الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حضور حاسم للقوى الأجنبية في سوريا ونظام الأسد واجهة لقوتين دوليتين 

حضور حاسم للقوى الأجنبية في سوريا ونظام الأسد واجهة لقوتين دوليتين 

09.01.2021
هبة محمد



القدس العربي 
الخميس 7/1/2021 
دمشق –  "القدس العربي ": نظرة فاحصة على المشهد السوري، بعدما تحولت قضيته من ثورة شعبية من أجل الحرية والديمقراطية، إلى ساحة صراع دولي وإقليمي، ومجال خصب للتدخلات الدولية، التي حوّلت البلاد إلى مناطق نفوذ، فانعكست هذه التداخلات على مسار القضية المتعرج، وتشابك فيها المحلي بالإقليمي، وارتبط كلاهما بالبعد الدولي، الذي أصبح اليوم العامل الأكثر تأثيراً في مجريات الأزمة وحمل البلاد إلى حواف التشظي، نتيجة وجود 5 قوى مرئية على الأرض فضلاً عن القوى المستترة التي تمارس نفوذها، وهو ما يشير إلى أن النظام السوري لم يعد إلا واجهة لقوتين كبيرتين على الأرض. 
ففي أكبر تواجد للقوى الأجنبية على الأراضي السورية في تاريخ سوريا الحديث، سجلت خريطة حديثة صادرة عن مركز جسور للدراسات، توزّع القواعد الدولية في سوريا، وأظهرت الخريطة نحو 477 موقعاً وقاعدة أجنبية على امتداد الرقعة السورية، تقاسم فيها الفاعلون – التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة الأمريكية، وروسيا، وتركيا، وإيران، وحزب الله – الجغرافية السورية، بما يعكس حجم التأثير الخارجي في الملف السوري، على حساب تأثير الفاعلين السوريين مجتمعين. 
 "التحالف الدولي " 
يمتلك التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة الأمريكية 33 موقعاً عسكرياً بين قاعدة ونقطة تواجد، توزعت على 4 محافظات وهي: 19 في الحسكة، و10 في دير الزور، و2 في الرقة، و2 في ريف دمشق. كما شكل انتشار التحالف الدولي شرق سوريا عائقاً أمام انتشار روسيا وإيران. 
كما ساهم انسحاب الولايات المتحدة من محافظة حلب في وصول روسيا إلى المنطقة وإنشاء نقاط وقواعد لها بعد عقد تفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية، حيث باتت موسكو تمتلك 83 موقعاً عسكرياً بين قاعدة ونقطة تواجد، موزعة على 12 محافظة، وهي: 23 في حماة، و11 في الحسكة، و10 في حلب، و7 في دير الزور، و6 في الرقة، و5 في السويداء، و5 في إدلب، و5 في حمص، و4 في دمشق، و3 في اللاذقية، و2 في القنيطرة، و1 في طرطوس. 
لا حل إلا بتفاهمهما… أكثر من 450 قاعدة أجنبية على أراضيها 
ووفقاً للمصدر فإن موسكو تبدي تركيزًا على تعزيز تواجدها في محافظات شرق الفرات، مستفيدة من انسحاب الولايات المتّحدة من محافظة حلب والتفاهم الذي أجرته مع قوات سوريا الديمقراطية. ويُشكّل التواجد العسكري لروسيا في سوريا  "ضماناً لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في ظل التنافس المحتدم مع إيران وتركيا والولايات المتّحدة، لكن الانتشار العسكري لا يبدو كافياً لتأمين مصالح ومخاوف روسيا، ما لم يتم ترجمة ذلك إلى مكاسب سياسية ". 
أما إيران، فإنها تمتلك 131 موقعاً عسكرياً في سوريا بين قاعدة ونقطة، وذلك ضمن 10 محافظات وهي: 38 في درعا، و27 في دمشق وريفها، و15 في حلب، و13 في دير الزور، و12 في حمص، و6 في حماة، و6 في اللاذقية، و5 في السويداء، و5 في القنيطرة، و4 في إدلب. وتحاول طهران تعزيز حضورها العسكري جنوب سوريا، في إطار استراتيجيتها لتحويل المنطقة إلى قاعدة عمليات متقدّمة ضد إسرائيل، والوصول إلى المياه الدافئة عبر ممر بري يصل بين طهران – بغداد – دمشق – بيروت. 
وغالباً ما تأمل إيران أن يساهم انتشارها العسكري في سوريا بضمان حماية خطوط الإمداد العسكري واللوجستي لحزب الله، وخفض التكاليف المترتبة على نقل التكنولوجيا العسكرية إلى حلفائها. إضافة إلى ضمان حماية مصالحها في المؤسسات السياسية والأمنية في سوريا، في ظل التنافس الشديد مع روسيا. 
