الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حقوق الإنسان والثورة السورية

حقوق الإنسان والثورة السورية

16.12.2013
جمال قارصلي


الشرق القطرية
الاحد 15/12/2013
ها هي تمر علينا الذكرى الخامسة والستون لليوم العالمي لحقوق الإنسان والتي تتزامن مع مرور ألف يوم على انطلاق ثورة الحرية والكرامة في سوريا. في هذا اليوم (10.12.1948) أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق كل إنسان في التمتع بالحرية والكرامة والمساواة. مهما كانت صفاته ولونه وعرقه ودينه. هذه الحقوق ليست محصورة على مجتمع معيّن. بل صالحة لكل مكان في العالم ولكن وللأسف يتفاوت تطبيقها بين مجتمع وآخر. متأثرا بمستواه الحضاري والفكري وبتراثه وديانته وعاداته وتقاليده. كذلك الانتهاكات لحقوق الإنسان تتفاوت بين مجتمع وآخر وأكثرها لا إنسانية هي التي تتم تحت حكم الأنظمة القمعية والاستبدادية والديكتاتورية. هذه الانتهاكات تستفحل وتزداد قسوة في الظروف الاستثنائية مثل الحروب والكوارث. ما يعانيه الشعب السوري الآن من مجازر وعمليات تهجير وتشريد وإهانة وذل في داخل سوريا وخارجها قد تجاوز كل التوقعات والتصورات ولم يسبق لشعب آخر قد مر بمثل هكذا كارثة وما يعيشه هذا الشعب الآن لا يمكن وصفه إلا بالمأساة المليئة بالفظائع والانتهاكات اللاإنسانية. عدم اكتراث كثير من الأنظمة العربية بالقرارات الأممية لحقوق الإنسان ولعقود طويلة وكذلك استهتارها بالقيم والمبادئ الإنسانية التي استنبطها المجتمع من دينه وتراثه وحضارته كانت إحدى الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الثورة في سوريا وفي دول عربية أخرى.
إن تراكم الانتهاكات لحقوق الإنسان في أي مجتمع كان ولحقبة طويلة يؤدي في نهاية المطاف إلى ردة فعل عكسية تأخذ بالمجتمع إلى حالة لا تُحمد عقباها. ألم تكن عملية اعتقال أطفال درعا هي الشرارة التي أدت إلى إشعال نار الثورة السورية والتي كانت القشة التي قسمت ظهر البعير خاصة عندما سمع أهالي وأقارب الأطفال المعتقلين بأن أطفالهم يتعرضون للاغتصاب الجنسي ولاقتلاع الأظافر والتعذيب من قبل رجال الأمن؟ كذلك الاعتقالات التعسفية الكثيرة وآليات التعذيب في المعتقلات وإساءة معاملة المعتقلين وموت بعضهم تحت التعذيب واختفاء بعضهم قسريا كانت لدى شريحة كبيرة من المعتقلين السابقين الذين تم الإفراج عنهم سبب مباشر للانخراط في صفوف الثورة السورية وبحماس شديد. هؤلاء الشباب أصبحوا يشعرون بأنهم قد أضاعوا أغلى ما يملكونه في حياتهم. ألا وهي كرامتهم. بسبب انتهاك رجال الأمن لها ولفترات طويلة. وأصبحوا يحسون في قرارة أنفسهم بأنهم منزوعو الكرامة والحرية. فلهذا فضلوا الموت على حياة الذل والعبودية والقهر وصار شعارهم: الموت ولا المذلة!
الأنظمة العالمية والمؤسسات الأممية تصلها تقارير كثيرة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا ودول أخرى ولكنها لا تحرك ساكنا وتكتفي بالاستنكار والشجب. وهي تعلم أن هذه الأنظمة الديكتاتورية تدوس على حرية وكرامة مواطنيها بالأرجل ولا تطبق أي من القرارات الأممية لحقوق الإنسان. بعض هذه الدول تذهب إلى أبعد من ذلك وتتعامل مع هذه الديكتاتوريات بمعايير مزدوجة بخصوص حماية حقوق الإنسان وتقوم وبشكل مباشر بدعم انتهاك هذه الحقوق في تلك الدول. على سبيل المثال لا تسمح قوانين كثير من الدول المتحضرة بانتزاع الاعترافات من المتهمين تحت التعذيب. وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فتقوم هذه الدول باستجداء "خدمات" الأنظمة القمعية لكي لا "تتلوث" أيديها بمثل هكذا أفعال قذرة ولا إنسانية. والتي أساسا يعاقب عليها قانون بلادها. فترسل من تريد استجوابهم إلى هذه الأنظمة الديكتاتورية مثل ما حصل مع معتقلي غوانتانامو. الذين وُجهت إليهم تهمة العمل مع تنظيم القاعدة. عملية الاستجواب هذه تتم تحت أقسى أنواع التعذيب واللاإنسانية من أجل إجبار المتهمين على الاعتراف بجرائم ربما لم يقوموا بارتكابها. "النظام" في سوريا كان أول من قدم هكذا "خدمات" لمثل هذه الدول والذي كان يريد بواسطتها أن يبرئ أعماله الإجرامية التي يقوم بها ضد مواطنيه وكذلك التقرب من أصحاب القرار في تلك البلاد.
بفارغ الصبر ينتظر الشعب السوري اليوم الذي تتم فيه معاملته من قبل سلطة بلاده بشكل إنساني وتقوم على صيانة كرامته وحقوقه وحريته في التظاهر والاستنكار والشجب دون أن يقوم رجال الأمن بقتله بالرصاص الحي أو اعتقاله وإهانته والمساس بكرامته. ألا نتذكر الرجل السوري في التلفاز وهو يقول باكيا بسبب المعاملة اللإنسانية التي تلقاها من قبل رجال الأمن في سوريا "أنا إنسان.. ماني حيوان". للأسف في كثير من دول العالم يوجد للحيوان حقوقا أكثر من الإنسان الذي يعيش تحت أنظمة دكتاتورية قمعية فاشية.كل من يعتبر نفسه إنسانا عليه أن يدافع عن حقوق الإنسان وفي كل مكان من العالم لأنه بذلك يدافع عن حقوقه الشخصية. وعلى المجتمع الدولي أن يحمي هذه الحقوق ويصونها وألا يفرق بين إنسان منحدر من مجتمع فقير وآخر من مجتمع غني. أو من دولة قوية وآخر من دولة ضعيفة. فيكون بذلك قد حمى حقوق أغلى ثروة في الدنيا وأقدس شيء من المخلوقات... ألا وهو الإنسان.