينية وقضايا العرب، ولكننا نحن كذلك نستخدم المعايير المزدوجة  فيما بيننا سواء على صعيد الأنظمة أو على صعيد القوى والجماعات السياسية العربية، وهذا أحد أسرار فشلنا؛ لأننا نعمد إلى تطويع المبادئ ونلوي أعناق النصوص ونتحايل على القيم، ونجيز لأنفسنا الخروج عليها، ونستنكر على خصمنا الممارسة نفسها، حيث لم يستنكر حسن نصر الله ولو مرة واحدة التدخل الإيراني في معظم الأقطار العربية خلال سنوات طويلة ويعد ذلك حقا لها، بل ويبرر لها ويكيل لها المديح والثناء على هذا الصنيع، ويستنكر على الآخرين القيام بالممارسة نفسها أو جزء منها.
نحن بحاجة إلى وقفة صادقة مع النفس، وأن نعمل جميعاً على وقف هذا التدهور المريع في كل الأقطار العربية المنكوبة، عبر التوافق على ميثاق شرف عربي يقوم على مبادئ موحدة، ومنهجية واحدة ومنظومة قيمية ثابتة، لا تنحاز لطرف ولا تحيد عن الحق، وتلتزم باختيار الشعوب واحترام إرادتها واعتبارها مصدر الشرعية.