الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حقائق حول مأساة اللاجئين

حقائق حول مأساة اللاجئين

16.09.2015
طلال صالح بنان



عكاظ
الثلاثاء 15/9/2015
من أهم ما تتمخض عنه الحروب: ما تخلفه من مآس إنسانية، تأتي مأساة اللاجئين في مقدمتها. ليس سهلا على أي إنسان أن يترك بلده وأهله وعشيرته، ليجرب حياة أخرى في غير وطنه، إلا بصورة مؤقتة ولفترة قصيرة، مثل ما هو في حالة طلب العلم والسعي وراء الرزق وتلقي العلاج، وهي حالات في معظمها شخصية وفردية. أما أن تحدث حالة طارئة من الطرد الجماعي من الأوطان قسرا، بسبب الحروب.. أو الغزو.. أو الكوارث الطبيعية.. أو عدم استقرار الأوضاع السياسية.. أو تردي الأحوال الاقتصادية، فإن المآسي التي تنتج عنها تصبح كارثية ولا ينحصر ضررها على البيئات الطاردة، بل يتعداه إلى البيئات الأخرى المضيفة ترحابا أو قسرا، بسبب شح الموارد.. والاختلافات الثقافية والدينية والعرقية، وربما للحساسيات التاريخية والخلفيات العنصرية.
مشكلة اللاجئين من أهم مشاكل نظام الأمم المتحدة الحالي، بل إن بعضها يعد امتدادا لنظام عصبة الأمم، الذي قسم الكثير من البلدان لإنشاء نطاق من الدول القومية الحديثة بعد تفتت الدولة العثمانية، ليس على أسس وطنية ورسم حدودها مراعاة لتضاريس أراضيها وديموغرافية سكانها، إنما لإشباع أطماع استعمارية، وكذا للتنفيس عن عقد وثارات تاريخية وترسبات عنصرية ودينية... والأهم: طمعا في مناطق نفوذ غير تقليدية قريبة وغنية بمواردها وإرثها التاريخي.
وكما كانت موجة اللاجئين الأولى خلال الحربين الأولى والثانية وما بعدهما، التي وصلت إلى منتهاها بجعل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تعلق في ضمير العالم إلى اليوم، دون وجود حل منصف لها، تعمد اليوم نفس الدول الاستعمارية التقليدية وكذلك القوى العظمى الحديثة (الولايات المتحدة وروسيا)، سعيا وراء ما يسمونه «فوضى خلاقة» لإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة لاستعادة نفوذهم فيها وترسيخه. ألا يبدو مثيرا للريبة أن موسكو تؤيد الأسد، في نفس الوقت، تتغاضى واشنطن عن جرائم الأسد.. والاثنان يبدو لا هم لهما سوى تدمير سوريا وإفراغها من شعبها، حتى ولو لم يبق فيها سوى الأسد!؟
تاريخيا، إذن: كان فرض القوى العظمى لواقع دول قومية في المنطقة، على أساس أطماع استعمارية، وليس على أسس وطنية حقيقية، مما قاد لظهور «أنظمة وطنية» قمعية لم تسلم من عقد التاريخ والعنصرية والقبلية والطائفية، مثل نظام البعث في سوريا، وإن تخفت وراء أقنعة سياسية «علمانية وليبرالية» زُعم أنها تعكس الروح الوطنية للدولة القومية الحديثة. لقد ظلت النار تضطرم تحت الرماد حتى تفجرت مؤخرا بما سمي ب «ثورات الربيع العربي».
أظهرت تجربة «ثورات الربيع العربي»، المريرة هذه أسوأ مما كان يسمى ب «الأنظمة الوطنية»، في بعض الدول العربية. لقد أصبحت الدولة والنظام قامعة لمواطنيها، حتى أضحى العيش في الوطن يستحق كل التضحيات للفرار منه! فركب البحر من ركب.. واخترق الحدود من استطاع... وكادت الكثير من بلاد العرب، أن تصبح قفرا من أهلها تشتعل فيها الحروب الأهلية، التي تغذيها قوى الشر الاستعمارية التقليدية، وزادت عليها قوى إقليمية انتظرت خمسة عشر قرنا لتثأر من العرب.
