الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حصيلة مفاوضات جنيف حول "النووي الإيراني"

حصيلة مفاوضات جنيف حول "النووي الإيراني"

06.11.2013
محمد صوان


المستقبل
الثلاثاء 5/11/2013
عاد الملف النووي الإيراني بقوة إلى طاولة الحوار بين الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة حسن روحاني ومجموعة دول "5الثلاثاء 5/11/20131" حيث تتسم هذه العملية التفاوضية بدرجة كبيرة من التعقيد والتداخل الواضح بين الملف النووي وبين ملفات أخرى متعلقة بالسياسة الأميركية والغربية الشرق أوسطية، والأمن الإسرائيلي والمصالح النفطية الأوروبية، والدور الإقليمي لإيران، وشبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية، وتشابكها مع الولايات المتحدة الأميركية في العديد من الملفات الساخنة وهو ما يؤدي إلى تمازج كبير في الأوراق التي يملكها كل طرف من الأطراف المتفاوضة مع الضغوط التي يتعرض لها، وتدفعه نحو طاولة الحوار وتجعله حريصاً بشأن النتائج.
إن دخول إيران إلى المفاوضات مجدداً هو بمثابة إعلان جاهزيتها للحديث عن برنامجها النووي السلمي، مترافقاً مع التعهد بالوصول إلى حلول، لأنها ترى في نفسها قوة إقليمية تمتلك مفاتيح حل للعديد من القضايا، ولها دور في الكثير من الملفات الشائكة التي تمتد على مساحة جغرافية واسعة.
لهذا فهي تعي جيداً أن أي تنازلات كبيرة ستضعف من موقفها ومكانتها الإقليمية، وتحاول كسب بعض التنازلات من الغرب في ما يتعلق بملف العقوبات الاقتصادية وملفات أخرى ساخنة مثل الملفات العراقي والأفغاني والسوري، وبالتالي ترى إيران في المفاوضات فرصة لتوسيع سلّة التفاوض حول قضايا سياسية واقتصادية وتجارية تتجاوز الملف النووي.
كذلك فإن إيران تعتمد "سياسة مزدوجة" للتعامل مع واقع العقوبات الأممية والأوروبية المتنوعة التي تهدف لخنق اقتصادها، والتهديدات العسكرية الصريحة والمستترة لمنشآتها النووية لتضييق هامش المناورة أمامها، فهي من جهة تظهر جاهزيتها العسكرية القصوى للرد على التهديدات العسكرية الإسرائيلية، والتلميحات الأميركية تكثر من استعراض متواصل لقدراتها الصاروخية التي يمكن أن تصل إلى العمق الإسرائيلي وتضر بمصالح أميركية وغربية، ومن خلال مناوراتها المتواصلة في مياه الخليج، وتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز من جهة أخرى، هذا إلى جانب التقليل الدعائي الإعلامي من قدرة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
اعتمدت إيران روحاني سياسة إظهارالمرونة الديبلوماسية بالموافقة على بسط رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحقها بالتفتيش المفاجئ على جميع منشآت تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في منطقتي "آراكوناتانز" بقصد إزالة الشكوك الدولية حول غموض برنامجها النووي وإقرار حقها بالتخصيب للأغراض السلمية المدنية، ورغبة إيران في استثمار جو المفاوضات من أجل رفع العقوبات المفروضة عليها.
دخلت إيران تلك المفاوضات الأخيرة التي عقدت خلال تشرين الأول 2013 في جنيف وهي تمتلك أوراقاً إقليمية جديدة تتيح لها قدراً من المناورة، يقلل من التنازلات التي يمكن أن تقدمها في مواجهة سقف عالٍ من المطالب الأميركية والغربية، لهذا نجدها تعلن مسبقاً على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، رفضها لسياسة المواجهة ومغادرتها لغة التهديد والضغوط مع ضرورة قبول الدول الكبرى بواقع امتلاك إيران للطاقة النووية السلمية، في إطار اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، وأعلن الجانب الإيراني عن تقديم "مبادرات جديدة" مع الإشارة إلى قبول تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في منشأة "فوردو" قرب مدينة قم والسماح لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة بمزيد من الزيارات لمنشآتها في أي وقت من الأوقات تختاره.