أما ميليشيا حزب الله، فإنه يمتلك 116 موقعاً عسكرياً في سوريا على شكل نقاط مستقلّة أو مشتركة أو شبه مشتركة مع القوات الإيرانية، وذلك ضمن 9 محافظات وهي على النحو التالي: 38 في حلب، و13 في إدلب، و11 في حمص، و12 في دمشق وريفها، و21 في درعا، و7 في دير الزور، و7 في القنيطرة، و3 في السويداء، و4 في حماة. 
ويُوفّر انتشار حزب الله عسكريّاً في سوريا الحماية لطرق الإمداد البري التي تصل بين إيران ولبنان، وتشكيل حزام أمني على طول الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا يكون كممر إمداد بديل عن مناطق البقاع وجبل لبنان، إضافة إلى تأمين الدعم لسياسات إيران والنظام السوري. 
وبالنسبة للحليف الدولي للمعارضة العسكرية والسياسية السورية، فإنها تمتلك 113 موقعاً عسكرياً في سوريا بين قاعدة ونقطة تواجد، وذلك ضمن 5 محافظات، وهي: 55 في حلب، و43 في إدلب، و9 في الرقة، و4 في الحسكة و2 في اللاذقية. ويُشكّل انتشار تركيا في شمال سوريا عائقاً أمام انتشار روسيا وإيران، حيث تتوزّع النقاط والقواعد العسكرية على شكل خطوط صد؛ تجعل من الصعب تقدّم النظام السوري نحو مناطق سيطرة المعارضة السورية دون الاشتباك معها مباشرة. 
وتعقيباً على خريطة الوجود الأجنبي والقواعد العسكرية، وتوزع مناطق النفوذ على الأقل بين 5 مناطق نفوذ مرئية، فضلاً عن مناطق النفوذ الغير مرئية، اعتبر أستاذ العلاقات السياسية الدولية في جامعة باريس، والخبير في الجيوبوليتيك، الدكتور خطار أبو دياب، أن دخول المحنة السورية عقدها الثاني مع توزع الأرض وتقسيمها إلى مناطق النفوذ، فضلاً عن كل العتاد الأجنبي على الأراضي السورية، يوحي بأن هذا البلد تحول إلى مسرح كبير لصراع دولي إقليمي، ويعني أن النظام لم يعد إلا واجهة لقوتين تمارسان النفوذ الكبير على الأرض، في إشارة إلى القوة الروسية والإيرانية. وأضاف الخبير لـ "القدس العربي ": هناك قوى أخرى ضمن اللعبة مثل الأمريكيين والأتراك والجانب الكردي وأيضاً هناك طرف مستتر ويلعب جانباً مباشراً هو إسرائيل ". وأبدى أبو دياب، تأكيده على نجاح محاولة تحوير المسألة من نضال ضد نظام، إلى مسائل أخرى مثل حرب ضد الإرهاب والدخول في لعبة المحاور الإقليمية والدولية ومحاولة تركيز نفوذ دولي ما في سوريا. ويبقى الوضع السوري، وفق وصف المتحدث، معقداً جداً ولا مثيل له، نتيجة كل هذا الوجود الأجنبي، الذي يشير إلى أنه من دون الجلوس إلى طاولة المفاوضات ما بين الأمريكيين والروس  "لا نأمل حلحلة فعلية للملف السوري المعقد ". 
التأثير والفاعلية 
وفي سؤال للباحث لدى مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي عن تأثير وفاعلية الأطراف الدولية المنتشرة على الأراضي السورية قال إنّ عدد القوات أو المواقع العسكرية لا يعكس بالضرورة فارق القوة والتأثير والفاعلية بين الأطراف الدولية في سوريا. وأوضح في حديثه مع  "القدس العربي " أن روسيا غالباً تمتلك التأثير الأكبر مقارنة مع تركيا وإيران اللتين تمتلكان عدد قوات ومواقع أكبر بكثير، ولجوء هاتين القوتين لتعزيز تواجدهما مرتبط بضرورة اللجوء إلى الانتشار كمعيار لحماية وتأمين المخاوف والمصالح في ظل وجود فروق كبيرة مع بقية القوى مثل روسيا والولايات المتّحدة؛ باستخدام الأدوات التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية والسياسية. 
وأضاف  "عاصي " منذ تدخّل روسيا في سوريا عسكرياً عام 2015، بدا واضحاً أن القرار السياسي أصبح أكثر ارتباطاً بمستوى التواجد العسكري، وقد ساهم تدخل روسيا في إصدار القرار 2254 والذي كان بديلاً عن بيان جنيف-1، ومن ثم الخروج عن مسار جنيف واستحداث مسار جديد (أستانة) والذي مهّد لاختزال العملية السياسية في إطار إصلاح دستوري أو انتخابات دون انتقال سياسي. 
كما كان لتدخّل إيران وحزب الله في سوريا منذ عام 2012، دور كبير في عدم استجابة النظام السوري للضغوط الدولية واستمرار سياسته في هدر الوقت خلال مباحثات جنيف. وكذلك كان لتدخّل تركيا عسكرياً في سوريا دور بارز في التأثير على مسار العملية السياسية عبر دعم مسار أستانة.