على أي حال: لم يكن استقبال الأوروبيين للاجئين العرب، السوريين بالذات، يخلو من المن والأذى والكثير من الهمز واللمز على العرب، الخليجيين منهم بالذات.. والمملكة على وجه الخصوص، كما جاء في تصريح غير موفق وغير لائق للمستشارة الألمانية، تناقلته وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي. لقد أُسقط (أخلاقيا وحضاريا وسياسيا) في يد الأوروبيين عندما لقي آلاف اللاجئين حتفهم غرقى على سواحل أوروبا الجنوبية.. أو من الجوع والبرد وهجوم الضواري عليهم وهم يخترقون الحدود إلى داخل أوروبا. كما استغل الغرب آلته الإعلامية وأدواته الدبلوماسية لشن حملة منظمة للمتاجرة الرخيصة بمأساة اللاجئين العرب، والهجوم على الدول العربية والإسلامية!
لا يرد في إعلام الغرب ولا في خطابهم السياسي حقائق عن الجهود العربية والإسلامية للتخفيف من معاناة اللاجئين السوريين وغيرهم من العرب. لا يوردون مثلا: أن المملكة تستضيف ما يقرب من 2.5 مليون ضيف سوري.. وأن تركيا تستضيف 2 مليون لاجئ سوري، وأن لبنان يستضيف أكثر من مليون وربع لاجئ سوري.. وأن العراق يستضيف نصف مليون لاجئ سوري.. والأردن أكثر من ذلك.. ومصر تستضيف ١٣٣ ألف لاجئ سوري. في الوقت الذي صحا فيه ضمير كاميرون ليعلن عن استقبال بريطانيا ل١٥ ألف لاجئ سوري.. ويأمر أوباما باستقبال ١٠ آلاف لاجئ سوري، فقط!
بينما ساهمت دول الخليج العربية بما يزيد على ٤ مليارات دولار في برامج الأمم المتحدة لإيواء وإعاشة اللاجئين في الدول التي لها حدود مع سوريا، أكثر من ثلث هذا المبلغ جاء من المملكة العربية السعودية وحدها. بالنسبة للمملكة فإن لها تجربتها التاريخية الفريدة والخلاقة في استضافة إخوة مسلمين وعرب، من فلسطين وبورما وجمهوريات آسيا الوسطى، وأخيرا من سوريا واليمن، دون إشعارهم بأنهم لاجئون.
مؤخرا: أصدرت المملكة الكثير من الأنظمة التي تعفي الإخوة السوريين واليمنيين الموجودين في المملكة، بغض النظر عن الطريقة التي دخلوا بها، من أنظمة الإقامة وجرى تصحيح أوضاعهم القانونية والنظامية بما يوفر لهم كريم الإقامة.. وفرص العمل الشريف.. وجميع الخدمات التي توفرها الدولة لمواطنيها، من صحة وتعليم وأمن ودعم اقتصادي واجتماعي، حتى يشعر الإخوة السوريون واليمنيون أنهم بالفعل في بلدهم بين أهلهم وذويهم، وليسوا لاجئين منبوذين في مخيمات منعزلة. عمليا: المملكة تستضيف ما يزيد على ٣ ملايين سوري ويمني، منهم ٢.٥ مليون سوري دون أن تطبق عليهم الكثير من معايير اللجوء المهينة واللا إنسانية، كتلك التي تطبقها الدول الغربية.
إن مأساة اللاجئين فيها الكثير من المتاجرة الإعلامية والسياسية الرخيصة، ويُجهل الكثير عن الجهود الإنسانية الحقيقية، التي تحتاج إلى جهد إعلامي وسياسي كبيرين لإبرازها.