ورغم أن تلك المفاوضات كانت فرصة للحد من التوتر، والتلاقي حول مخرج بشأن الملف النووي الإيراني وملفات أخرى غير معلنة، في ظل تهديدات إسرائيلية بضربة عسكرية إجهاضية وعزلة متزايدة لشبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية، وذلك نتيجة سياسة الهيمنة والتدخل التي تمارسها وللضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على القوى التي ساندت إيران في قضيتها النووية، مما أسفر عن فشل إيران بمنع صدور القرار الدولي رقم 1929 الذي هدف إلى عزلها ديبلوماسياً وإنهاكها اقتصادياً حيث كانت حساباتها خاطئة، واتضح أن رهانها على روسيا في غير محله، كما خسرت رهانها على الهند التي صوّتت مع قرار تحديد الشروط الذي تم بمقتضاه تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن.. ومن ثم بدا لإيران أن هناك اتفاقاً دولياً قد نشأ في مواجهة طموحاتها النووية، هذا الاتفاق لا يمكن إحداث ثغرات فيه إلا بتبني مواقف مرنة وقبول الحوار لتفويت الفرصة على إسرائيل التي تسخّن الأجواء الدولية ضد إيران لصرف الأنظار عن الترسانة النووية الإسرائيلية الضخمة وغير الخاضعة للرقابة الدولية، والتي تخوض في الخفاء حرباً موازية ضد البرنامج النووي الإيراني من خلال الأدوات الإلكترونية والاستخباراتية باختراق المفاعلات النووية عبر الفيروسات الإلكترونية واغتيال أبرز علمائها النوويين. وتباينت ردود الفعل بشأن مخرجات مفاوضات جنيف الأخيرة بين ترحيب من جانب الوفود المشاركة بجو الإيجابية الذي ساد تلك المفاوضات والتفاؤل بشأن المفاوضات المقبلة التي يمكن أن تكون منتجة.
خلاصة القول: لقد طرحت مجموعة "5الثلاثاء 5/11/20131" على إيران في جنيف حزمة مقترحات شملت تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ووقف النشاط كلياً بمفاعل "فوردو" وإخراج مخزون اليورانيوم المخصّب من إيران وتسليمه لأحد البلدان، مقابل تسليمها وقوداً نووياً مباشرة لمفاعل الأبحاث العلمية السلمية، وبحث التعاون حول إمكانية إنشاء مفاعل للأبحاث النووية السلمية والتعاون بمجال الأمن النووي، والإلتزام بعدم إصدار قرار يتعلق بإيران من مجلس الأمن حول أسلحة الدمار الشامل وتخفيف العقوبات الأميركية أحادية الجانب خصوصاً في مجال الطيران المدني وتزويد إيران بمحركات طائرات "إيرباص".
تلك المقترحات التي وصفتها مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي السيدة كاثرين آشتون بأنها "مثيرة للاهتمام" ووصفها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف "بالمتوازنة" وفي ضوئها قدمت إيران حزمة مقترحات من خمسة محاور تشمل قضايا نووية وغير نووية ترتكز على معاهدة حظر الانتشار النووي، وفتوى تحريم الأسلحة النووية، وحق إيران بتخصيب اليورانيوم للاستخدام السلمي، ومبدأ الخطوة - خطوة، أو التبادلية بإزلة العقوبات مقابل ما تقدمه إيران من تنازلات بشأن برنامجها النووي وهو المنهج الذي تدعمه روسيا والصين ووافقت كذلك على زيادة عدد المفتشين الدوليين للمنشآت العسكرية التي يشتبه الغرب بأنها تشمل أبعاداً استراتيجية للأنشطة النووية الإيرانية.
يبقى أنه، باستقلالية عن الملف النووي وبالترابط معه في الوقت نفسه هناك عقدة التدخل الإيراني الفاضح في شؤون الإقليم (العربي خصوصاً)، وضرورة معالجته لصالح علاقة طبيعية وسليمة بين إيران والأقطار العربية.