الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حكاية "جنيف" 2 الطويلة والمملة

حكاية "جنيف" 2 الطويلة والمملة

26.10.2013
ياسر الزعاترة



الدستور
الخميس 24/10/2013
كمتابعين للحدث السياسي،  تأخذ منا حكاية “جنيف” 2 الكثير من الوقت يوميا لمتابعة تفاصيل المواقف المتباينة حياله من سائر الأطراف المعنية بانعقاده أو عدم انعقاده؛ من نظام بشار إلى أمريكا وروسيا والمعارضة السورية والفصائل المسلحة،  فضلا عن العرب وزعيم جامعتهم،  وبعد كل أولئك وقبلهم الرجل الذي يعيش على هذه الأزمة بوصفه المبعوث العربي والأممي،  أعني الأخضر الإبراهيمي الذي يجول العالم بحثا عن حل يأتي ولا يأتي!!
ابتداءً يمكن القول، إنه لا قداسة للمواعيد،  فالمؤتمر الذي كان سيعقد قبل شهور،  ما لبث أن تأجل تباعا،  مع تحديد مواعيد يجري نسيانها بمجرد مرورها،  ليجري الحديث بعد ذلك عن مواعيد جديدة،  وكثيرا ما يتنطح مسؤولون من هنا أو هناك للحديث عن مواعيد،  مع أنهم لا يؤثرون في القرار شيئا،  كما كانت حال أمين عام جامعة الدول العربية الذي أحب أن يصرح حول القضية،  فقال،  إن المؤتمر سيعقد في 23 نوفمير،  وهو موعد كان تم تداوله،  قبل أن يجري نسخه هو الآخر من الأجندة على يد الروس والأمريكان.
ليست المواعيد وحدها هي غير المقدسة،  فالمواقف أيضا كذلك،  ومن يتابع تصريحات الدبلوماسية الأمريكية يدركْ هذا البعد في أوضح تجلياته،  فواشنطن لا تكاد تستقر على رأي،  بخاصة في عقدة التفاوض ممثلة في بقاء بشار من عدمه،  إن كان على المدى القريب أم المتوسط.
ربما كانت روسيا هي الوحيدة التي تثبت على مواقفها إلى حد ما،  فهي تشعر بغرور القوة بعدما أصبحت واشنطن قريبة منها إلى حد كبير إثر صفقة الكيماوي التي اعتبرت نصرًا روسيًا،  وربما “نصرا” للنظام أيضا!! في حين خلصت أوباما من وجع الرأس الذي ستتسبب فيه الضربة العسكرية،  فكان أن أرضى نتنياهو من دون أن يطلق صاروخا واحدا،  ومن دون أن يبالغ في استجداء الجمهوريين لكي يمرروا الضربة في الكونغرس.
هل يريد نظام بشار انعقاد المؤتمر؟ لا يبدو ذلك،  فهو مثل آخرين لا زال يهذي في التعاطي مع شروطه،  ومن استمع إلى كلام وليد المعلم حول هوية المعارضة التي يمكن أن تحضر المؤتمر (معارضة مرخصة في الداخل)،  سينقلب على ظهره من الضحك،  فضلا عن تصريحات وزير المصالحة في حكومة بشار،  وصولا إلى تصريحات الأخير نفسه الذي أعلن عبر قناة الميادين (تمولها إيران،  إلى جانب ابن خاله “رامي مخلوف” الذي كان وكيل أعماله منذ مجيئه إلى الحكم)،  أعلن أن فرص عقد “جنيف” ضعيفة بسبب المعارضة وتشرذمها.
كل ذلك يشير إلى أن بشار ليس معنيا بعقد المؤتمر،  فهو مرتاح تماما للوضع القائم،  وهو يشعر أن مسألة الأسلحة الكيماوية قد منحته مزيدا من الراحة؛ لمدة عام على الأقل سيكون وجوده ضروريا للتأكد من التخلص منها،  فضلا عن المهمة الجديدة التي يعرضها على واشنطن وتل أبيب ممثلة في محاربة الإرهاب،  وهو بالتأكيد يخشى من حكاية الحكومة كاملة الصلاحيات،  حتى لو كان نظامه جزءا منها،  لاسيما أنه يعول الآن على تغير في موقف تركيا،  تبعا لمخاوفها من بعض الفصائل الجهادية (داعش تحديدا)،  وربما بعض التغير في مواقف دول أخرى مثل قطر،  كما عكست ذلك صفقة المخطوفين التسعة،  فضلا عن تناقضات الداعمين التقليدية،  بخاصة بين قطر وتركيا من جهة،  وبين السعودية وحلفائها من جهة أخرى،  ويرى أن ذلك قد يغير ميزان القوى على الأرض لمصلحته بأنْ يكون أي حوار قادم على مقاسه،  ودون اشتراط عدم ترشحه لانتخابات الرئاسة.
المعضلة الأخرى،  والتي لا تقل أهمية هي معضلة المعارضة،  فالائتلاف لم يعد يسيطر على شيء،  وقد أعلنت معظم الفصائل براءتها منه،  وهو لذلك سيذهب عاريا إلى “جنيف” 2،  إن ذهب أصلا،  إذْ أُضطر إلى التشدد في موقفه كما عكست ذلك تصريحات رئيسه في مؤتمر أصدقاء سوريا في لندن،  فيما يتشدق هيثم مناع بأن وفده جاهز للذهاب،  مع أنّ أحدًا لم يسأله إنْ كان سيحضر أم لا،  ربما باستثناء مموليه الإيرانيين (يزعم أنه مستقل والآخرين تابعون!!).
في ضوْء هذه التعقيدات،  لا أحَدَ يمكنه الجزم بما إذا كان المؤتمر سيعقد أصلا،  أم لا،  وما الذي سيتمخض عنه إذا عقد،  ومن هو الطرف الذي سيفرض قراراته على الأرض،  وقبل ذلك ما هي تلك القرارت؟!
في هذه الأثناء،  تتواصل المعارك على الأرض،  وجاهل من يقول، إنّ بوسع النظام أن يحسمها،  ولو استمرت المعركة عشر سنوات،  في حين لا يمكن القول، إن إمكانية حسمها من قبل الثوار تبدو مستحيلة لو فرض عليهم الداعمون بعض التنسيق الجدي،  لكن ذلك لن يحدث دون تنسيق بين الداعمين أنفسهم،  والذين تتناقض أجنداتهم،  ليس في سوريا فحسب،  بل وخارجها أيضا.
تدافع شديد في المنطقة لا أحدَ يملك الجزم بمآلاته،  لكنه تدافع يتجاوز هوية سوريا ومستقبلها،  إلى هوية هذا المشرق برمته،  وما إذا كان سيكون عربيا إسلاميا،  أم علمانيا صهيونيا،  لاسيما أن من رفعوا شعار المقاومة باتوا يتقاطرون لعقد الصفقات، أميركا والغرب (مع الصهاينة بتعبير أدق)،  من نظام بشار إلى ولي أمره،  أو وليه الفقيه في طهران!!